2024-04-25 03:33 م

عاصفة الشرق، وغزو الجنوب السوري، أيهما بات ممكناً؟

2017-05-11
كتب سمير الفزاع
سأقدم هنا عدة نقاط فقط، تظهر "صعوبة" فرض منطقة عازلة أو آمنة في سورية، فضلاً عن غزو صريح لها، تقوده واشنطن وحلفائها. 1- لنتذكر الحشد الأمريكي قبيل معركة الكويت 1991: كان هناك 575 ألف جندي أمريكي، 50 ألف جندي بريطاني، وعشرات ألآف الجنود من فرنسا واستراليا وهولندا واسبانيا... ليقارب عدد الجنود المليون، يدعمهم أكثر من 2000 طائرة مقاتلة نفاثة ومروحية وقاذفة إستراتيجية، وعشرات السفن الحربية الصاروخية والحاملة للطائرات والمراقبة، إلى جانب ألآف الدبابات والمدرعات وقطع المدفعية والراجمات... وبالرغم من أن واشنطن كانت قادرة لوحدها على "تحرير" الكويت، إلا أنها أرادت بهذا التحالف إظهار قدرتها على "جرّ" العالم بأسره خلفها، و"سحب" جيوش حلفائها أينما توجهت جنازير دباباتها، وإعلان تفردها بإدارة هذا العالم وقيادته، وتحولها إلى الإمبراطورية "كليّة القدرة" والتي ينحصر بجنرالاتها مهمّة قيادة قادة جيوش العالم ومقدراتهم كما فعلت يوماً بإنزال "النورماندي" ولكن على مستوى العالم هذه المرة وليس حلفائها الغربيين فقط. هذا يدفعنا لطرح سؤال حاسم: أين هو حشد أمريكا وحلفائها، وقدراتهم البشريّة والجوية والبريّة والبحريّة القادرة على غزو سوريّة، أو فرض مناطق عازلة أو آمنة فيها؟. 2- في حروبها الكبرى والمفصليّة، لا تثق أمريكا إلا بأمريكا، خصوصاً وأن سوريّة ليست وحيدة في مواجهة واشنطن وحلفائها وأدواتها... بل يقف إلى جانب سوريّة وعلى أرضها، أعداء ألداء لواشنطن، ومستعدون لتسخير جلّ قدراتهم السياسية والعسكريّة والإقتصاديّة... لكسرها، وتمريغ أنفها في التراب، وطردها نهائيّاً من المشرق العربي، وتحجيم وجودها في جزيرة العرب وعموم العالم... وهذا يتطلب من واشنطن التحضير لحرب ضخمة في استعداداتها، واسعة في رقعتها، طويلة في زمانها، باهظة في تكليفها البشريّة والماديّة، تاريخيّة في نتائجها وتداعياتها، يكسب فيها المنتصر كل شيء ويفقد الخاسر فيها كل شيء... فهل لديها مثل هذه القدرة؟ وهل يمكنها المغامرة بكل ذلك بالرهان على بضعة ألآف من "المعارضة السورية"؟. 3- ستشكل هذه الحرب –إن وقعت- المناسبة الأولى لصدام عسكري مباشر بين سورية وحلفائها وأصدقائها مع واشنطن والكيان الصهيوني والآخرين... صِدام لا تستطيع فيه لا واشنطن ولا الكيان الصهيوني ليس فقط ضمان عدم تعرضهم للهزيمة؛ بل وبقاء الحضور الأمريكي في المنطقة برمتها، وإستمرار الكيان الصهيوني موجوداً وعلى قيد الحياة... ربما ستؤذى سوريّة ولبنان وحلفائهما إلى حدود لا تطاق، ولكن الثمن سيكون محو الكيان الصهيوني تماماً، ما سيدخل أمريكا والأنظمة التابعة لها وشبكة تحالفاتها في الإقليم والعالم بأسره، في أزمة لا يمكن الفِكاك منها إلا باندحار شامل وهزيمة نكراء تعيدها فعلاً إلى "حدودها" المعروفة. 4- بعد "التلكؤ" التركي في دعم خطط واشنطن، حيث تعاونت تركيا مع روسيا وإيران في فرض "المناطق المنخفضة التصعيد" على حلفائها في إدلب وريف حلب... جميعنا يدرك بأن أحد أهم الأسباب التي تحكم تصرف أمريكا وحلفائها في هذه المرحلة، هو منع الجيش العربي السوري من استكمال تطهير بادية الشام والتقدم لفك الحصار عن دير الزور وتحرير الرقة. هذا السبب كان العامل الحاسم خلف ثلاث هجمات على ريف حلب الغربي-الجنوبي، ومثلها على ريف حماه، واحتلال تدمر لمرتين... وهو ذاته من يقف خلف إستهداف سلاح الجو الصهيوني لطلائع الجيش العربي السوري قبل أكثر من عام وأخرى قبل شهرين تقريباً على مشارف السخنه، وصولاً للهجمة الأمريكية الصاروخية على مطار الشعيرات. ترك واشنطن وحلفائها، بأنه عندما يتقدم الجيش العربي السوري وحلفائه نحو دير الزور، مدعوماً بغطاء سياسي وناري روسي-إيراني، فإن هذا يفتح أفقاً جديداً كليّاً لمجمل الصراع على نحو يُرعب كلّ تحالف العدوان وقادته، لضخامة العناوين والتحولات التي سيفضي إليها، ومنها: تحقق اللقاء "المُحرّم" بين دمشق وبغداد منذ ألف عام تقريباً، إسقاط أهم مفاعيل سايكس-بيكو: فصل الداخل العربي عن السواحل العربيّة، إستعادة جبهة المقاومة لعمقها الإستراتيجي في العراق، تغليب التيار "الثوري" في إيران على حساب التيار الفارسي أو التغريبي، مدّ شبكة من أنابيب النفط والغاز عبر الأراضي الإيرانية والعراقية والسورية واللبنانية تزيد من قدراتها وتكاملها من جهة وتضرب المكانة التي يحتلها غاز ونفط محميات الخليج في خدمة المشاريع الصهيو-أمريكية من جهة ثانية. 5- في مراحل الصراع المتقدمة، يحاول كل طرف بناء "فضائه الإستراتيجي" الذي يبسط فيه نفوذه، ولا ينازعه عليه أحد... مستخدماً كل الوسائل الممكنة: سياسياً، إقتصاديّاً، ثقافيّاً، عسكريّاً... وأحد أهم هذه الوسائل، التهويل والتلويح باستخدام القوة، وهذا ما أعتقد بأن واشنطن تحاول القيام به: التهديد بإستخدام القوة لتحقيق أهدافها ومخططاتها. والتلويح باستخدام القوة دون القدرة على إستخدامها فعلاً، يضر بهيبة الدول، ويكشف عن نقاط ضعفها، ويزيد من وهنها، ويفقدها ثقتها بنفسها وثقة حلفائها بها، ويزيد من جرأة خصومها وأعدائها عليها... وهذا ما يحصل بالضبط مع واشنطن في سورية وكوريا الشمالية وحلفائهما. ولأنهم يعرفون حدود قدرتها وقوتها، سيبادرون للتقدم أكثر وأكثر، ما يعني وبشكل آلي تقريباً، تآكل "فضائها الإستراتيجي" وتراجع مكانتها... وهذا ما سنشهده قريباً إن بقيت مجريات الأحداث على هذا النسق، ولم تلجأ واشنطن وحلفائها إلى خيار الجنون المطبق بالذهاب للحرب. * كلمة أخيرة: وضعت سورية وحلفائها تحالف الحرب عليها أمام خيارين: إما الموافقة على فكرة "المناطق المنخفضة التصعيد" التي تتيح للجيش العربي السوري وحلفائه مواجهة داعش في الصحراء السورية، وفك الحصار عن دير الزور، وتحرير الرقة... أو التقدم بقوة نحو قلب ادلب التي أصبحت مجمّعاً لكل إرهابيي سورية، وضمن ظروف مواجهة إقليمية ودولية مفتوحة، تُسلّح فيها سورية حتى العظم وتندمج فيها روسيا وإيران أكثر وأكثر، وتُسخن فيها المواجهة مع العدو الصهيوني في جبهتي درعا والجولان، خصوصاً بعد ظهور "معلومات" عن عملية واسعة تستكمل تطهير "مثلث الموت" الرابط بين ريف دمشق والقنيطرة ودرعا... وبعدها، يتم التفرغ للإحتلال التركي والأمريكي وأدواتهما على الأراضي السورية بدعم من حلفاء سورية، وأبطال الحشد الشعبي في العراق المنتصرون في معركة تحرير الموصل من داعش، والعراق من محاولة أمريكا إحتلاله مجدداً... الصراع مستمر، ولا يمكنني القول بأن نهايته إقتربت، ولكني واثق تماماً بأن موازين القوى فيه تميل لصالحنا على نحو متصاعد، وهذا يعني بأن الزمن في صفنا... فأي شيء تبقى لهم سوى لحظة "جنون" يذهبون فيها إلى مغامرة الحرب والفوضى العارمة، والمقامرة بكل شيء؟!.