2024-04-19 07:18 م

المصالحـة .. الأضواء الخضراء.. سلام اقليمي.. وحرب قادمة

2017-10-03
القدس/المنـار/ كتب المحرر السياسي/ تحقيق المصالحة في الساحة الفلسطينية، ما كانت لتبدأ خطواتها بهذه الجدية وبهذا التسارع لولا الأضواء الخضراء التي انبعثت من أكثر من عاصمة في الاقليم والساحة الدولية، وانهاء الانقسام هي بداية مدروسة لمتغيرات وتطورات مقبلة وحدوثها ليس بعيدا من حيث الزمان.
     قد تكون المصالحة في الساحة الفلسطينية خطوة رأت عواصم التأثير ان لا بد منها، للانتقال الى ملفات أخرى في المنطقة، معالجتها تحتمل السلم والحرب، وتهدئة جبهات واشعال أخرى، وهذا ما يفسر الدعم الكبير لخطوات المصالحة، وطرفا الانقسام كلاهما أدركا خطورة ما هو قادم، وتداعياته عليهما، فجاء الدور المصري لرعاية هذا الملف، فالقاهرة تم تكليفها بذلك، من قوى ودول عديدة، فلجأت الى دعوة الطرفين، ومحاورتهما بصراحة وتحذير من أحداث لن يكونا بعيدين عن انعكاساتها.
     قيل لطرفي الانقسام أن أثمانا باهظة سيضطران لدفعها، اذا لم يلتقيا في منتصف الطريق، لانجاز المصالحة فقبلا برعاية القاهرة لهذا الملف، وبالفعل، تستخدم القيادة المصرية كل الاوراق ومباركة قوى التأثير، لانهاء انقسام في الساحة الفلسطينية استمر لعشر سنوات وأكثر، وضعت مصر كل ثقلها للنجاح في مهمتها، والخطوات الاولى تبشر بالخير والتفاؤل.
     وفي غزة تصنع الاحداث الآن، وحكومة الوفاق بدأت بمباشرة عملها من هناك بتسهيلات واضحة وكبيرة من حركة حماس، فاجأت المراقبين، والفضل في ذلك لقيادة جديدة ملتصقة تماما بالشارع ومدركة لمعاناته، ووضعت خلف ظهرها كل الاجندات الغريبة المشبوهة، فلا اطمئنان وحلول للمشاكل دون انهاء الانقسام ولا نجاح لمحاولات طرف اقصاء الآخر، والانتخابات بشقيها قادمة، قد تجري بداية آذار القادم، وتعني المشاركة في الحكم، لا احتكار لجانب دون آخر، ولا تجاهل لتيار على حساب فصيل.
     لكن، السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، ويدور في خلد الجميع في الشارع الفلسطيني، هو، لماذا الان، لماذا رفع الفيتو عن المصالحة، وما سر هذا التقارب السريع بين طرفي الصراع، والى أين نمضي، ولماذا هذا الجهد المصري الكبير، وما هي الاسباب التي أوقفت الدوران في الحلقة المفرغة سنوات طويلة، وما هي العوامل التي كسرت لاءات الجانبين فتح وحماس؟!
     حركة حماس من جانبها، وجدت نفسها بين المطرقة والسندان، مطرقة الأوضاع المعيشية الصعبة في قطاع غزة، وسقوط برنامج جماعة الاخوان الذي دفع الحركة الى الانتظار لعلها تخرج بمكاسب على الصعيدين الداخلي والخارجي في حال نجاحه.
     سعت حماس الى الفوز بالتمثيل الفلسطيني، والتسلل الى رام الله لاسقاط المشهد السياسي، ومدت خيوطها الى العواصم وعادت حلفاءها، ولم تكسب شيئا، وباتت عرضة لانتقادات متصاعدة، ورفع في وجهها سلاح ادراجها في قائمة الارهاب، وبدأ التخبط واضحا في سياساتها، ونشبت صراعات في أروقتها، وتراشقت قياداتها بالاتهامات والادعاءات، ونوقشت بدقة وصمت تراجعت تحالفاتها، وخسارتها لحلفائها، وتحولت الى أداة في أيدي الأنظمة. الأوضاع الصعبة التي تعيشها حركة حماس أفرزت قيادة جديدة للحركة أثبتت أنها على مستوى المسؤولية، ومضت في طريق ومسار جديد يبعدها عن دوائر الاستقطاب والاحتواء، ودخلت في حوار جاد مع القيادة المصرية لفتح صفحة جديدة من العلاقات قائمة على عدم التدخل في شؤون مصر الداخلية، والوقوف معا في وجه العصابات الارهابية التي اتخذت من سيناء منطلقا لتنفيذ عملياتها الاجرامية، انها خارطة طريق جديدة وضعتها حماس لنفسها في منطقة تعيش اضطرابا خطيرا، يفتح كافة الأبواب على المجهول.
     وحركة فتح من جانبها هي الاخرى عاشت أزمة، بمعنى أن السلطة الفلسطينية فقدت قوة التأثير في الساحتين الاقليمية والدولية، وتعرضت للتشكيك تمثيلا وشريكا، وتذرعت الكثير من القوى،بعدم التوصل الى حل سياسي للصراع الفلسطيني الاسرائيلي بأن الفلسطينيين منقسمون والى أن يعيدوا وحدتهم، يمكن الحديث عن عملية سلام.
     لكن، الحقيقة التي يمكن أن تفسر كل هذا الذي يجري في الساحة الفلسطينية لم تكتشف بعد، فهذه الصحوة الفجائية لها أسبابها ولأهداف لم يفصح عنها بعد، صحيح أن المصالحة هي في صالح الطرفين المتخاصمين، وفي مصلحة الشعب الفلسطيني.. لكن من أعطى الضوء الأخضر، ورفع الفيتو عن انهاء الانقسام وجد نفسه مضطرا لاتخاذ هذا القرار لأمر ما أعظم وأشمل من حيث الامتداد والارتداد، فرضتها ترتيبات جديدة تنتظر العديد من الدوائر الاستخبارية تسويقها، مصالحة تنادي طرفا الصراع لانجازها حتى لا تقذف بهما العواصف القادمة، والا ما معنى أن "تبارك" اسرائيل وواشنطن على هذا التلاقي في الساحة الفلسطينية.
     قد تكون المصالحة مقدمة، لادخال القضية الفلسطينية بندا في "صفقة القرن" التي أعلنت عنها واشنطن، وتشمل تسويات لملفات ونزاعات في المنطقة، أي أن حل المشكلة الفلسطينية، ضمن ترتيب اقليمي وضعته أمريكا بالتشاور مع اسرائيل وباسناد من جانب دول عربية هي تاريخيا في خدمة المصالح الامريكية، دول تعبر من خلال هذه الصفقة أبواب التطبيع مع اسرائيل.
    وما يخشاه الكثيرون أن هذا التأييد الاقليمي والدولي لانهاء الانقسام ليس حبا بالفلسطينيين بقدر ما هو ضرورة فرضتها استعدادات شيطانية لاشعال حرب ضروس قادمة، تستلزم تحييد جبهة، واقتلاع سبب لطالما رفعه محور مواجهة المخططات الامريكية، ألا هو تحرير فلسطين من الاحتلال.. وبالتالي، تبقى هناك خشية من عودة هذا الانقسام مستقبلا بعد أن يتحقق الهدف الامريكي، اذا ما رفض الفلسطينيون التسوية القادمة للصراع مع اسرائيل، أو فشلت واشنطن في حربها المرتقبة، واذا ما اضطرت للعدول عن اشعالها فان الادارة الامريكية سوف تفشل جهود المصالحة في منتصف الطريق.