2024-04-23 10:29 م

السعودية وقطر.....لماذا هذا التصعيد؟!

2017-06-08
بقلم:  الدكتور بهيج سكاكيني
تبعا للخطاب الرسمي والذي تتداوله الصحف ومعظم التحليلات لغاية الان حول الازمة المفتعلة بين السعودية من طرف ومن قطر من الطرف الاخر والذي أدت الى قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية من قبل التحالف الذي تقوده السعودية وللغرابة فالسبب المعلن أن قطر تمول الارهاب. وجاء اعلان هذا السبب بعد زيارة ترامب التي وصفت "بالتاريخية" والتي جمع اليها آل سعود كل ما يستطيعوا من الدول الإسلامية التي تدور في فلك الأوراق الخضراء التي أغدقت عليهم لعدم التخلف عن الحضور لتثبيت الدور "الريادي" للسعودية في العالم الإسلامي والحصول على صك الغفران وتبييض الوجه القبيح والاعمال الإرهابية والمنافية لأبسط مبادئ الإسلام التي تقوم بها السعودية وخاصة في اليمن الذي يذبح شعبه يوميا منذ أكثر من عامين ويحرم عليه الغذاء والدواء بشكل غير معهود في تاريخ المنطقة حتى بالمقارنة بالحصار الذي فرض على الشعب العراقي والذي ذهب ضحيته ما يقرب من مليون طفل لنقص اللقاحات والدواء من قبل أكبر دولة إرهابية في العالم. وجاء اعلان القطيعة أيضا بعد أن أظهرت بعض الصحف من أن قطر قامت بدفع ما يقرب من مليار دولار لإطلاق سراح الامراء الذين كانوا يقومون برحلة صيد في داخل الأراضي العراقية. هذه هي الرواية الرسمية على الأقل أما لماذا كان هؤلاء الامراء يحملون مئات الالاف من الدولارات معهم فهذا في علم الغيب!!!! وطبعا لم ينسى آل سعود إضافة ان من أسباب القطيعة العلاقات بين قطر وإيران "الشيعية" وهذا لا يمكن أن تتقبله السعودية رأس حربة الفتنة الطائفية والمذهبية في المنطقة، مع أنها تتقبل العلاقات التجارية بين دولة الامارات وإيران بتبادل تجاري يصل الى أكثر من عشرة مليارات سنويا مقابل مليار واحد مع دولة قطر. وركز الخطاب السياسي للسعودية على أن قطر لم تمضي على البيان الذي اعتبر حماس وحزب الله اللبناني تنظيمات إرهابية وأنها لم توافق على تصنيف إيران رأس حربة الارهاب الذي أرادته السعودية ونطق به قاطن البيت الأبيض ليحصل على أكبر مبلغ ممكن وعقود للشركات الامريكية. نعم ان السعودية تحاول ان تبقي على دول مجلس التعاون الخليجي تحت جناحيها وتتعامل بقسوة وعنف مع اية دولة تتململ من غطرستها وتعاملها الفوقي مع هذه الدول فقد سبق وأن هددت بقطع المعونات المالية لسلطنة عمان التي لم توافق على عملية الارتقاء بمجلس التعاون الخليجي الى اتحاد ما بين دوله. وكذلك هددت سابقا باحتلال قطر والسيطرة عليها كما هو الحال الان مع "دولة" البحرين التي تحولت الى مستعمرة سعودية. آل سعود أصلا ما زالوا يعتبرون ان كل هذه الدول والامارات في الخليج العربي ومقدراتها هي ملك لهم ويأخذون على الاستعمار البريطاني أنه قسم أراضي الجزيرة العربية التي كان من المفترض ان تكون كلها لهم. كل الأسباب التي سيقت لتبرير ما أقدمت عليه السعودية وحلفائها وادواتها في المنطقة وخارجها لا يعدو عن كونها خطابا سياسيا يراد منه التغطية على الأسباب الحقيقية التي دفعت آل سعود لاتخاذ مثل هكذا خطوات عدائية تجاه قطر. فالسعودية كما هي قطر داعمة للإرهاب الإقليمي والدولي وهي بهذا المجال لديها من الإمكانيات والخبرة والفعل أكثر بكثير من قطر التي دخلت على الخط منذ ما سمي "الربيع العربي". ويجب أن لا ننسى أن السعودية وحلفائها في الحرب على اليمن تحالفوا مع القاعدة ومع تنظيم الاخوان المسلمين الممثل بحزب الإصلاح في اليمن لقتال الجيش اليمني واللجان الشعبية والحوثيين وبالتالي فان أخذ علاقات قطر بتنظيم الاخوان المسلمين كذريعة أيضا لا يمكن لعاقل القبول به. السبب الحقيقي وراء هذه الضجة والأزمة المفتعلة مع قطر لا تعود الى دعم قطر للإرهاب أو علاقاتها مع تنظيم الاخوان المسلمين أو التدخل في شؤون الدول الأخرى وكأن الحرب على اليمن التي تقوده السعودية ليس تدخلا في شؤون البلدان الأخرى أو علاقاتها مع إيران، بل ربما تعود الى سبب أقل تعقيدا من كل ما جاء بالخطاب السياسي والأسباب المفتعلة الا وهو الموقع الذي تتصدره قطر فيما يخص مصادر ومخزون الغاز الطبيعي الهائل في الإقليم والذي يدر على قطر مليارات الدولارات بالإضافة الى أن تكلفة استخراجه أقل بكثير من استخراج الغاز من أي منطقة بالخليج ورفض قطر لبيعه لهذه الدول بأسعار مخفضة عن الأسواق العالمية. السعودية تؤمن بأن هذه الثروة يجب أن تكون ملكها. الخلافات بين السعودية وقطر بدأت منذ عام 1995 وهو العام الذي حدث فيه انقلاب أبو الأمير الحالي لقطر على أبيه الذي كان حليفا للسعودية وملتزما بسياساتها الخليجية والإقليمية. وهو أيضا العام الذي شهد تصدير أو شحنة قطرية من الغاز الطبيعي المسال الى الأسواق العالمية من الحقل الشمالي البحري والذي تتقاسم ملكيته قطر وإيران العدو اللدود للسعودية. وأصبحت قطر أكبر دولة مصدرة للغاز الطبيعي في العالم واغنى دولة بالنسبة للدخل الفردي الي بلغ 130000 دولار سنويا للفرد الواحد (طبعا الأموال تذهب للعائلة المالكة) وبتركيزها على مصادرها من الغاز الطبيعي أبعد قطر عن جيرانها من دول مجلس التعاون الخليجي وسمح لها بالتخلص من الهيمنة والسيطرة والتسلط السعودي عليها على الأقل. ولقد استخدمت قطر هذه الثروة التي نزلت عليها في اتخاذ وتبني سياسة خارجية مستقلة ولعبت دورا خارج الكنف والحضن السعودي. فقامت قطر بإقامة علاقات مع إيران والولايات المتحدة والتي تمخضت عن إقامة قاعدة العديد الجوية وهي أكبر قاعدة عسكرية تبنى خارج أراضي الولايات المتحدة في العالم وقامت قطر بتمويل بناءها الى جانب تقديم الأراضي القطرية التي أقيمت عليها القاعدة الى جانب احتضان قطر القيادة المركزية الامريكية على أراضيها. ولا عجب أن تطالب كل من الامارات والسعودية بنقل هذه القاعدة من قطر الان فالتنافس على العمالة والولاء والتبعية والعبودية لأمريكا يجري على أشده بين هذه الدول التي فتحت خزائنها واراضيها لسيد البيت الأبيض منذ زمن لضمان بقاءها. وكذلك قامت قطر بإقامة علاقات مع روسيا وتطويرها وخاصة في مجال الطاقة ووافقت حديثا على استثمار 2.7 مليار دولار في شركة الطاقة روسنفت الروسية المملوكة من قبل الدولة الروسية. كما وقامت قطر بإنشاء امبراطورية إعلامية المحطة التلفزيونية الفضائية الجزيرة التي لعبت دورا كبيرا في توجيه الرأي العام العربي ودعم "ثورات الربيع العربي" واستخدمتها في حربها على سوريا بشكل مكثف. كما أنها استفزت العديد من الأنظمة الرسمية العربية. ولقد لعبت قطر سياسة خارجية إقليمية مغايرة الى حد ما للسعودية في محاولة لمنافستها في الساحة الإقليمية. فقد تدخلت في مصر ودعمت "الربيع العربي" وتنظيم الاخوان المسلمين على وجه التحديد ودفعت المليارات عندما تولى مرسي الرئاسة، كما دعمت التحركات في تونس وحزب النهضة وهو حزب الاخوان المسلمين وأغدقت الأموال على التنظيم هناك. ولم تستثنى ليبيا من هذه السياسة فقد تدخلت في ليبيا 2011 ضد العقيد معمر القذافي وأرسلت طائراتها وانضمت الى حلف الناتو في اسقاط النظام الليبي حيث شاركت قوات خاصة قطرية في تدريب وتسليح المعارضة الليبية من الاخوان المسلمين ودعمت مجموعات تنتمي الى القاعدة. وقد امتدح مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي الذي تكون لإدارة الأمور في ليبيا بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي الدور القطري في إنجاح "الثورة الليبية" وأشار الى ان قطر قد دفعت ملياري دولار لعملية انجاحها. أما الحصة التي حصلت عليها قطر فقد كانت توقيع عقود بما يقرب من 10 مليارات دولار في مشاريع داخل ليبيا. ولعبت محطة الجزيرة دورا كبيرا في دعم كل هذه التحركات واستطاعت التأثير على الرأي العام العربي من خلال برامج موجهة وخبيثة ومفبركة مليئة بالأكاذيب وقلب الحقائق. وبعد مصر وتونس وليبيا وتعاونها الواضح مع تركيا في هذا المجال في محاولة لتسليم المنطقة للإخوان المسلمين، انخرطت قطر في الازمة السورية منذ البدايات وكان السبب الأساسي هو رفض الدولة السورية والرئيس بشار الأسد على وجه التحديد للمشروع القطري بمد خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من الأراضي القطرية مرورا بالأراضي السورية والوصول الى الموانىء التركية وتصديره الى الدول الأوروبية والعالم عبر هذه الموانىء، وكان من شأن هذا ضرب التحالف والعلاقات المتينة بين سوريا من طرف وروسيا وإيران من الطرف الآخر. ومن هنا جاء التحالف التركي القطري بدعم المجموعات الإرهابية في محاولة لإسقاط الدولة السورية والرئيس الأسد على أمل استلام تنظيم الاخوان المسلمين السلطة في سوريا. وكانت قطر وتركيا منخرطتان بكثافة فيما سمي بمشروع الاخوان المسلمين السياسي في المنطقة. كانت قطر ومن خلال وزير خارجيتها حمد بن جاسم تتصرف وكأنها الآمر الناهي والوصي على النظام العربي الرسمي في جامعة الدول العربية وكانت السعودية تبدو صغيرة في حجمها وتأثيرها في الساحة الإقليمية والدولية. فقطر هي الدولة التي كانت تتحرك على الساحة الأوروبية والأمريكية وفي مجلس الامن والأمم المتحدة وتدعو الى التدخل العسكري في سوريا تحت البند السابع وتقوم بتحشيد دول العالم ضد سوريا ومن خلال بوقها الإعلامي محطة الجزيرة الفضائية "والمستشار" و "المفكر" العربي "ومنظر" "الثورات العربية" "والربيع العربي" قامت بشيطنة الرئيس الدكتور بشار الأسد والدعوة لإسقاطه. وقامت قطر بصرف ما يقرب من 3 مليارات دولار في دعمها للإرهاب والمجموعات الإرهابية القاعدية في سوريا قبل أن تصل الى نتيجة أن مخططاتها في اسقاط الدولة السورية والرئيس الأسد قد باءت بالفشل وهنا تخلت عن راية قيادة الارهاب في سوريا الى آل سعود عندما تولى أمير الارهاب السعودي بندر بن سلطان إدارة الارهاب في سوريا. كما فقدت قطر حلمها بإقامة خط الانابيب عبر الأراضي السورية وربما هذا ما دعاها لتحسين علاقاتها مع روسيا وشركة الطاقة الروسية روسنفت والاستثمار بها العام الماضي. فهي تدرك أن العلاقة بين روسيا وسوريا قد أصبحت علاقة متينة وقوية وفيها مصلحة للطرفين وأن سوريا لن تقوم بضرب الحلفاء بخنجر من الخلف. وهذه العلاقة مع روسيا وإيران أثارة القلق والمخاوف السعودية من قطر لإمكانية أو احتمال دعمها لمحور روسيا-إيران-سوريا والذي قد تمليه عليها مصالحها الاقتصادية وربما السياسية لاحقا. وهنالك تخوف حقيقي من قبل جيران قطر الخليجيين من القوة المالية التي تمتلكها قطر ومسار "الاستقلال" السياسي الذي تنتهجه فهو كما يقول أحد الباحثين "ان قطر كانت دولة خانعة للسعودية ولكنها استطاعت استخدام الاستقلالية التي وفرتها لها الثروة من الغاز الطبيعي لإيجاد دور مستقل لها". وبالإضافة الى ذلك فان ثروتها من الغاز الطبيعي محررة من اية قيود وضغوط سياسية على خلاف الحال في دول منظمة الاوبيك التي تسيطر عليها السعودية. وبالتالي فان السعودية كانت تتطلع الى أية فرصة "لقص جنحان قطر" بمعنى تحجيمها. ولقد أعطت زيارة البيت الأبيض هذه الفرصة الى السعودية عندما تحدث ترامب عن دعم قطر الى المجموعات الإرهابية. وترافق هذا مع حملة إعلامية أمريكية تكشف تورط قطر في دعم الارهاب دون الإتيان على ذكر السعودية الراعية للإرهاب الإقليمي والدولي وهي المتفوقة على قطر بدرجات كبيرة. ما يجب ان نشير اليه هنا أنه من الواضح أن التصعيد من قبل السعودية في المرحلة الحالية هو سيد الموقف كما يتضح من عدم نجاح الوساطة الكويتية لرأب الصدع ومنع حدوث مزيد من الشرخ بين دول مجلس التعاون الخليجي. ولكن هذا التصعيد المفتعل والمدى الذي ستذهب اليه السعودية في تصعيدها وعدائها لقطر مرهون بشكل أساسي بالموقف الأمريكي الذي بدأ يلملم نفسه على ما يبدو بعد مرحلة من الغموض وتناقض المواقف كما يستدل من التصريحات المتناقضة التي أدلى بها الرئيس ترامب في البداية ووزير خارجيته. اما الان فان الرئيس ترامب قد قام بتوجيه دعوة الى أمير قطر لزيارة واشنطن ربما لإبلاغه بالشروط الامريكية لتسوية الازمة ولا نستبعد أن يقوم ترامب باستغلال الفرصة لحلب الضرع القطري كما حصل مع السعودية. والملفت للنظر ان الجانب الأمريكي الان وجه اتهام الى روسيا بزعزعة الموقف وافتعال الازمة في الخليج وذلك عن طريق القيام بقرصنة اليكترونية لموقع وكالة الانباء القطرية وفبركة تصريحات أمير قطر. وربما هذا يشكل مؤشرا على أن البيت الأبيض قد يقوم بحل المشكلة بشكل حفظ ماء الوجه لكل من قطر والسعودية وخاصة وأنه ليس من المصلحة الامريكية الان على الأقل نشوء هذا الخلاف والتصعيد في اللحظة التي يراد بها ترتيب أوضاع المنطقة وتكوين حلف الناتو العربي. ولكن من المؤكد ان السعودية وخاصة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد الذي من الواضح أنه سيخلف أبيه ويتولى العرش قريبا ستبقى عينيه مفتوحة على المفتاح الذي أعطى لقطر الفرصة للعب الأدوار سواء في الخليج أو الإقليم وهو الغاز والغاز والغاز...فهل تذهب السعودية الى احتلال قطر على سبيل المثال؟ ولماذا هذا التسرع لتركيا بتشريع ارسال وحدات من الجيش التركي الى قطر ضمن اتفاقية وقعت سابقا؟ هل هذه هي حركة استعراضية فقط لتحقيق مزيدا من الاستثمارات القطرية في الاقتصاد التركي وخاصة وأن الموسم على ما يبدو موسم حلب الابقار؟ أم أن تركيا تتلمس ريبة من الموقف السعودي المتعنت؟ وهل ستدخل هذه القوات التركية في معارك مع القوات السعودية الغازية إذا وصلت الأمور الى هذا الحد؟ وماذا سيكون الرد الأمريكي هذا على افتراض أن أمريكا ليست الطرف الذي يحرك احجار الشطرنج في منطقة الخليج؟