2024-03-29 10:08 ص

تفاصيل السيناريو المصرى للهرب من فخ «الناتو السعودى الأمريكى» ضد طهران

2017-05-21
كتب علاء عزمى// "المصدر"
على أى أرضية ستتعاطى مصر مع تصريحات وزير الخارجية السعودى، عادل الجبير، بشأن رؤية بلاده الجديدة لتحريك عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
 
المملكة، وفجأة، تريد أفكارًا خارج الصندوق لإحراز إنجاز حقيقى فى ذلك الملف الشائك.. السؤال: هل طرح الرياض عن الحلول غير التقليدية للقضية المركزية الشائكة بالتزامن مع وصول الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب إلى أرض الحجاز فى أول رحلة خارجية له منذ تقلده سدة القيادة بالبيت الأبيض مطلع العام الجارى، سيحتم أن تدفع دول مؤثرة بالمنطقة، وعلى رأسها مصر، تكلفة باهظة؟.
 
تبدو القاهرة فى مأزق سياسى لا هزل فيه.. تسديد فواتير المواءمات والاستراتيجيات الإقليمية والدولية يصبح فى تلك اللحظة فرض العين الأشد قسوة وإيلامًا بالنسبة لها ولغيرها.
 
العراب الأمريكى الجديد المبشر بتحالف (ناتو) عربى سنى أمريكى لا يمانع فى التعاون مع إسرائيل، إنما يحشد لجبهة سياسية عسكرية، ذات سمات مذهبية طائفية ضد إيران (الشيعية)، تقلم أظافر الأخيرة بعد فترة انتعاش جراء توقيعها المثمر للاتفاق النووى مع إدارة باراك أوباما وحلفائها الأوروبيين قبل نحو عامين.
 
أضف إلى ذلك رغبة «واشنطن» ترامب و«رياض» الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله المدلل ولى ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، فى خرق جدار التضخم الذى أصاب طهران بعد انتصاراتها العسكرية والأمنية والسياسية فى ساحات الصراع فى سوريا واليمن والعراق، بل حتى فى لبنان وغزة.
 
السعودية تريدها سيادة مطلقة على الخليج والمنطقة العربية منزهة من أى طيف إيرانى، وتعتبر ذلك هو هدفها الأسمى والأكبر والأهم، فالنيل من طهران كعدوة أولى ورئيسية لبلد آل سعود يستحق التحالف مع الشيطان إن استدعى الأمر
 
فى كل الأحوال لا تعتبر الرياض واشنطن شيطانًا، بل تراها ضامنًا وحاميا ومساندًا معتبرًا يمكنه تليجم النفوذ الإيرانى المتصاعد، وكله بمقابل مجزٍ فى كل الأحوال.
 
كل التسريبات تتحدث عن صفقة تسليحية تاريخية قد تصل قيمتها إلى نحو 128 مليار دولار ستدفعها الرياض نظير الحصول على أسلحة أمريكية برعاية تامة من ترامب تعينها فى الحرب المحتملة مع بلد الفقيه، سواء كانت المواجهة مباشرة أو عبر وكلاء فى المناطق الملتهبة باليمن أو سوريا أو غيرهما.
 
عادل الجبير يجهر مطمئنًا ربما لهذا السبب، بأن بلاده تتوافق مع ترامب وإدارته فى مكافحة الإرهاب والتصدى للخطر الإيرانى، وكذا فى ملف السلام الفلسطينى الإسرائيلى.
 
لكن، هل يعلم الجبير أن ترامب نفسه لم يبلور سيناريو متكامل لذلك السلام.. وأن إدارته منفتحة على كل الفرضيات، منها التقليدى الراسخ على الأقل عربيًا وتاريخيا على أساس حل الدولتين، ومنها غير التقليدى الرامى لمنح الفلسطينيين أراض بديلة فى سيناء مثلُا مقابل نسيان بلدهم الموحد المستقل على حدود الرابع من يونيو 1967.
 
هل باتت المملكة، على خلفية الهلع من إيران، ووفق كلام وزير خارجيتها عن الحلول خارج الصندوق، لا تمانع فى الفرضيات غير التقليدية بعيدًا عن تأسيس الدولتين؟
 
أيًا كانت الإجابة لا تهم.. المهم كيف سيكون الموقف المصرى إذا ما استدعى التوافق السعودى الأمريكى تغييرًا فى مبادئ القاهرة الراسخة، بعدم الدخول فى أحلاف عسكرية أو سياسية طائفية (كالناتو الذى يتشكل ضد إيران) ولو كان ذلك مقابل حوافز اقتصادية سخية تنعش اقتصاددها المتدهور، أو تعرضت على أثر الشراكة الأمنية المرتقبة لضغوط للتنازل عن جزء من أراضيها أو مبادلتها لأجل توطين الفلسطينيين بسيناء؟
 
مبكرًا، أدركت القاهرة مأزقها المرتقب، وخصوصا أن الإسرائيليين، وبعدم ممانعة من ترامب، حاولوا توريطها على الأقل إعلاميا، فى قصة توطين الفلسطينيين فى شريط شمالى ساحلى من العريش حتى غزة، فحشدت بمعاونة الأردن لحث القمة العربية الأخيرة بعمان لتجديد إجماع العرب النادر على مبادرة بيروت 2002، وملخصها أن التطبيع التام والكامل مع تل أبيب مشروط بإقامة دولة مستقلة لأبناء الأراضى المحتلة.
 
غير أن المأزق تضاعف الآن، إذ أن تفاصيل الناتو العربى الإسلامى السنى الأمريكى المرتقب ضد إيران الشعية، يحمل فى طياته تطبيعًا غير مباشر مع إسرائيل، على اعتبار دور الأخيرة فيه كحاضنة معلوماتية واستخباراتية مشتركة من باقى الدول الأعضاء، فضلًا عن أنها ستكون ملزمة بالدفاع المباشر عن أى بلد حليف يتعرض لاعتداء من جانب طهران، بما فى ذلك البلدان العربية والإسلامية التى لا تعترف بتل أبيب من الأساس.
 
الحلف الجديد، يبدل صراحة القضية العربية الرئيسية وهى فلسطين، بقضية أخرى هى الخطر الإيرانى، ومن ثم يتغير تصنيف تل أبيب من كونها العدو الأول لسكان المنطقة لتصبح حليفتهم.. وهنا يمكن نسيان حل الدولتين، والحديث مجددًا عن التوطين بسيناء.. ما يجدد المأزق المصرى، الذى يزداد تعقيدًا لكون القاهرة مطالبة وفق آليات الانضواء تحت راية الناتو الجديد، أن تسير فى ركب جبهة طائفية من جهة، ومن جهة أخرى ستجد صعوبة فى عرقلة مبدأها بعدم الزج بقواتها العسكرية فى صراعات لا تمسها، والأهم أنها ستفقد الزعامة وستصبح مجرد شريك فى أحسن الأحوال.
 
الأقرب للمنطق، ووفق مؤشرات وإشارات تعددت الأيام القليلة الماضية، أن القاهرة تتحسب لكل تلك المطبات وتسعى لحلها، قبيل مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى القمة العربية الأمريكية المزمع انعقادها بالرياض خلال ساعات لتدشين الناتو الجديد، ومن ثم تم استقبال العاهل الأردنى، الملك عبد الله، وهو رئيس الدورة الحالية للقمة العربية بقصر الاتحادية، حيث تم تجديد التمسك بحلول الشرعية الدولية والحقوق التاريخية للقضية الفلسطينية، ما يعنى تجديد الرفض لفكرة توطين أبناء الأراضى المحتلة فى سيناء.
 
مع تجديد التسويق لفكرة القوات العربية المشتركة، كحل شرعى إذا ما تطلب من القاهرة أى إسهام عسكرى، مع حصر الدور المصرى فى التعاون المعلوماتى والاستخباراتى فى هذا الشأن.
 
بينما تتبنى مصر مقترح تشكيل منظمة إقليمية لمكافحة الإرهاب بالمنطقة، وتحديدًا إرهاب داعش والقاعدة وأجنحة الجماعة الدينية السياسية صاحبة النهج العنيف كالإخوان، فضلًا عن وضع آلية لتلك المنظمة لمطاردة وحصار الدول الراعية للإرهاب، كإيران وتركيا، وضرب أى جهة أو فصائل تعمل فى معيتها، كحزب الله اللبنانى، وهكذا.
 
القاهرة عملت بجِد على ما يبدو لتحصد مكاسب لا خسائر من الناتو الجديد، فحيدت حماس ودفعتها لتبنى نهج جديد يطلق الانتماء التنظيمى للإخوان ويتعاطى مع الواقع الفلسطينى العربى سياسيا لا أمنيا حسب أهواء وأجندات قوى إقليمية، ومن ثم يمكن سد الطريق على أى تذرع أمريكى إسرائيلى باستحالة إقامة دولة فلسطينية فى ظل وجود سلاح فى يد ميليشيات.