2024-03-28 08:54 م

السرّ الذي جمع "الأسد" وديما ورئيس الأركان الروسي... بالطائرة رقم "62"

2017-07-19
كتب سمير الفزاع
مراسلان أو أكثر بقليل من قنوات التلفزة السورية، قاما بنقل الحدث في ساعاته الأولى، كنت أتابعهم لحظة بلحظة، لكن لأن قنوات التلفزة السورية أصبحت مستهدفة في بثها وموادها ورسالتها، كان من الضروري البحث عن قناة فضائية أخرى أوسع إنتشاراً لتوثق واحدة من أبرز الرسائل في القرن الواحد والعشرين، وربما في العقود القليلة الماضية. ديما ناصيف السورية الأصل، مراسلة الميادين، ذهبت إلى موقع الحدث، وقفت على أقصى الحدود السورية لتعلن بعد خطوات اجتازتها بأنها باتت في الأراضي العراقية!؟. من لم يدرك معنى تلك الخطوة الجبارة والتاريخية بكل المقاييس لن يستوعب ضخامة الإنجاز، نقلت "ديما" الرسالة الأهم والأبهى من جهة والأخطر والأقسى من جهة ثانية، للكثير من الدوائر والدول من على الحدود السورية-العراقية: 1-لحظة بدء البث المباشر من النقطة الحدودية، تذكرت فوراً بث قناة الجزيرة المباشر للدبابتين الأمريكيتين وهما تخترقان قلب بغداد لتستقرا على جسر الجمهورية في وسط المدينة، لتعلنا إحتلال العراق وسقوط بغداد... كان المنظر ينخر الوجدان، ويعصف بالوعي، ويستهدف الهوية والإيمان بالعمق... كان الإنهيار وشيكاً جداً، والتحدي لا يطاق. في خطوات "ديما" على طرفي الحدود بفارق ثوان معدودة، والرجال الذين عَبّدوا الطريق لهذه الخطوات بأرواحهم الطاهرة ودمائهم الزكية وإرادتهم الفولاذية... والقرار السياسي الهائل خلف هذه الإختراق الإستراتيجي، رأيت ردّ رمزيّا وميدانياً وسياسياَ على حقبة كاملة، وغزو جائر، ونسق كاد أن يطيح بالأمة لعقود أو قرون لولا بعض الشرفاء هنا وهناك. 2-لسايكس وبيكو في قبريهما لتقول لهما بأن خطوط الوهم التي رسمتموها، وجعلتم منها "مقدسات" لا تمس، ها هي تمسح بوحدة المصير وشراكة الهدف. 3-لأنظمة البترودولار والرجعية العربية، العراق بنسخته "الصداميّة" التي منعت الوحدة العراقية السورية، ودعمت الإخوان المجرمين في هجومهم على سورية خلال عشرية الدم في القرن الماضي، والتي احتلت الكويت، وحاربت إيران، ودعمت القوى الطائفية والمتصهينة والمتأمركة... في لبنان، أصبحت من الماضي، وبات عراق اليوم أقرب ما يكون لاستقلال إرادته، وسيكون عاموداً في حلف المقاومة، وظهيراً وفيّا لسورية في حربها ضد الغزو الصهيو-أمريكي-الأعرابي، وأخ لكل الأقطار العربية التي تحترم سيادته وخياراته، وصديق موثوق لإيران التي وقفت معه ساعة تخلى عنه اغلب العرب والمسلمين والحلفاء المفترضين عندما وجه داعش... لن ينسى العراقيون أن أول من وصل لمساندته في معركته رجال الله في حزب الله والحرس الثوري الإيراني، وأن أول من قصف تجمعات داعش وأرتاله وتجمعاته ومنذ الاسبوع الأول من غزوه للعراق هو سلاح الجو العربي السوري. 4-للطائفيين والمذهبيين والانفصاليين، العراق اكبر من طائفيتكم ومذهبيتكم، وأعظم من أن تستوعبه انفصاليتكم ... في الوقت الذي تقدم الجيش العربي السوري وحلفائه نحو الحدود العراقية تعرضت هذه القوات للقصف الأمريكي بالسياسة والنار لعدة مرات لمنعه من التقدم نحو هذه الحدود... لكنها وبعناد قلّ نظيره تقدمت مرة تلو المرة، وكأن الشهداء الذين سقطوا خلال محاولات التقدم المتكررة يقومون من رقادهم ليقودوا الحشود المتقدمة، ويحثوهم على الزحف نحو الهدف مهما بلغت التضحيات... وليعلم العالم بأسره بأن طلائع الحشد الشعبي التي فتحت الساتر الحدودي مع سورية جاءت من سورية، وعبر سورية فتحت الحدود، وأنتشر الإخوة على الحدود في الجانبين... وأن رغبة اللقاء والوصل لن يقف في وجهها مانع. 5-دفن مقولة "سورية المفيدة" التي طالما تشدق بها الكثيرون سواءً من منطق العداء أو الإنخداع بالمصطلح، وأن سورية عائدة إلى كل شبر من أرضها، وإلى آخر نقطة من "حدودها". 6-في ذلك الوقت كان الرئيس الأسد وعائلته في "موكب" يقلُّ عدد سياراته عن أصابع اليد الواحدة، وليومين متتالين، يجوب محافظة حماة ريفاً ومدينة، ويتنقل من بيت لآخر، في تحدّ نادر جداً، ليقول لمن واجه واشنطن وأدواتها في معركة وصل الحدود والسيطرة عليها، وتحرير البادية وفك الحصار عن دير الزور: أنا معكم في الميدان وعلى الأرض، أعود الجرحى وأسرهم، أتفقد أحوالهم، وأتلمس جراحهم... لكني لست وحيداً، كما واجهتم واشنطن ومشاريعها بلحمكم ودمكم وأرواحكم الطاهرة... جئت أنا وزوجتي وأطفالي، متحديّاً واشنطن والصهاينة والأعراب وأدواتهم، جئت واضعاً مصيري ومصير أسرتي بين يدي أبناء شعبي وأهلي، أشارككم المخاطرة، وأشاطركم الإنجاز في رسم هوية سورية الجديدة، وبناء الثقة بالثقة، وسحق مشاريع التقسيم والمذهبة والمناطقية... بالمخاطرة بذاتي وزوجتي وفلذات كبدي، لأصل ما انقطع، وأرمم ما تصدع بالبساطة والعفوية والعناد الواعي. 7-من زيارته ذات الطابع الوطني والشعبي والإنساني والقيمي، توجه الرئيس بشار حافظ الأسد إلى القاعدة الجوية الروسية في حميميم... كان بإنتظاره رئيس هيئة الأركان الجيش الروسي، ومن هناك كانت الإشارات تتوالى لكل حلف العدوان على سورية: التصميم على التحرير، لن نسكت على أي ضربة لسورية بحجة إستخدام السلاح الكيمائي، من لم يقنعه صرير القلم ستفهمه الصوارم... وأعتقد بأن واحدة من أهم إشارات تلك الزيارة تمثل "بالإعلان" عن بلوغ الإلتزام الروسي بتحديث وتطوير قدرات سورية في مواجهة أي هجوم جوي أو صاروخي قبل نهاية العام 2017، مراحل متقدمة جداً، ودليلي على هذا الإستنتاج: ظهور طائرة "السيادة الجويّة" والمقاتلة الروسية من طراز "سو-27إس إم3" في إحدى الصور التي التقطت أثناء زيارة الرئيس بشار حافظ الأسد لقاعدة حميميم، وهذه الطائرة صاحبة الرقم "62" آخر طائرة من طراز "سو-27" تم صناعتها، وقد تمّ تسليحها –وفقاً للصورة ذاتها- بأحدث إصدارات صواريخ جو-جو الموجهة، ما سيشكل كابوس حقيقي نهايته الموت المحتم لأي طائرة معادية تدخل معها في معركة جويّة، خصوصاً إذا أضفنا ميزة المرونة الخارقة التي يتفرد يتمتع بها هذا الطراز من طائرات السوخوي عن مثيلاتها في العالم أجمع. ما بين بثّ الميادين للإنجاز التاريخي على الحدود العراقية-السورية، وخطوات الرئيس الأسد بين بيوت الجرحى والمصابين في محافظة حماه، وصولاً إلى زيارته اللافتة إلى قاعدة حميميم... تمّ تدشين مرحلة جديدة من الصراع مع مشروع واشنطن في المنطقة، ومع كل الرواسب التي يستغلها هذا المشروع في أوطاننا لينفذ منها، ويحقق مخططاته، كالمناطقية والمذهبية والطائفية... لتظهر الحقيقة جليّة تماماً: المعارك لا تُدار من خلف الأبواب المغلقة، فكيف بمعركة مصيرية من هذا المستوى؟! قال "الأسد" هذه الحقيقة وجسدها بكل خطوة مشاها، وبكل لحظة تجلّي لأخلاقه الرفيعة في بيوت الجرحى، وفي كل درجة من درجات السُّلم التي صعدها حتى إستقر في قمرة قيادة السوخوي-27... التي جاءت برفقة الجنرال "فاليري غيراسيموف" رئيس هيئة الأركان الروسي، في ردّ مباشر على أكثر من جهة، ومنها حاملة الطائرات الأمريكية "يو-إس-إس-جورج بوش" قبالة حيفا، وعلى كلمات "نتنياهو" على ظهرها، وعلى أمريكا من ورائهما، عندما قال:(نقف الآن على متن حاملة طائرات عظيمة خاصة بالولايات المتحدة الأمريكية، وعلى بعد بضعة كيلومترات من هنا تقع حاملة طائرات عظيمة أخرى خاصة بحضارتنا المشتركة واسمها دولة "إسرائيل"). جاءت حاملة طائرات أمريكية، فكانت حميميم قاعدة جوية لتسع وأربعين سنة... جاء قائد الحاملة العقيد البحري "ويل بينينغتون" فحضر الجنرال "فاليري غيراسيموف" رئيس هيئة الأركان الروسي، غادرت حاملة الطائرات الأمريكية بطائراتها وجنودها، لكن السوخوي-27 باقية في سورية، وربما لسورية... هكذا تصنع الإنتصارات التي تغير وجه المنطقة والعالم، وهذا الرجل به جدير.