2024-03-28 09:28 م

القمم على الواقف فى الرياض.. قراءة أولية لأحوال من احتشد فيها

2017-05-31
كتب طلال سلمان
غطت دماء الأطفال الذاهبين إلى الصلاة فى دير الأنبا صموئيل، فى خراج مدينة المنيا بمصر، على أخبار القمم الثلاث التى انعقدت فى الرياض احتفاء «بالزيارة الأولى إلى الخارج التى قام بها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب»، والتى خص بها السعودية فاجتمع للحفاوة به الملوك والرؤساء والأمراء العرب والمسلمين، فى أول لقاء من نوعه، منذ زمن الأحلاف (حلف بغداد، حلف الدفاع المشترك، مشروع أيزنهاور، مشروع الشرق الأوسط الكبير... إلخ).
بينما لم تنتبه هذه القمم الثلاث إلى «اضراب الأمعاء الخاوية» الذى أعلنه المعتقلون الفلسطينيون فى السجون الإسرائيلية، وامتد لأكثر من أربعين يوما.. فإن هذا الاضراب لم يلفت رئيس السلطة التى لا سلطة لها فى فلسطين المحتلة وهو يستقبل «ضيفه الكبير الرئيس الأمريكى» الذى عبر إليه فى بيت لحم من حيث لا يستطيع الفلسطينيون أن يعبروا.. ومن دون أن ينتبه أو ينبه إلى صيام المعتقلين.. فإن البيان الختامى الذى أذيع بعد مغادرة المشاركين فى القمم الثلاث ومن دون أن يطلعوا عليه (كما أكد الوفد اللبنانى) قد تسبب فى تفجير خلاف كامن بين قطر والمملكة السعودية، ومعها الإمارات، قيل إن بين أسبابه استضافة الإمارة قيادات الإخوان المسلمين، فى حين اندفعت الدوحة تدافع عن الوجود الشرعى لقاعدة العديد الأمريكية على الحد الفاصل بينها وبين السعودية.
مع ذلك فقد وجد الرئيس الأمريكى فائضا فى الوقت خلال زيارته القدس المحتلة لكى يزور «البراق» أو«حائط المبكى» (كما يسميه اليهود)، ويدس وريقة تمنيات فى شق بين حجارته وهو يرتدى القلنسوة اليهودية.. فى حين تمنى رئيس حكومة العدو الإسرائيلى أمامه أن يستطيع القيام برحلة معاكسة لرحلة ترامب تحمله من القدس المحتلة إلى الرياض «توطيدا للسلام وإنهاء لعصر العداء بين أهالى الأراضى المقدسة»..
***
بالمقابل فإن الرئيس السودانى عمر البشير قد وجد اللحظة مناسبة لإثارة مسألة الخلاف مع مصر حول حلايب..
كذلك فإن هدر دماء اليمنيين على أيدى أشقائهم السعوديين فى الحرب العبثية التى تشن عليهم قد تواصل، فأضيفت نكبة أخرى إلى نكبات هذا الشعب العريق والمساهم بدور غير منكور فى نشر راية الإسلام فى الكون..
بمعزل عن هذا كله، فإن «مكرمة» الرئيس الأمريكى ترامب قد كلفت السعودية ثمنا أسطوريا تجاوز الأربعمائة مليار دولار.. وهو ثمن لم يسبق لأى دولة أن دفعته لزيارة استبقها ترامب بتوجيه إهانات جارحة ومباشرة إلى مضيفيه من «البدو» الذين خرقوا التقاليد والبروتوكول الصارم وهم يمدون أياديهم الملكية المطهرة لمصافحة زوجة الرئيس الأمريكى وابنته اليهودية.
وبالتأكيد فإن جماهير الفقراء التى تضيق بها جنبات الوطن العربى الكبير (بما فى ذلك المملكة المذهبة) قد استقبلت هذا السخاء السعودى المبالغ به بكثير من الدهشة وسويداء الحزن..
هذا فى معطيات «الصورة المبهرة» بالذهب المنثور فوقها..
أما فى النتائج الفعلية لهذه القمم فإن الجدل يشتد بين من يعتبرها «بداية عصر أمريكى جديد»، وبين من يرى فيها نجاحا مجانيا للرئيس الأمريكى كان بحاجة إليه لمواجهة الحملات العنيفة التى تتناوله بشخصه وعائلته، كما تشهر بسياساته المرتجلة وتغريداته التى غالبا ما تكون جارحة وإن شغلت خصومه لبعض الوقت..
لعل الوجه الآخر لهذا «النجاح العربى» لترامب قد تجلى واضحا فى لقاءاته مع القيادات الأوروبية والتى وصلت إلى حد الاشتباك العلنى مع المستشارة الألمانية، والفشل فى حل الأزمة بين أوروبا وتركيا وغيرها كثير.
***
ما يعنينا من جولة ترامب الأولى خارج بلاده تأثيرها على مجريات الأمور فى منطقتنا وأول ما يطالعنا، هنا، أن الرئيس الأمريكى لا يملك حلا سحريا للمسألة الفلسطينية، والأفكار الأولية التى طرحها قديمة ومستهلكة ولا تضيف جديدا.
كذلك فمن المنطقى أن نفترض أنه لا يملك حلا لمسألة الحرب فى سوريا وعليها، ولعله يترك الأمر لتفاهم مفترض مع الرئيس الروسى بوتين لن يكون للعرب الذين التقاهم ــ وبعضهم متورط فى هذه الحرب ــ دور فيه..
من باب أولى أن يفترض ترامب أن مسألة العراق تتصل بالصراع مع إيران التى استنفر أهل القمة ضدها، مع التأكيد أن لا شأن لعرب القمة فيها..
بالمقابل فإن السعودية (ومعها الإمارات) تعتبر أن قضية الحرب على اليمن «مسألة أمن قومى» لا شأن للآخرين، عربا وغير عرب فيها، حتى لو فشلت الوساطة الدولية التى يقودها الموفد الأممى الموريتانى الأصل، بعد أن امتنعت صنعاء عن استقبال مساعيه العبثية بينما الكوليرا تلتهم أهل اليمن، وأطفالهم على وجه الخصوص.. من دون أن يتوقف الطيران الحربى الشقيق عن إغاراته على هذا الشعب المفقر والمحاصر بالمرض وقنابل الموت.
ولم يظهر عن قمم الرياض ــ التى أشرك فيها الرئيس اليمنى المقيم فى السعودية لاجئا ــ أن البحث قد تطرق إلى الحرب على اليمن أو أنها كانت معنية بإيجاد حل لهذه المجزرة المريعة، أقله تحت العنوان الإنسانى وبعيدا عن السياسة..
على هذا فإن القضايا الحيوية التى تهم العرب، لأنها تؤثر على حياتهم وليس فقط على أنظمتهم، لم تكن على جدول أعمال ترامب والترتيبات التى أعدت على عجل لعقد القمم الثلاث والتى أهم ما ظهر من نتائجها تنصل لبنان من بيانها الختامى، والأزمة التى انفجرت بين قطر والمضيف السعودى، والمزيد من التعقيدات فى قضية الحرب على اليمن، مع استبعاد النقاش الجدى حول الحرب على سوريا وفيها لأن من شأنه أن يحدث انقساما فى الموقف بين المضيف وبعض ضيوفه.
لا يحاول هذا الاستنتاج التقليل من خطورة نتائج هذه الزيارة على الوضع العربى المتهالك، ولكن القصد أن الأوضاع العربية أكثر تعقيدا من أن تحلها «قمة على الواقف».. خصوصا أن الحد الفاصل بين أزمات الداخل فى العديد من الأقطار العربية وبين المطالب العربية من العهد الأمريكى الجديد والشروط التى يفرضها بالمقابل واسع جدا ولا مجال لتوحيد المنظور، واستطرادا وسائل العلاج.
***
هذا بغير أن ننسى أن الإدارة الأمريكية الجديدة مأزومة فى الداخل، و«معارضاتها» عنيفة، وقد أجبرتها على «إقالة» بعض كبار المستشارين فى البيت الأبيض، وربما ستضطرها إلى إقالة آخرين..
لن تغطى المليارات العربية التى منحت لترامب بسخاء لم يسبق له نظير، أخطاءه فى الداخل، ولا هى ستلغى معارضته العنيفة التى سبقته إلى البيت الأبيض، ولا تزال تهدده بالمساءلة والحساب، أثر كل قرار، أو تصرف مرتجل أو عشوائى..
فليس ترامب ملكا عربيا، أو حتى أميرا، يقرر لشعبه ما يشاء متى يشاء بعكس مضيفيه الذين يعتبر كل واحد منهم أنه القضاء والقدر، الآمر الناهى، ولا تقبل قراراته المراجعة أو حق النقض..
... وهذه هى مشكلات الدول العربية، ومن ضمنها أزماتها الاقتصادية والأمنية، تتوالى فصولا، وهى خارج اهتمامات هذه القمة كما القمم العربية وأى قمة أخرى..
والحلول فى الداخل، دائما، وليس فى الخارج.
.. ويبقى سؤال محض ويبعث على القلق:
كيف ولماذا أصدرت السفارة الأمريكية تحذيرها إلى رعاياها فى مصر، عشية التفجير الإرهابى على طريق دير الأنبا صموئيل على الطريق إلى المنيا؟
هل السفارة الأمريكية فى القاهرة تعرف مسبقا بالتفجيرات فتنبه إليها.. قبل المعنيين بالأمر؟