2024-04-19 11:02 ص

لأزمة القطرية تفجر الخلاف التاريخي بين السعودية وتركيا

2017-07-05
بقلم: عميرة ايسر
الأزمة القطرية التي ألقت بظلالها على العلاقات الخليجية والعربية وامتدت تداعياتها السياسية والاقتصادية لتصيب بلاد العثمانيين وتدخل تركيا على خط الأزمة بصفة مباشرة بعد أن أدرج بند طرد جميع القوات التركية المتواجدة في قطر والتي يناهز عددها حوالي5آلاف جندي بالإضافة إلى إغلاق القاعدة التركية المتواجدة بالقرب من العاصمة القطرية الدوحة وهو ضمن المطالب13التي على دولة قطر تنفيذها وإلا فلن يفك عنها الحصار وهذا المطلب الذي لقي إجماعاً من طرف الدول الخليجية الثلاث المعنية بحصار دولة قطر إضافة لمصر وهي السعودية والإمارات والبحرين وهذا ما أعاد إلى الأذهان جذور الخلاف التاريخي بين السعودية وتركيا لسيطرة والهيمنة على العالم الإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط وذلك منذ بدايات القرن19ومعركة سفر برلك والتي استطاعت فيها القوات العثمانية تحرير مكة والمدينة من حكم الدولة السعودية الأولى وقامت بتدمير عاصمتها الدرعية وتم اقتياد عبد الله آل سعود مع مجموعة من وزرائه إلى الأستانة تحت حراسة عثمانية مشددة وبقيادة إبراهيم باشا قائد تلك الحملة وتم إعدام عبد الله أل سعود مع جميع وزرائه في ساحة اسطنبول الكبرى وتركت أجسادهم لمدة ثلاث أيام في ساحاتها قبل أن يتمَّ رميها في البحر وبعد تلك الحادثة عزم عبد العزيز أل سعود مؤسِّس الدولة السعودية الحديثة على الانتقام فتحالف مع البريطانيين وشنَّ حروباً طاحنة لإنهاء التواجد العثماني على الأراضي الخليجية والعربية حتى زوال دولة الخلافة العثمانية سنة1923وفي تلك المعارك وقفت قبائل آل تميم وآل ثاني مع العثمانيين ومنذ ذلك التاريخ بقيت العلاقات القطرية التركية وثيقة وظهر ذلك جلياً بعد صعود الإخوان المسلمين لحكم في تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية،ورغم أنَّ السعودية وتركيا تنتميان مذهبياً وعقائدياً إلى المذهب السني ولكن الاختلافات التاريخية والإيديولوجية والمصلحية الجوهرية بينهم وتضارب رؤيتهم الإستراتيجية لقضايا العربية والإسلامية الكبرى والعداء المستحكم بين الوهابية كفكر سياسي وديني وبين الفكر الإخواني الحداثي والذي يقر بأبجديات اللعبة الديمقراطية والانتخابات التي تعتبر في نظرهم في حكم الشورى الشرعية على عكس النظام السعودي التي يراها تخالف قواعد المذهب الوهابي وأصوله فالانتخابات المحرمة شرعاً حسب تعريفهم تشكل خطراً سياسياً على النظام القبلي العائلي العشائري في السعودية وهذه إحدى نقاط الخلاف المستحكمة بينهما والتي لا سبيل إلى حلها في المستقبل القريب. -فالسعودية وتركيا دعموا الحركات الإرهابية في سوريا بالمال والسِّلاح وقدموا مختلف أنواع الدعم المعنوي والإعلامي والتقني لها لإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد تنفيذاً لأجندات الأمريكية الصهيونية ومخطط الشرق الأوسط الكبير وكان من المتوقع أن يتم تنسيق الهجوم على مدينة الرقة عاصمة تنظيم داعش الإرهابي وكان من المنتظر أن تحتضن قاعدة انجر ليك التركية آلاف القوات السعودية وأحدث طائرات أف16الأمريكية التي زودت بها الأسطول الجوي للمملكة،بالإضافة إلى أن تركيا عضو في التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب والذي يقع مقره الرئيسي في العاصمة السعودية الرياض وكان من المتوقع أن تشارك القوات التركية في عاصفة الحزم لتحرير اليمن مع التحالف الحوثي الصالحي كما روج الإعلام الخليجي السعودي لأشهر طوال ولكن نجاة اردوغان بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضدَّه العام الماضي والذي كانت بتاريخ15-16يوليو2016والتي أثبتت التحقيقات تورط الإمارات والسعودية في تمويلها بالإضافة إلى استضافة قناة العربية لفتح الله غولن زعيم حركة أو جمعية الخدمة السِّرية والتي تعتبرها السلطات في أنقرة غير شرعية وتعمل لصالح المخابرات الأمريكية وبمثابة دولة موازية داخل أجهزة ودواليب الدولة التركية،فالرئيس التركي رجب طيب اردوغان بعد تلك المحاولة وبعد أن تورطت قواته في الشمال السوري ومدينة الباب السورية ثم مدينة بعشيقة في الموصل العراقية وهذا ما دفعه بعد أن تمَّ اغتيال السفير الروسي في تركيا إلى التقارب مع أعداء الأمس وعلى رأسهم روسيا وإيران وتمَّ عقد لقاء ثلاثي جمع وزراء دفاع كل من إيران وروسيا وتركيا وهذا ما أشعل نيران الغضب السعودي والذي ردَّت الرياض على إثر هذا الاجتماع بهجوم إعلامي شرس على الدول الثلاث وخاصة تركيا وكذلك استهداف المجموعات المسلحة فوق الأرض السورية المدعومة من تركيا. -وحتىَّ الزيارة التي قام بها الرئيس طيب رجب اردوغان إلى السعودية والتقى خلالها مع الملك سلمان لتجاوز الخلافات والاتفاق على كيفية وضع إستراتيجية موحدة في سوريا ولكن السِّياسة التركية التي تعتمد على اعتبار أن تركيا من القوى العظمى وعلى جميع الدول معاملتها وفق هذا المنطق وتوقيع تركيا اتفاقية دفاع مشترك مع قطر مع ما ينجر عنها من بناء قاعدة عسكرية تركية فوق الأراضي القطرية مع تواجد عسكري دائم فيها يقل أو يزيد حسب الحاجة والطلب القطري وبالتالي فإنَّ تركيا جيواستراتيجيا قد عادت إلى الخليج العربي وأضحت جارة لسعودية وكل هذا طبعاً بعد أخذ الضوء الأخضر من الولايات المتحدة الأمريكية كما لمَّح لذلك وزير الدفاع الأمريكي جون ماتيس وبالتالي فإنَّ تركيا التي تعتبر عضواً في حلف الناتو قامت بمسايرة السعودية وحلفائها في القمة العربية الإسلامية الأمريكية رغم أن اردوغان اكتفى بإرسال جاويش اوغلو وزير خارجيته ولم يحظر هو شخصياً وهذا ربما يعكس جزء من جبل الجليد المخفي في طيات العلاقات التركية السعودية. -ورغم أن السعودية والتي تعاني عجزاً في الموازنة العامة بلغ حسب تقارير مالية واعلامية أكثر من220مليار دولار ولكن لا تزال مصرة على حصار دولة قطر وهذا بالتأكيد سيكبدها خسائر اقتصادية إضافية والاستعداد ربما لمواجهة عسكرية مفتوحة مع تركيا العثمانية والتي لن يتنازل رئيسها حسب كل المؤشرات والدلائل السِّياسية عن موقفه الداعم لدوحة وشنه لهجوم شرس على قادة الدول الثلاث الضالعين في الحصار عليها واستقباله لخالد العطية وزير الدفاع القطري في العاصمة أنقرة وتأكيداته على أن تركيا تراقب الوضع عن كثب وأنها ملتزمة بحماية قطر ونظامها من أي قلائل سياسية أو اضطرابات قد تطيح بنظام حليفه الموثوق الأمير تميم بن حمد أل ثاني أكبر دليل على ذلك وبالتالي فإنَّ المنطقة مقبلة على أزمة كبيرة وحتىَّ ولو استطاع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يبتز الجميع أن يحل المسالة في الاجتماع الذي دعا فيه كل أطراف النزاع والذي سيعقد في العاصمة الأمريكية واشنطن فإنَّ السعودية وتركيا سيبقيان على مواقفها المتضاربة والمختلفة ورغبة كل منهما في القضاء على الأخر وتحجيم دوره ونفوذه وخاصة وأن العقلية القبلية لا تزال مستحكمة في العائلة السعودية الحاكمة والتي يعتبر الانتقام والأخذ بالثأر حتىَّ وإن طال عليه الزمن من أوجب الواجبات ومن علامات الرجولة ولكن حصار الدُّول الشقيقة وتدميرها كحالة سوريا واليمن وليبيا والعراق أمور عادية بل هي من المقتضيات السِّياسية والمصلحة القومية العليا لكلا النظامين سواء كان السعودي أو التركي لأنَّ تركيا متورطة حتىَّ الأذقان في مأساة عدَّة شعوب بالمنطقة وسوريا مثال صارخ على ذلك وفي اعتقادي بأنَّ قطر ستكون إحدى مناطق الصراع التركي السعودي القادم وليست الوحيدة فقط وما خفي كان أعظم؟ 
كاتب جزائري