2024-03-29 04:13 م

إسرائيل وفوبيا حزب الله اللبناني

2017-08-16
بقلم: عميرة أيسر     
مُنذ نجاح حزب الله اللبناني الذي يعتبر في المنظومة الأمنية والإستراتيجية العسكرية الصهيونية أحد النقاط السَّوداء لدى العقل المخابراتي لقادة السًّياسيين والعسكريين على السواء إذ ومنذ ظهور الحزب على السَّاحة منذ حوالي 30 سنة وإلحاقه هزائم نكراء بإسرائيل وكل من يرتبط بمشروعها الإستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط والقائم على احتلال أكبر جزء من مناطقه ومحيطها الجغرافي وإنشاء دولة إسرائيل الكبرى أو أرض إسرائيل الكاملة أو النهائية كما جاء في التوراة قي سفر التكوين 18:15-21 حيث هي عهد الله في التوراة لبنى إسرائيل - والآية موجودة في العهد القديم في الإنجيل كاملة لمن يريد الاطلاع عليها- فإسرائيل التي استطاعت هزيمة أكبر الجيوش العربية وأقواها وفي عدَّة حروب متتالية وقفت عاجزة عن فك شفرة وسرِّ صمود هذا الحزب الذي كان يعتبر حسب توصيفات العلوم العسكرية مُجرد تنظيم مسلح يشبه إلى حدّ كبير الميليشيا المسلحة ويعتمد على حرب الشوارع وحروب العصابات في مواجهته لخصومه في السنوات القليلة الماضية وذلك من طرف معاهد الدِّراسات الإستراتيجية في الكيان الصهيوني ك"معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي" أو" معهد بيغن السادات للأبحاث الإستراتيجية" أو حتى "معهد هنريتا سالد" الذي يعود تاريخ إنشائه إلى سنة 1941 أي قبل الإعلان عن قيام دولة الاحتلال الصهيوني الغاصب على أرض فلسطين المحتلة، فكل هذه المراكز البحثية وغيرها لم تكن تولى حزب الله اللبناني حقَّه من الدِّراسة والتحليل لفهم أنماط العلاقات بينَ أفراده وهيكليته القيادية ومراكز تمويله اللوجستي والمالي؟ وكيف استطاع هذا الحزب أن تكون له امتدادات إقليمية في دول كبرى كإيران وسوريا؟ بالإضافة إلى قدرته على تغيير خططه العسكرية اعتماداً على التغيرات الطبوغرافية والجغرافية لأرض المعركة و تفوقه النوعي وهذا باعتراف قادة الكيان الصهيوني الأمنيين ومنهم "يائير غولان" نائب رئيس أركان جيش الاحتلال الصهيوني وكذلك رئيس الموساد"يوسي كوهين" الذي أكَّد في لقاء جمعه بالملك الأردني عبد الله الثاني في شهر مارس 2016 بأنَّ حزب الله اللبناني أصبح التهديد الأبرز لجيش الاحتلال الإسرائيلي وذلك نظراً لأنه يشكل تهديداً مستمراً لكيان الصهيوني على الجبهة الجنوبية الملاصقة لجليل الأعلى وهذه المنطقة هي خاصرة إسرائيل المفتوحة والضعيفة رغم كل التحصينات النوعية وحفر الخنادق والسَّواتر الترابية وكذلك أجهزة الإنذار المبكر والأسلاك الكهربائية الشائكة والتي أقامها الكيان الصهيوني على حدوده مع لبنان وكذلك شروعه في بناء جدار عالٍ بالقرب من "مستوطنة مسغاف عام" الجنوبية في محاولة منه لإعاقة تقدم قوات حزب الله في أي معركة قادمة بينَ الطرفين، إذ صرح الأمين العام لحزب الله السيِّد: "حسن نصر الله" في أكثر من خطاب بأنه ليس من المستبعد أن تؤمر قيادة التنظيم قواتها باحتلال الجليل الأعلى والسَّيطرة عليه بشكل كامل وهذا ما أثار موجة من الرعب والفوبيا غير المسبوقة في إسرائيل. فحزب الله الذي استطاع لأول مرة في تاريخ المواجهات العسكرية مع الكيان الصهيوني أن يجبر أكثر من 2 مليون مستوطن على الاختباء في الملاجئ كالفئران وهو شيء لم يستطع العرب فعله منذ سنة 1948 وهذا ما أصاب صنَّاع الفكر والايدولوجيا السِّياسية والعسكرية في تل أبيب بالذهول والصدمة وجعلهم يفكرون لعشرات المرات في كيفية كسر شوكة حزب الله اللبناني والحدِّ من قدراته التسليحية والصاروخية وخبراته الميدانية المتعاظمة. فالتقديرات تشير بحسب مقال نشر في جريدة "جيروساليم بوست" الصهيونية بتاريخ 15-7-2017 إلى أنَّ حزب الله اللبناني يمتلك أكثر من 150 ألف صاروخ من مُختلف الأحجام والأنواع والأصناف وبعضها يستطيع أن يصل حتىَّ صحراء النقب بعدما كان عددها لا يتعدى 15 ألف صاروخ عشية حرب تموز 2006 ويستطيع حزب الله في أي مواجهة مُقبلة مع إسرائيل أن يمطر سماء تل أبيب بأكثر من 1000 صاروخ يومياً في المتوسط، وأضافت الصحيفة بأنَّ هذا العدد من الصواريخ لا تمتلكه أي دولة من دول حلف الناتو باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية طبعاً والتي تمتلك أقوى منظومة عسكرية وتسليحية شهدها العالم. فالخوف والرعب الذي أصبح يسكن في قلوب الإسرائيليين بشكل عام قادةً ونخباً ومُثقفين وحتىَّ مواطنين بسطاء من حزب الله مبرر لأن الحزب والذي تدعمه دولة محورية كبرى كإيران بأكثر من 100 مليون دولار سنوياً والذي لم تزده الحرب التي خاضها عناصره ضدَّ قوات الاحتلال الأمريكي في العراق سنة 2003 وكذلك في سوريا منذ سنة 2013 إلاَّ قوة وتجربة في كيفية قتال الجماعات التكفيرية الإرهابية وأصبح مُقاتلوه خبراء في حروب المدن والمناطق الجغرافية المفتوحة وازدادت ثقتهم بقدراتهم على صنع الفارق الميداني النوعي وعلى مختلف الجبهات، فإسرائيل كانت تراهن على إضعافه عندما أرادت جرِّه إلى المستنقع السوري وإنهاك قواه القتالية تمهيداً لشنِّ حربٍ كبرى على لبنان تستأصل شأقته من جذورها، بل على العكس من ذلك فإنَّ الحزب وبحسب مراكز الدراسات الإسرائيلية العسكرية وتقارير جهاز"الموساد "وأمآن " أصبح يمتلك أحدث أنواع الصواريخ المضادَّة لدروع والبوارج الحربية والقادرة على اختراق التحصينات القوية لمواقع الأمنية والعسكرية الصهيونية كصواريخ كورنيت الروسية الصنع أو صواريخ M600 السورية الصنع والتي تستطيع إصابة أهداف مخبأة تحت الأرض في إسرائيل وهي صواريخ بمدى 300 كلم ويبلغ حجم رأسها التفجيري حوالي 500 كلغ وهي نسخة مطوَّرة عن صاروخ الفاتح 110 الإيراني، وكذلك صواريخ من نوع "سكود D" وهي صواريخ يبلغ مداها أكثر من 700 كلم ويستطيع إطلاقها من أقصى جنوب لبنان ولتصيب أهدافها بدقة عالية في أي نقطة من الكيان الصهيوني، القدرات الهائلة لحزب الله سواءٌ من الناحية البشرية، إذ أن حزب الله لديه أكثر من 5 ألاف مقاتل في سوريا بحسب تقارير إعلامية صهيونية و يبلغ عدد مقاتليه أكثر من 50 ألف مقاتل ويعتبر هؤلاء على درجة كبيرة جداً من التدريب والتأهيل العسكري والبسيكولوجي والعقائدي وأثبتت تجربة حرب لبنان 2006 وما بعدها أن مقاتلي حزب الله هم مقاتلون منظمون وعقائديون بالدرجة الأولى ومقسمون على شكل وحدات صغيرة ومترابطة وهذا ما يجعل من الصعب على كبار قادة الجيش الإسرائيلي أن يضعوا خططاَ عسكرية لإلحاق الهزيمة النكراء بمقاتليه خاصة وأنَّ حزب الله أثبتت التجارب وعدد شبكات التجسس التي استطاعت مُخابرات الحزب بالتعاون مع مخابرات الجيش اللبناني وقوى الأمن العام تفكيكها أنه يمتلك منظومة مُخابراتية مُتطورة تعرف أدقَّ التفاصيل عن المنظومة العسكرية والأمنية في إسرائيل، ولأن المواجهة القادمة مع حزب الله لا مفر منها نتيجة عوامل إقليمية وتحولات إستراتيجية في موازين القوى وكذلك الضغوط التي أصبحت يتعرض لها رئيس الوزراء الصهيوني"بن يامين نتنياهو" من طرف أحزاب أقصى اليمين التي تريد شنَّ حرب خاطفة على لبنان من أجل استثمار الانتصار المأمول وتوظيفه سياسياً بالرغم من أنَّ هناك الكثير من المحلٍّلين العسكريين في إسرائيل وكبار ضباط الجيش الصهيوني ومنهم قائد سلاح الطيران الجنرال"أمير أيشيل" والذين يتوقعون حرباً مُقبلة حتمية قريبة على لبنان والذي وجه تحذيراته إلى سكان جنوب لبنان والذين حسب ادعاءاته يخبئ حزب الله اللبناني صواريخ في بيوتهم قائلا: بأنَّ إسرائيل ستستخدم قوة نيران جوية تدميرية غير مسبوقة في الحرب القادمة مع حزب الله وذلك في خطاب ألقاه في"مؤتمر هرتز يليا" السَّنوي لأمن القومي في إسرائيل، تحذيرات قائد سلاح الجو الصهيوني وغيره من كبار الجنرالات الصهاينة تناقض تصريحات الكثير من القادة السِّياسيين في إسرائيل منهم"أفيغدور ليبرمان" اليميني المتطرف زعيم ومؤسس"حزب إسرائيل بيتنا" ووزير الدفاع الصهيوني والذي أكَّد بأن إسرائيل ليس من مصلحتها الدخول في أي مواجهة مفتوحة مع حزب الله وبأن ردَّها سيكون قاسياً إذ فرض عليها حزب الله حرباً قادمة، فالانقسام السِّياسي والذي وصل حتى هرم وزارة الدفاع الصهيونية يعكس تخبطاً وضبابية وخوفاً كذلك من نتائج أي حرب قادمة على لبنان خصوصاً وأن إسرائيل بدأت التنقيب على النِّفط والغاز حديثاً داخل حدودها الإقليمية المائية مع لبنان ولا يريد قطاع واسع من النخب الصهيونية سواء السِّياسية أو الأمنية أن تتضرر تلك المنصات النفطية الواقعة في عرض البحر والتي لا تمتلك إسرائيل القدرة على حمايتها بالكامل حتىَّ وإن كانت تمتلك أحدث أنواع الصواريخ الموجَّهة بالليزر والصواريخ الحرارية والتي تديرها منظومات خاصة جوية وبحرية لأن الفشل في حماية البارجة الحربية في حرب 2006 و التي تمَّ أغراقها من طرف حزب الله في المياه الإقليمية اللبنانية أعطت لإسرائيل صورة أوضح وأشمل عن ما يمكن أن تلاقيه من مُفاجآت في حال شنِّها أي عدوان مستقبلي على لبنان ، فسياسة توازن الرُّعب التي يتبعها حزب الله خلقت نوعاً من فوبيا الخوف من عدو مجهول إلى حدِّ بعيد لدى الإسرائيليين عليهم التعامل معه بمنتهى الحذر والجدية مع الأخذ بعين الاعتبار الفشل الذريع الذي مُنيت به إسرائيل في كل حروبها سواءً المباشرة أو بالوكالة في المنطقة منذ 2006 وحتىَّ اللحظة، فحزب الله أصبح قوة إقليمية عسكرية لا يمكن لأحد تجاهلها مطلقاً في المنطقة.
*كاتب جزائري