2024-03-28 12:28 م

فشل تيلرسون في الازمة الخليجية

2017-07-19
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
فشل وزير الخارجية الأمريكي في إيجاد حلول للازمة الخليجية بالرغم من رحلاته المكوكية بين الرياض والدوحة التي لم تسفر عن تقدم ملموس في لحلحة الازمة. فدول الحصار على ما يبدو ما زالت متمسكة بموقفها من أن على الدوحة تلبية الثلاثة عشر بندا والا فإنها ستتعرض الى مزيد من العقوبات هذا في الوقت الذي تصر فيه الدوحة على أن الكثير من هذه الشروط تشكل تعديا واضحا على السيادة القطرية. الولايات المتحدة هي من شجعت الاستقواء السعودي على قطر في البداية ربما لسببين رئيسيين أولهما هو الصفقات التي وقعت مع السعودية لشراء أسلحة أمريكية الى جانب استثمارات في البنى التحتية الامريكية ولقد بلغ حجم هذه الصفقات ما يقرب من 350 مليار دولار وهنالك بعض المصادر الصحفية التي أوردت أن هذا الرقم قد يقفز الى ترليون دولار مع نهاية العام هذا على الرغم من حالة التقشف التي فرضتها السعودية لأول مرة في تاريخها بسبب العجز في الميزانية نتيجة الانخفاض الحاد في أسعار البترول العالمية. أما السبب الثاني فيعود الى تبني ولي العهد محمد بن سلمان سياسة تقوم على تطبيع العلاقات مع إسرائيل والعمل على إقامة علاقات دبلوماسية معها وتعهد السعودية بأن تجر معها العالم الإسلامي السني بحكم المركز الذي تتمتع به المملكة بين هذه الدول واللقاء الذي اعدت له السعودية بجمع قيادات العالم الإسلامي في الرياض أثناء الزيارة التي وصفت "بالتاريخية" الى المملكة لم يكن الا حركة استعراضية من ولي العهد الذي أراد أن يوجه الرسالة الى انه يستطيع أن يجر كل هذا الحشد الى الاعتراف وإقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني. وأن السعودية وليست تركيا هي من يستطيع أن يفعل ذلك. جانب من الصراع هو الصراع ما بين تركيا والسعودية على زعامة العالم الإسلامي وبالعربي المشربح كما يقولها اللبنانيون على زعامة الإسلام السني ومن هنا الإصرار السعودي على التخلص من القاعدة العسكرية التركية في قطر كإحدى الطلبات التي يجب على قطر تلبيتها. الإدارة الامريكية لغاية الان تفضل الزعامة السعودية لما في ذلك مصلحة حيوية استراتيجية لها الى جانب التوجه الاستراتيجي لدعم "أمن" الكيان الصهيوني ودمجه دبلوماسيا وسياسيا واقتصاديا في المحيط العربي وهذا ما يتحقق بالتدريج لا بل وبتسارع في الفترات الأخيرة وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يلعب دورا محوريا في هذه الاستراتيجية. والدعم الأمريكي الذي قدم لتنصيبه كولي للعهد وتنحية الأمير محمد بن نايف الذي كان ولي العهد المفضل لدى الإدارة الامريكية والمخابرات المركزية الامريكية التي أتت بعد زياراته الى البيت الأبيض والتعهد بالتطبيع مع الكيان الصهيوني الى جانب الاستعداد لدفع مئات المليارات للخزينة الامريكية هو الذي أدى الى دعمه للمنصب الجديد والتغيرات والترتيبات التي أقدم عليها الملك سلمان ضمن عائلة آل سعود. في بداية الازمة كانت الإدارة الامريكية تقف بصلابة خلف الموقف السعودي على الرغم من قناعة الكثيرين في الأجهزة الأمنية الامريكية بأن السعودية مثل قطر دعمت المجموعات الإسلامية المتطرفة ونشرت الفكر الوهابي المتطرف في أرجاء المعمورة من خلال المدارس الدينية التي أقامتها في العديد من الدول ومن ضمنها الدول الغربية ولقد ظهرت العديد من الأبحاث والمقالات بهذا الخصوص. ولكن مع التقارب القطري التركي من جانب والتقارب القطري الإيراني واستعداد الدولتين الوازنتين على الساحة الإقليمية بتزويد قطر بما تحتاجه من المواد التموينية والماء والسماح لها باستخدام أجواءها للطيران القطري الى جانب استخدام بعض الموانىء الإيرانية فاقم من الازمة ووضع قطر في موقع قوي لم تكن ربما تتوقعه السعودية التي كانت تعول على انحناء قطر أمام العاصفة وعودتها الى الحظيرة السعودية ورضوخ أميرها الى مشيئة ولي العهد المتهور والمغامر كما أثبتت الحرب على اليمن. أضف الى ذلك التواجد العسكري للقوات التركية على الأرض القطرية التي جاءت بسرعة وتنامت أعدادها في الفترة الأخيرة وهذا ما أدى ربما الى تحصين قطر من أية مغامرة عسكرية سعودية ضدها بدخول قوات درع الجزيرة كما حدث في البحرين أو قوات أخرى كما حدث في اليمن. ولا شك ان هذا قد ورد في الذهن السعودي الذي هدد سابقا باجتياح قطر طبعا بهدف الاستيلاء على مصادر الطاقة وخاصة الغاز الطبيعي الذي شكل عصب القوة الاقتصادية والسياسية لقطر في الإقليم وتحررها من الهيمنة السعودية ضمن دول مجلس التعاون الخليجي. من الواضح أن الموقف القطري ليس بالضعف الذي تصورته السعودية والامارات على وجه التحديد والذي استدعى هذه الدول الى رفع سقف طلباتها منذ البداية بحيث لم يعد لها مجالا للمناورة. فقطر لديها فائض كبير من الأموال مما يجعلها قادرة على الصمود ولفترة طويلة مما يتيح لها شراء الوقت وإدارة الصراع وتحييد بعض الدول الإقليمية والدولية. ولعل هذا السقف العالي للطلبات التي وصفت من قبل بعض الدوائر الغربية بأنها غير عقلانية ومنطقية كما جاء في تصريح المسؤولين الالمان قد وضع دول الحصار المتمثلة في السعودية والامارات والبحرين ومصر في مأزق حقيقي لأن أي تراجع عن 13 بندا التي وضعت لتنفيذها من قبل قطر سيعد تراجعا عن مواقفهم وهذا غير وارد في الفكر السعودي بالتحديد الذي يرى ان هذا سيقوض مركز الهيمنة والسطوة السعودية في مجلس التعاون الخليجي مما يخلق اسبقية ربما تتبعه دول خليجية أخرى مما يودي الى تفكك منظومة مجلس التعاون الخليجي الذي عانى في الفترات الأخيرة نزاعات داخلية ورفض مبطن للهيمنة السعودية من قبل سلطنة عمان والكويت. فقد سبق وأن رفضت سلطنة عمان المقترح السعودي لتحويل مجلس التعاون الخليجي الى إتحاد نقدي واندماج أعضائه عسكريا في عهد الراحل الملك عبدالله ملك السعودية. الى جانب ذلك رفض الكويت للإملاءات السعودية التي كان آخرها رفض مقاطعة قطر كما رفضت ذلك عمان التي سمحت لقطر باستخدام موانئها. وقد سبق للسعودية أن رفضت مطالبة الامارات جعل أبو ظبي مقرا للبنك المركزي الخليجي. وتأتي الازمة المتجددة مع قطر لتزيد من الخلافات داخل دول المجلس مما يهدد كيانه ووجوده. ولعل الخطر المحدق بتفكك مجلس التعاون الخليجي والعمل على تحقيق مزيدا من الصفقات من السعودية وقطر والإبقاء على حالة العداء لإيران من قبل الدول الخليجية هو ما استدعى التدخل الأمريكي بعد أن فشلت أو أفشلت كل الوساطات للملمة الأوضاع في الخليج. هذا بالإضافة الى أن هذا الخلاف يتأتى في الوقت التي تسعى فيه الولايات المتحدة بتكوين وتفعيل ناتو عربي تكون فيه دول الخليج الممول الرئيس له. وبالرغم من التحركات المكوكية من الرياض الى الدوحة الى الكويت لوزير الخارجية الأمريكي تيلرسون الا أن الخلافات ما زالت قائمة وتصريح تيلرسون الأخير بأن على الإدارة الامريكية وأجهزتها أن تتصرف آخذة بعين الاعتبار أن الصراع في الخليج قد يستمر لأشهر أو حتى سنوات قادمة. هذا الاستخلاص طبعا بني على ما حصل عليه من معلومات مباشرة من الأطراف المتصارعة والدول التي حاولت بالتوسط لحل النزاع وخاصة من دولة الكويت. ويتبين الفشل الأمريكي في حل النزاع ومحاولة لتطويق الازمة من أخذ أبعادا إقليمية ودولية أوسع مما هي عليه الان زيارة وزير الخارجية الفرنسية أيضا الى كل من السعودية والامارات وقطر والكويت. من الواضح أن العديد من الدول الغربية لا تريد ان ترى تدهور الأوضاع في الخليج وخاصة وأن العديد منها يعتمد على امدادات البترول والغاز الطبيعي من المنطقة وهي لا تريد أن تقفز أسعارها الى ما كانت عليه قبل ما يقرب من ثلاثة أعوام. هذا بالإضافة الى أن استمرار الازمة وزعزعة الاستقرار في هذه المنطقة تعني مزيدا من اعتماد دول الاتحاد الأوروبي على مصادر الطاقة الروسية وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة تضغط على الدول الأوروبية بإيجاد البدائل عن مصادر الطاقة الروسية لأسباب سياسية واقتصادية تحاول من خلالها إضعاف روسيا ودورها على الساحة العالمية. وهنالك شركات طاقة كبرى أمريكية وفرنسية لها مصالح كبيرة واستثمارات كبيرة في حقول الغاز القطري وهذا يشكل ركيزة قوية لقطر. وقطر هي أكبر دولة مصدرة للغاز الطبيعي المسال في العالم كما وتحتل المركز الثاني في العالم من الاحتياطي العالمي لهذه السلعة الاستراتيجية. وهذا بحد ذاته سببا في التوجه الأوروبي بعدم الانحياز الى السعودية التي هددت بعض شركات الطاقة العالمية بعدم التعامل مع قطر كما قامت بتهديد بعض المصارف العالمية مما يدلل على تعجرف ورعونة في التعامل مع الازمة الخليجية. عاجلا أم آجلا ستوضع السعودية تحاول فيه النزول من الشجرة لان استمرار الازمة لن يكون في مصلحتها لان استمرارها سيدفع قطر بشكل متزايد الى إيران وتركيا كما سيؤدي ذلك الى تفكك دول مجلس التعاون الخليجي ولا يستبعد أن تنعكس هذه الازمة على الداخل السعودي والصراعات داخل عائلة آل سعود على السلطة وخاصة وأن البعض قد أبدى امتعاضا على التغيرات التي حدثت مؤخرا حول توزيع المناصب في السعودية. وإذا ما أضفنا فشل السياسة المتهورة المغامرة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان في اليمن الذي كلفت الخزين السعودية عشرات المليارات من الدولارات هذا بالإضافة الى الفشل في سوريا والعراق فإنها بالمجمل قد تؤدي بتغيير في الداخل السعودي. ويعتقد البعض ان عدم مشاركة الملك سلمان أو ولي العهد في اجتماع G20 الذي عقد في هامبورغ كان بسبب المخاوف من حدوث انقلاب داخل السعودية. ويبقى السؤال هل سيقبل ولي العهد الملك الفعلي وصاحب السطلة في السعودية النزول عن الشجرة؟