2024-03-29 05:24 ص

“مام جلال”.. والخطيئة!

2017-10-06
بقلم: طلال سلمان
أخيراً، وبعد صراع طويل مع العمر والمرض والشيخوخة وعاديات الزمان في السياسة والحرب، في العمل الحزبي وفي محاولات بناء الجبهات، وتغليب الوطنية على العنصرية، والاخوة في المصالح والأهداف على العصبية القومية والتشنج القبلي والجهوي..
أخيراً وبعد التنقل بين مواقع القائد السياسي والزعيم الحزبي، التقدمي من دون الوصول إلى الشيوعية، والقومي من دون التورط مع العروبة، صار “مام جلال” (جلال الدين الطالباني) زعيماً عربياً اضافة إلى كونه قائداً كردياً كبيراً، لا سيما في منطقة السليمانية.. العاصمة الثانية بعد اربيل في المنطقة الكردية.
بالمقابل نجح “مام جلال” الزعيم الكردي، في أن يكون قيادياً في العمل السياسي العربي: تربطه صداقة مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتجمعه علاقة عداء حتمي ومجاملة اضطرارية في قلب الخوف مع صدام حسين، وعلاقة ود مع الراحل حافظ الاسد، وكذلك مع الرئيس الراحل هواري بومدين، ومع القائد الليبي الراحل معمر القذافي، ومع القائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
أما مع الزعيم الراحل كمال جنبلاط الذي كان “رفيق نضال وصديق عمر” فكان له قول طريف مشهور مفاده أن كل زعماء العرب التاريخيين من اصول كردية، بعنوان صلاح الدين الايوبي، وان أهم الفلاسفة والشعراء العرب من اصول كردية، وحتى الزعيم كمال جنبلاط “هم كردي”.
كان الطالباني حبة العقد بين العراقيين، وبين العراقيين وسائر العرب، وبين التقدميين عموماً في الوطن العربي.. شاعره الجواهري وقصائده هي الدليل،
وكان أظرف الناس، وخزينه من اللطائف والطرائف لا ينضب.
وفي السنوات الاخيرة، اقعده المرض، وتراجع نفوذ حزبه.
لن ينسى العراقيون “رئيسهم” في المرحلة الاصعب بعد الاحتلال الاميركي وخلال فترة الاضطراب والانقسام السياسي، والذي شكل “نقطة التوازن” ومبدع حلول التسوية.. وهو الذي رفض مخاصمة صدام حسين الذي كان ينوي قتله، حتى لا يزيد من افساد العلاقة بين الكرد والعرب.
لقد غيب الموت زعيماً “عربياً” كبيرا، احاله المرض إلى التقاعد “كرديا”، فكانت الصورة الاخيرة له بمثابة الخطيئة المميتة: التصويت للانشطار او لتشطير العراق بين عربه وكرده.
رحم الله “مام جلال” الذي اهداني ذات ثوبا كرديا مع خنجره المعقوف.
كاتب عربي ورئيس تحرير وناشر صحيفة “السفير”