2024-03-28 07:27 م

ليست مجرد اتهامات!

2017-10-11
بقم: بثينة شعبان
إن إعلان وزارة الدفاع الروسية بأن دعم الولايات المتحدة للإرهابيين يمثل عقبة رئيسية أمام القضاء على تنظيم داعش الإرهابي في سورية، ليس إعلاناً بسيطاً أو عابراً، بل هو إعلان مهمّ وخطر ويجب التوقف عنده مليّاً.
لقد قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف: «على ما يبدو نجاحات الجيش السوري بدعم من القوات الجوية الفضائية الروسية في التحرير السريع لوادي الفرات تتناقض مع خطط الزملاء الأميركيين»، وأشار إلى أن القوات الأميركية لم تسمح للجيش السوري بملاحقة الإرهابيين في منطقة التنف.
من المفهوم طبعاً أن روسيا لا ترغب في أن تؤجج الصراع مع الولايات المتحدة لتبدأ حرباً عالمية ثالثة، ولكنّ مثل هذه الإعلانات والتصريحات من وزارة الدفاع الروسية وإن تم تكحيلها بعبارات تلطيفية مثل «الزملاء الأميركيين»، فإنها تمثل ربطاً واضحاً، وصريحاً بين داعش وعملياته في العراق والشام وخطط الولايات المتحدة في كلا البلدين، وهذا على المستوى الدوليّ يقوّض مصداقية الولايات المتحدة، كما يقوّض أثر أي كلام تتبجح به بخصوص محاربة الإرهاب خاصة كما أعلنت القوات الروسية أن داعش اعتمد على تقارير جوية لا يملكها ولا يمكن أن يستحوذ عليها لو لم توفره لها طائرات الاستطلاع الأميركية.
هذه الاستنتاجات شكلت جوهر الفكرة التي طرحها الرئيس فلاديمير بوتين في رسالة ترحيب بالمشاركين في الاجتماع الدولي لرؤساء الأجهزة الأمنية المختصة حيث قال: «إننا ندعم المقاربة الشاملة لمكافحة الإرهاب ومنع انتشار الفكر الإرهابي وتمويل الجماعات المسلحة غير الشرعية، وندعو إلى نبذ سياسة «المعايير المزدوجة» في التصدّي لأخطر تهديدات هذا العصر.
«المعايير المزدوجة» أصبح الاسم الرديف للولايات المتحدة، وصعود روسيا اليوم في عالم العلاقات الدولية يدك كل يوم إسفيناً في نعش استفراد الولايات المتحدة بالوضع الدولي كقوة وحيدة وقطب وحيد في العالم، وهذا ما تعتمد عليه السياسة الروسية في إستراتيجيتها التراكمية، وإحصاء نقاط تقصير الآخرين، والإشارة إليها وإعادة التذكير بها كلما كان ذلك ممكناً، وفي الوقت نفسه العمل المختلف، والالتزام بالمبادئ والقيم والثوابت في العلاقات الدولية.
المتضرر الأكبر من تبنّي الولايات المتحدة لداعش في السنوات الأخيرة في سورية والعراق واليمن، هم سورية والعراق واليمن ذاتهم، ولذلك لا بد بالإضافة إلى ما يقوم به الروس من لفت أنظار العالم إلى الرابط الأكيد بين داعش والولايات المتحدة، لا بد من إعادة قراءة كل أحداث البلدان العربية في السنوات السبع الماضية في ضوء هذه الحقائق الأكيدة التي كشفت عن بعض العرى الوثيقة بين داعش والولايات المتحدة، وبين الأهداف الأميركية والإسرائيلية، التي كان من المرجو تحقيقها في بلداننا وبعض الأهداف التي قد تحققت بالفعل.
حين كنا نراقب عشرات السيارات الأميركية ذات الدفع الرباعي، تعبر من العراق إلى شمالي شرقي سورية، كنا نتساءل من أين حصل داعش على كلّ هذه السيارات الأميركية الصنع، على حين لا تستطيع دولنا أن تشتري سيرومات أطفال لإنقاذ حياتهم بسبب العقوبات والمقاطعة؟ وحين يقوم داعش بدفع رواتب الآلاف من الإرهابيين، يتساءل المرء كيف يمكن لداعش أن يحرّك كل هذه السيولة بالدولار الأميركي من الأوراق المالية الأميركية، على حين لا تستطيع دول أن تدفع ثمن قطع تبديل لطائراتها المدنية؟
العلاقة بين استهداف القوى الغربية والصهيونية لبلدان المواجهة العربية، واستهداف عصابات الإخوان ومفرزاتهم من النصرة وداعش والجيش الحر وغيرهم لبلداننا، علاقة قديمة حديثة، ولكنها، ولأسباب مجهولة، ما زالت في إطار الشبهات رغم الكتب التي تكتب عن هذا الموضوع، ومن قبل أعضاء كانوا في المنظمات نفسها أمثال عزت الخرباوي.
إن إجراء الأبحاث والتحقيقات الدقيقة والميدانية والمّعمقة، في هذا الموضوع أصبح حاجة ملحة اليوم ليس فقط لإثبات اختلاق الغرب لهذه الحركات كأدوات لتنفيذ أجنداته التي أخفق في تنفيذها بوسائل أخرى في منطقتنا، ولكن أيضاً لتحرير الدين الإسلامي الحنيف من كلّ هذه الشبهات التي لحقت به ومن كلّ مظاهر التطرف، والعنف التي أُلصقت به، والتي هي بالأساس أداة من أدوات الصهيونية لاستعمار وقهر بلداننا.
إن قرب انتهاء المعارك مع داعش في الميدان، في العراق وسورية، يمكن أن يشكّل حافزاً وفرصة للنخب السياسية والفكرية العربية، أن تعكف اليوم بهدوء وتأمل، لتعيد دراسة هذه الظاهرة وتشكلها ودخولها إلى أراضينا، والأساليب التي اتبعتها، والتكتيكات التي لجأت إليها والعلاقات التي وفرت لها السند والعون، كي نتوصل إلى استنتاجات ثابتة وأكيدة نستطيع أن نقدّمها للأجيال كجزء صحيح من تاريخنا يعتمدون عليه في رؤاهم المستقبلية الوطنية.
إن جلّ ما نفتقر إليه من تاريخنا، نحن العرب، هو دراسة الأحداث التي نمرّ بها دراسة صريحة ومعمقة، واستخلاص العبر والدروس للمستقبل في الوقت المناسب، ولذلك نجد أنفسنا نعيش التجربة أكثر من مرّة، وتتكررّ المأساة في حياتنا بمظاهر وأوقات مختلفة، دون أن نتوصل إلى الدرس الوحيد والمفيد الذي يشكّل مرشداً وموجهاً لنا في أي أحداث مماثلة قد تعترضنا بعد زمن.
لقد بذل آلاف الشهداء حياتهم ثمناً للوصول إلى هذه المرحلة المشرّفة في هذه المعركة وبذل آلاف الجرحى قطعاً من أجسادهم كي تنتصر إرادة الشعوب الحرّة، فهل ندع هذا الانتصار مجرّد خبر إعلامي أو اتهام عابر؟ أم يجب أن نضع الخطّة لكي يعكف الباحثون على دراسة كل أبعاد هذه الأحداث ويتوصلوا إلى الاستنتاجات العلمية الثابتة والأكيدة، لنقدّمها ليس فقط لشعوبنا، وإنما للأسرة الدولية، بحيث يترددّ من يستسهل التشدّق بالأكاذيب وتوزيع التهم على الآخرين على حين يداه غارقتان في سفك دماء الشعوب وتدمير مستقبل أبنائها من أجل نهب ثرواتها.
بعد هذه الإنجازات الميدانية لا بدّ أن تنتشر مراكز الأبحاث على مستوى الأمة للاستثمار في كلّ ما تم تقديمه من تضحيات وإرساء أسس تاريخ صادق وحقيقي، لنا نحن العرب، يليق بالعالم الجديد الآخذ بالتشكل سريعاً، ويضمن لنا المكانة المشرّفة على المستويين الإقليمي والدولي.
عن "الوطن" السورية