2024-03-29 10:47 ص

عن جولة ترامب وموقع فلسطين فيها

2017-05-16
بقلم: طلال سلمان
يكاد شهر أيار (مايو) من هذا العام أن يكون «شهرا فلسطينيا» بامتياز.. من دون أن يطمس ذلك حقيقة أن هذا الشهر ذاته قد شهد إعلان قيام «دولة إسرائيل» على الأرض الفلسطينية وتشريد شعبها العربى قبل تسعة وستين سنة (14 أيار ــ مايو ــ 1948).
فى البداية تم التمهيد لمسلسل من الأحداث عبر القمة العربية الأخيرة فى عمان (أواخر شهر آذار ــ مارس الماضي).. وهى القمة التى نفضت الرماد عن مقررات القمة العربية فى بيروت فى العام 2002، وأبرز ما فيها المبادرة السعودية التى تشكل «اعترافا كاملا بدولة إسرائيل».. مع الرجاء بأن تترك من أرض فلسطين حيزا لإقامة «كيان فلسطينى» مقطع الأوصال، فلا هو متصل بقطاع غزة المتروك للريح، ولا اتصال له بأى حال مع الأرض الفلسطينية التى احتلت فى العام 1948، ثم إن اتصاله بالأردن محدد ومحدود وبالإذن الإسرائيلى دائما.
ثم توالت لقاءات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مع القادة العرب الذين خص منهم الملك عبدالله بن حسين الهاشمى بلقاء استثنائى، وكذلك ولى ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان بلقاء مشابه، قبل أن يستقبل الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى، وبعده مباشرة اللقاء الثانى مع الملك الأردنى، قبل أن يستقبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
بطبيعة الحال فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو كان بين أوائل زوار الرئيس الأمريكى لتهنئة الذات بفوزه على هيلارى كلينتون.
المهم أن دونالد ترامب قادم إلى منطقتنا، وستكون زيارته الأولى للمملكة العربية السعودية، حيث سيلتقى فيها، إضافة إلى ملكها سلمان بن عبدالعزيز، مجلس التعاون الخليجى بكامل أركانه.. وذلك «بعد جهود جبارة بذلها ولى ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان، على حد ما أعلنت الأوساط المتصلة به.
بعد السعودية سينتقل الرئيس الأمريكى إلى الكيان الإسرائيلى، ثم ينهى جولته الأولى خارج بلاده بلقاء مع بابا الفاتيكان.. «وهكذا يكون قد التقى مرجعيات الأديان الثلاثة: الإسلام واليهودية والمسيحية... ممهدا لأن يعم السلام مختلف أرجاء الكون»!
ليس مؤكدا أن الرئيس الأمريكى الجديد يحمل إلى المنطقة حلولا لأزمتها التاريخية التى تعيشها منذ إقامته الكيان الصهيونى فوق أرضها فى العام 1948.
لكن الأوساط الرسمية العربية تهلل لهذه الزيارة وكأنها حدث استثنائى، وأنها تحمل الحل السحرى لهذه الأزمة الكونية المعقدة، برغم الضعف العربى الذى يكاد يكون تهالكا، والجبروت الإسرائيلى المعزز بالدعم الأمريكى المفتوح المستند إلى الاستعداد العربى التسليم بأى مقترح «دولى» يعفى العرب من مسئولياتهم القومية تجاه شعب فلسطين.. بل تجاه الأمة العربية جميعا.
وبالتالى فمن المنطقى أن نتوقع مزيدا من التنازلات العربية عن موجبات «القضية المقدسة».. فهل يجوز ألا نُكرم أكبر رئيس فى العالم وقد جاءنا قاصدا المعونة لحل هذه المشكلة المعقدة والمتعبة؟
***
إن مسار «القضية المقدسة» يكشف تفاقم عجز قادة النظام العربى عن مواجهة مسئولياتهم تجاهها بل وتواطؤهم عليها.. وقد انعكس هذا العجز على «منظمة التحرير الوطنى الفلسطينى» التى أقيمت بقرار القمة العربية الثانية فى الإسكندرية أواخر العام 1963، وبعدما كانت منظمات فلسطينية عديدة أبرزها حركة «فتح» قد انتقلت إلى الكفاح المسلح، مباشرة بعد هزيمة 5 حزيران (يونيه) 1967.. ثم سرعان ما لحقت بها «حركة القوميين العرب» التى تحولت إلى «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، ثم استولدت حركات وجبهات مسلحة عديدة تحمل شعار تحرير فلسطين.. خصوصا وقد دخلت الأنظمة العربية هذا البازار المفتوح، فتولى عراق صدام حسين دعم تنظيم متحدر من «البعث العراقى» وتولت دمشق حافظ الأسد إنشاء «الصاعقة» كتنظيم فلسطينى متحدر من «البعث السورى» كما دعمت «الجبهة الشعبية ــ القيادة العامة» بعد انشقاقها عن «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، فى حين دعمت بعض دول الخليج «فتح» بسبب توجهاتها الإسلامية.
ولقد أبلت بعض هذه التنظيمات بلاء حسن فى كفاحها المسلح. وقام فدائييوها بعمليات بطولية داخل الأرض الفلسطينية، أو ضد أهداف إسرائيلية فى الخارج، بينها اختطاف طائرات إسرائيلية واحتجاز ركابها طلبا للإفراج عن مئات من المعتقلين الإسرائيليين.
على أن مسيرة النظام العربى بعد «الزيارة» كانت قد اتخذت منحى جديدا شعاره «التسوية» بعدما خرجت مصر من ميدان المواجهة المسلحة، فاعتمدت منظمة التحرير بقيادة الراحل ياسر عرفات مسار التسوية السلمية، مع وعيها أن العدو الإسرائيلى الذى ارتاح بعد خروج مصر من الميدان، وتسليم سوريا بالمفاوضات طريقا لاستعادة أرضها المحتلة، لن يتنازل لها عن شبر واحد من تلك الأرض.
وجاء «اتفاق اوسلو» مفاجأة لأهل النظام العربى، الذين كانوا يفاوضون ــ مجتمعين ــ فى مدريد مع العدو الإسرائيلى، على تسويات مرحلية..
بموجب هذا الاتفاق ونتيجة له عقد «مؤتمر للسلام» فى البيت الأبيض بواشنطن رعاه الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون، تلاقى خلاله رئيس حكومة العدو الإسرائيلى إسحاق رابين مع الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات فى حدائق الورد فى البيت الأبيض ليوقعا اتفاق السلام على مراحل... على أن التطرف الإسرائيلى سرعان ما اغتال «بطله القومى» رابين، وسرعان ما تنصلت إسرائيل من موجبات هذا الاتفاق، فى حين لم يكن أمام القيادة الفلسطينية غير أن تقبل بعرض «الدخول إلى الأرض المحتلة» لتواصل «النضال السياسي» معتمدة على «الدعم الدولي» وصمود شعبها بعد سنوات الاحتلال الطويلة.
ولقد مات القائد الفلسطينى ياسر عرفات كمدا، بعد حصار قاسٍ له فى مقر قيادته فى رام الله.. ولم تنفع محاولات علاجه فى فرنسا فى إنقاذه من موت محتم قيل فى تفسيره أن هذا القائد الاستثنائى قد مات مسموما. وقد أصر على العودة، ولو جثة، ليدفن فى الأرض المقدسة فلسطين.
***
مسيرة التنازلات عن القضية المقدسة طويلة جدا، وهى بالأساس عربية وإن كانت نتائجها المرة فلسطينية.. وهكذا صار يمكن للقيادة الفلسطينية أن تتذرع بالتخلى العربى، بل بالضغط العربى أحيانا، بالسياسة قبل المال، للتنازل والمزيد من التنازل، والقبول بالممكن حتى لا يضيع كل شىء.
وبالتالى فإن الرئيس الفلسطينى الذى دخل إلى مكتب الرئيس الأمريكى ترامب فى البيت الأبيض مبتهجا يستطيع الادعاء أن هذا هو أقصى ما أمكنه الحصول عليه فى ظل الظروف الحاضرة.. فالعرب قد اندثروا، أو يكادون. مصر مكبلة بالصلح، وسوريا غارقة فى الحرب فيها وعليها، والعراق مشرذم والحرب ضد «داعش» تكلفه فوق ما يطيق. أما السعودية ومعها دول الخليج فمشغولة بحربها على اليمن السعيد الذى بات شعبه طريدا أو مقتولا او جريحا، لا اقتصاد ولا دولة ولا أشقاء ينجدونها، أو ــ أقله ــ لا يحاربونها.
أما ما سوف يحصل عليه «أبو مازن» فهو ما ترضى إسرائيل أن تتنازل عنه، علما بأنها فى مركز قوة يعززه الضعف العربى والدعم الدولى المفتوح غربا وشرقا، واليأس الفلسطينى من احتمال تغيير المعادلة إلا بالقوة.. والقوة غير متاحة، برغم بسالة الفتيان والفتيات فى الهجمات على جنود العدو الإسرائيلى بما تيسر من وسائل المقاومة (سكين المطبخ، مثلا، أو السيارات.. إلخ).
ومقررات القمم العربية تفتح طريق التنازلات بلا كوابح... فالكل مشغول عن فلسطين بحروب أخرى ضد الذات، وهذه الحرب فى سوريا وعليها مثال، والحرب على اليمن مثال آخر، والحرب على العراق وفيه مثال ثالث، وليبيا قد اندثرت، ودول شمالى أفريقيا غارقة فى همومها، ومصر مقيدة بالمعاهدة فضلا عن قيود أخرى موضوعية.
فى انتظار زمن آخر..