2024-04-25 03:23 م

وثيقة حماس والتحولات السياسية داخلها

2017-05-09
بقلم: عميرة ايسر
حركة المقاومة الإسلامية حماس والتي تعتبر واحدة من أكبر وأقوى فصائل العمل الوطني الفلسطيني المسلح والتي قارعت الاحتلال الصهيوني لفلسطين المحتلة،وذلك منذ نشأتها الأولى على يد الشيخ أحمد ياسين رحمه الله تعالى بتاريخ14ديسمبر1987جعلت نصب عينيها تحرير المقدسات وإعادة حقّ اللاجئين الفلسطينيين والعمل على خدمتهم في أصقاع الأرض ونشر الفكري الأيديولوجي المقاوم وإعادة القضية الفلسطينية لتكون على رأس أولويات أجندة الزعماء الفلسطينيين بمختلف فصائلهم وانتماءاتهم الحزبية وأعلنت رفضها لسياسة التنسيق الأمني بين سلطة أوسلو والكيان الصهيوني الغاصب واستطاعت بفضل قوافل الشهداء الذين قدمتهم على طول مسيرتها النضالية كالشهيد عبد العزيز الرنتسي والمهندس يحي عياش وأحمد الجعبري وسعيد صيام...الخ رحمه الله تعالى جميعاً على أرواحهم الطاهرة فأصبح لحركة حماس الملايين من الأنصار من أبناء الشعب الفلسطيني في مناطق الحكم الذاتي وحتىّ داخل الخط الأخضر فضلاً عن المساندين والمؤيدين والداعمين لها من شعوب وأحزاب ومنظمات وحركات مقاومة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي الكبير بل واحتلت مكانة مرموقة في قلوب كل الشرفاء والأحرار في العالم،وكانت الحرب العدوانية على حرب غزة في سنة2014والصمود الأسطوري لحركة حماس ومجاهدي كتائب عز الدين القسام نقطة التحول المفصلي التي عاظمت من قوة الحركة ونفوذها وأصبحت رقماً صعباً في الإستراتيجية الصهيونية والأمريكية،ولم تعد تقضُّ مضجع بن يامين نتنياهو وقادة الجيش الصهيوني والحركة الصهيونية في فلسطين المحتلة وخارجها فقط بل وحتىَّ مضاجع أنظمة عربية رأت في تجربة حماس النجاح وشعبيتها الكبيرة التي أصبحت تحتلها خطراً مستقبلياً محتملاً على استمرارها في الحكم وخاصة تلك الأنظمة العربية التي تربطها بالكيان الصهيوني علاقات سياسية وأمنية ومصالح جيواستراتيجية عميقة،تقوم أساساً على تصفية القضية الفلسطينية نهائياً وإلغاء حق العودة لأكثر من8مليون فلسطيني في الشَّتات،والسَّماح لصهاينة بالاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية والسكوت على مجازرهم التي يندى لها الجبين ضدَّ العزل هناك وكذلك المساعدة وإن ضمنياً في تهويد القدس وإنهاء وجود المسجد الأقصى ثاني الحرمين الشريفين وأولى القبلتين وكانت حركة حماس تعلن في كل أبجديات خطابها السِّياسي وخطها المقاوم بأنها ترفض الاعتراف بالكيان الإسرائيلي الصهيوني وتطالب بالتالي بكل فلسطين التاريخية.وهذا ما كان يشكل التحدي الأكبر لكل الأنظمة العربية العملية ومن يساندها في الداخل الفلسطيني من أحزاب وحركات سياسية ترى استمرارها مرهون بأموال هذه الأنظمة والغطاء السِّياسي والحماية الأمنية التي توفرها لكثير من قادتها وخاصة خارج فلسطين. -ومنذ وصول خالد مشعل إلى سدَّة الحركة بعد استشهاد الشيخ أحمد ياسين وهو الذي نجا من الاغتيال المؤكد من طرف عملاء الموساد الصهيوني في العاصمة الأردنية عمان سنة1997بعد عملية "سوق محنايودا"في القدس والتي أسفرت على مقتل أكثر من16صهيونياً وجرح أزيد من187منهم فأمر بن يامين نتنياهو رئيس جهاز الموساد في تلك الفترة داني ياتوم بتدبير عملية اغتيال خالد مشعل باعتبار أن أصابع الاتهام كانت تشير لحركة حماس مباشرة وتولت وحدة كيدون التابعة لخلية كيساريا المخصصة للاغتيالات.عملية التَّخطيط والتنفيذ لها ولولا تدخل الملك الراحل حسين ومطالبته القيادة الإسرائيلية بتقديم الترياق المضاد فوراً وإلا فإنَّه سيلغي اتفاقية وادي عربة التي وقعها مع الصهاينة26أكتوبر/تشرين الأول سنة1994وأجبر إسرائيل على تقديم الترياق المضاد لسمّ،وأصبح خالد مشعل بطلاً قومياً التفت حوله جماهير حماس وأصبح رمزاً من رموز المقاومة العربية وأيقونة لنًّضال والكفاح ضدَّ عدو الأمة الأول والأبدي وهو الكيان الصهيوني،ولكن في الفترة الحالية وعند قراره النهائي بعدم الترشح لرئاسة المكتب السياسي لحركة مجدداً وتعيين رئيس الحكومة السَّابق إسماعيل مهنية على رأس الحركة وإعلان وثيقة خارطة الطريق لحركة حماس والتي سميت وثيقة المبادئ والسِّياسات العامة لحركة،والتي شبَّهها الكثيرون ومنهم الأستاذ عبد الباري عطوان بالمسار السِّياسي الذي فرضه الغرب على منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح.إذ بدأت سياسة التنازلات تدريجياً حتىَّ وصلنا إلى التنازل عن الكثير من الثوابت الوطنية ومنها حق اللاجئين واعتبار المقاومة عملاً غير مشروع من طرف السُّلطة وأنصارها وتصنيف حركات المقاومة ووضعها على لوائح الإرهاب الدولي وذلك بإيعاز من العدو الصهيوني الذي لا يريد وجود أي حركة مقاومة مسلحة لتدافع عن الحق الفلسطيني في الوجود واستعادة الأرض والمقدسات.فحركة حماس وبضغط إخواني تركي قطري باعتبار أن هذه الأطراف أصبحت الراعي الرسمي لعديد من قادة حماس وكوادرها قامت بإعلان هذه الوثيقة السِّياسية والتي من أهم بنودها الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا وحيداً وشرعياً وقانونياً لشعب الفلسطيني،والاعتراف بدولة فلسطينية على حدود سنة1967 وربَّما الدخول في منظمة التحرير الفلسطينية والانضمام إلى الجوقة الموسيقية التفاوضية والتي أثبتت فشلها في استعادة ولو جزء بسيط من الحقوق المسلوبة،وهي بالتالي تحاول الاقتراب من التوافق الوطني والفصائلي والتنصل من تهمة الإرهاب الذي أصبح لصيقاً بحركة الإخوان المسلمين العالمية والالتفاف على القرارات الدولية بهذا الخصوص. -حركة حماس التي ربما تريد الحصول على مكاسب سياسية ومالية واقتصادية في مقابل هذه التنازلات كبناء مطار في غزة وتوسعة ميناء حماس وضخ المليارات من الاستثمارات العربية والأجنبية لتطوير القطاع وبناه التحية المنهارة تقريباً بشكل شبه كلي من المجتمع الدولي رغم نتنياهو أعتبرها مجرد لا حدث وقام بتمزيقها ورميها في سلة المهملات وهذا ما جعل الدكتور سامي أبو زهري أحد النَّاطقين الرسميين باسمها يعتبر ردة فعله دليلاً على قوة الوثيقة وتأثيرها على تل أبيب،فالحركة سياسياً ربما ستصطدم بجدار الذراع العسكري لحركة و بالتالي مع السيّد محمد ضيف القائد العام لكتائب عز الدين القسام فهذا الرجل الذي يعتبره الصهاينة أخطر رجل في فلسطين حالياً.يعرف عنه أنه ينتمي إلى الرعيل الأول لحركة ويحسب دوماً على الحرس القديم وبيده القرارات الإستراتيجية والهامة لحركة،فالتحالف الاستراتيجي الذي يوجد بين الشقِّ العسكري لحماس وإيران والتي لا تؤمن بالعملية التفاوضية أو الاعتراف بإسرائيل كدولة أصلاً،قد يحدث شرخاً سيتَّسع بين المكتب السِّياسي والقيادة العسكرية لحركة وربما قد يدفع محمد ضيف ب"يحيي السنوار"المحسوب عليه وهو المسئول الأول عن الحركة في قطاع غزة،إلى رئاسة الحركة والانقلاب على إسماعيل هنية وبطريقة ديمقراطية وبالتالي سحب البساط من تحت تركيا وقطر التي أعلنت هذه الوثيقة من عاصمتها الدوحة،وهذا ما أثار العديد من التساؤلات عن الأسباب الحقيقية لذلك؟ولماذا لم يتمَّ الإعلان عنها من قطاع غزة معقل الحركة الرئيسي؟أين يوجد خيرة كوادرها وأنصارها والمتعاطفين معها.فالتحولات السِّياسية في داخل حركة حماس والتجاذبات الإقليمية بين تركيا وإيران وقطر وحتىَّ مصر،والخلافات التي بدأت تطفو على السَّطح بينَ قادتها والضغوط الشعبية في قطاع غزة والمظاهرات التي خرجت رفضاً لهذه الوثيقة ومضامينهاَ قد تؤدي لحدوث حركات تصحيحية قد تضعف الحركة،وهذا ما قد تستغله عدَّة أطراف فلسطينية وعربية وصهيونية لإضعاف الحركة وتأليب الرأي العام المحلي والعربي ضدَّها لتفقد بذلك الدَّعم والتأييد الذي تحظى به باعتبارها أكبر حركة إسلامية مقاومة في فلسطين،وهذا ما ستكون لها تداعيات سلبية جداً في أي مواجهة عسكرية وإعلامية وسياسية بينَ حركة حماس والكيان الصهيوني المُحتل. 
*كاتب جزائري