2024-03-19 10:20 ص

مصر وألغام لا تغادر حقلها

2017-08-16
إيهاب شوقي*

في عالم تتغير توازناته وبالتالي سياساته ينبغي لكل دولة ان تتكيف او تبتدع سياسات ملائمة لمواجهة هذه التغيرات. الا ان الاستراتيجيات ينبغي ان تكون واضحة كوضوح الاستراتيجيات العالمية التي تتميز بثبات نسبي وان تكون أهداف الدول راسخة كرسوخ الاهداف العالمية.
هكذا هو هرم الاهداف الذي على قمته الهدف وعلى قاعدته السياسات مرورا بالاستراتيجيات في منتصفه.
ومصر التي مرت بالكثير من المتغيرات الداخلية بدت في كل مرحلة تعقب تغيرا في نظامها انها تبدأ صفحة جديدة، وهو ما يمكن تفهمه وربما قبوله اذا ما ارتبط بالتكتيكات وربما الاستراتيجيات، اما الذي لا يمكن قبوله فهو ارتباط هذه الصفحة بالأهداف، فهل تغير الامم أهدافها؟ ربما تغير ذلك الامم او الدول التي لا تعرف مفهوم الهدف او التي تخلط بينه وبين غيره من المستويات الاستراتيجية.
ان هدف اي امة واي دولة هو النهوض بشعبها وحماية مواردها والتعاون مع اصدقائها لان ذلك يصب في الهدف النهائي المتعلق بالبناء، وذلك الهدف يفرض استراتيجيات حمائية للموارد والتعاون مع الاصدقاء ضد الطامعين واستراتيجيات عسكرية واستراتيجيات بشرية لتنمية الانسان والاستثمار فيه، وهو ما يفرض بالتبعية سياسات عسكرية واقتصادية وسياسات خارجية وسياسات داخلية تندرج جميعها تحت مفهوم اعم يعرف بالأمن القومي.
والسؤال الان يتعلق بهدف مصر وهل استراتيجياتها وبالتالي سياساتها وتكتيكاتها منبثقة من هذا الهدف وتدور في فلكه وتناور وتلتف لتعود لتحقيقه؟
الملاحظ ان العشوائية تحكم هرم اهداف مصر، حتى يبدو انه هرم من قصاصات الاوراق تعبث به الريح فيتطاير ويتغير شكله الهندسي وتتبدل هيئته فلا تعرف قمته من قاعدته.
والملاحظ ايضا ان هناك الغاما خطيرة في الحقل المصري يبدو الاصطدام بها وشيكا بعد نزع السلك الشائك المحيط بحقلها.
لقد دشنت ثورة يوليو في مصر سلكا شائكا حول الغامها وحددت اهدافا واستراتيجيات وسياسات، يختلف معها البعض ويتفق معها البعض الا انها كانت واضحة واعطت لمصر دورا وشكلت لها قوة ومنعة حتى في عز انكساراتها الا انها حافظت على مصر من الغام كثيرة هي الاخطر من اي مخاطر خارجية.
وليس ابلغ من قول العلامة المصري الراحل جمال حمدان حينما وصف بعمق تجربته وخلاصة هضمه للتاريخ وللجغرافيا الناصرية بمعناها الاشمل قائلا:
"الناصرية هي المصرية كما ينبغي أن تكون… أنت مصري إذن أنت ناصري… حتى لو انفصلنا عنه (عبد الناصر) أو رفضناه كشخص أو كإنجاز. وكل حاكم بعد عبد الناصر لا يملك أن يخرج على الناصرية ولو أراد إلا وخرج عن المصرية..".
والالغام الداخلية تتعلق بعدة اشياء في مقدمتها ما يعرف اصطلاحا بـ"الوحدة الوطنية" وهو من المفترض ان يكون معبّراً عن مفهوم اشمل الا انه يتم اختزاله في الوحدة بين المسلمين والمسيحيين.
هذه الوحدة من المفترض انها متحققة تلقائيا في دولة حديثة يكون المواطن فيها حقوقه معلومة ومنصوصاً عليها وتنوعاتها محترمة. الا ان عقودا من اختراق الوهابية للمجتمع المصري القت بظلال كثيفة جعلت من المواطنة مجرد تعايش سلمي في مجمل الحال، الا انها متحققة بعمق في حالات كثيرة لم تتغلغل الوهابية اليها.
ولكن السياسة ايضا عبثت بالملف ولم تراعِ خصوصيته وحساسيته وخطورته، واصبحت هناك حقائق سياسية جديدة لا تعبر عن الحقائق الانسانية والشعارات المرفوعة، فاصبح للاسف هناك تقوقع مسيحي داخل الكنيسة المصرية واصبحت بمثابة دويلة داخلية للشعب المسيحي وذلك بفعل تخلي الدولة عن دورها، فبدأ كل من يبحث عن دور للدولة مفقود يتجه لاقرب كيان يسد هذا الفراغ، فبدأ البدوي يلجأ للقبيلة وبدأ المسيحي يلجأ للكنيسة وبدأ الفلاح يلجأ للعائلة وبرزت تناقضات كانت قد اختفت في ظل دولة مسؤولة حديثة تقوم بادوارها، حتى اننا بدأنا نسمع عن حروب بأسلحة ثقيلة بين عائلات في الصعيد او الدلتا وبين القبائل وازدادت الحوادث الطائفية ناهيك عن احتقان مكتوم يشكل لغما قابلا للانفجار.
ولا شك ان هناك اخطاء سياسية ترتكب فلا يجب للكنيسة او الازهر ان يتدخل بالسياسة للدرجة التي يتوحد بها مع النظام في معاركه فيعادي فئات معارضة للنظام لانها فئات مجتمعية تعيش على الارض المصرية، ولا ينبغي لهذه الكيانات الجامعة والمسؤولة ان تتورط في قضايا خلافية مجتمعيا حتى وان بدت محسومة سياسيا، لان السياسات تتغير اما الاحتقانات المجتمعية فلا تنساها ذاكرة الشعوب.
ومن الالغام الاخرى الظلم الاجتماعي، وليس الفقر، فالفقر تتحمله المجتمعات اذا ما شعرت بعدالة التوزيع وعدالة الاعباء، اما التمييز المجتمعي بين فئاته والعودة لمجتمع تركيز الثروات في فئة لا تتعدى نسبتها المئوية 15% وفقا لاحصاءات رسمية ونرى انها اقل من ذلك وفقا لاحصاءات دولية فمثلا ووفقا لتقرير صادر عن البنك الدولي في 2013، فإن 0.7% فقط من المصريين يملكون حسابات "ادخارية" في البنوك ومؤسسات التمويل الأخرى، وهم بذلك أقل شعوب العالم ادخارا في البنوك ومؤسسات التمويل عموما، فإن هذا التمييز لن يرضاه المجتمع بالتأكيد.
كما ان مصر تحتل المرتبة الثالثة في عدد المليارديرات وحجم ثرواتها بعد السعودية والامارات وفقا لتقرير لفوربس.
بلا شك ان هذا لغم قابل لانفجار لا يمكن توقع تبعاته وحجم مخاطره فهو لغم انشطاري مدمر ولا يبدو ان هناك نية للحماية من خطورته بعد التسليم الكامل لصندوق النقد الدولي والذي سيقود حتما بشروطه لهذه الانفجارات.
ان لم تقم مصر بنزع الالغام او على الاقل ببناء سلك شائك جديد حول حقلها فان الانفجار أضحى وشيكا تتزايد نذره مع زحام الخطوات والمركبات الداخلة الى مصر والمفتقدة لاي خريطة من خرائط ألغامها.