2024-04-20 03:23 م

حماس ومعادلة الحكم والمقاومة في غزة

2017-04-29
بقلم: عميرة ايسر
تعيش حركة حماس منذ انتخاب يحي السِّنوار وهو المقرب من محمد ضيف القائد العام لكتائب شهداء عز الدين القسام،رئيساً لحركة قي قطاع غزة جملة من التحولات السِّياسية والمنهجية ومجموعة من التحديات والمشاكل التي وجدت نفسها مجبرة على التأقلم معها ومحاولة إيجاد حلول موضوعية وواقعية لها،فالحركة التي أصبحت تحكم قطاع غزة وفق سياسة الأمر الواقع وبعد أن طردت منه عناصر السُّلطة الوطنية الفلسطينية وقيادات جهاز المخابرات في عهد محمد دحلان بتاريخ15يونيو2007بعد صراع مسلح دامي بعد الطرفين،وبعد أن استلمت حماس السلطة في قطاع غزة وفوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جرت سنة2006،فالسُّلطة السِّياسية والاقتصادية والأمنية التي أصبحت في عهدة حركة حماس حاولت الرباعية الدَّولية والعدو الصهيوني أن تقصيها عنها وأن تعيد عناصر سلطة رام الله للحكم مجدداً رغم أنَّهم عاثوا فيها فساد منذ اتفاقيات أوسلو سنة1994فقامت هذه الأطراف مجتمعة بفرض حصار جائر ظالم على سكان القطاع ومنعت عنهم المواد الغذائية الاستهلاكية ومواد البناء والأدوية الطبيبة مما اضطر أهالي القطاع وفصائله المقاومة بمختلف توجهاتها الفكرية والإيديولوجية واختلافاتها البنيوية والفصائلية إلى الاتفاق على الاعتماد على سلاح الأنفاق كمصدر رئيسي لإدخال مختلف السِّلع الضرورية اللازمة لحياة اليومية.لفكِّ جزءٍ من الحصار الجائر على هذا القطاع المحاصر الذي يعاني بشدَّة على كافة الأصعدة والمستويات،ومما زاد الطين بلة وصعَّب الوضع عليها أكثر هو التآمر العربي الخليجي بالأخص والذي يحاول بكافة الأشكال والوسائل إدخالها لبيت الطاعة وإجبارها على الاعتراف باتفاقيات أوسلو ودولة فلسطينية على حدود1967وباجراء مفاوضات مع كيان العدو كما فعلت منظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح وهي الخطوة التي ألغت أكثر من60بالمائة من فلسطين التاريخية نتيجة سياسة تهويد القدس والمناطق العربية المحتلة داخل الخط الأخضر وبناء المستوطنات ووحداتها التي أصبحت تنتشر حتىَّ في مناطق الضفة الغربية التي هي قانوناً أراضي فلسطينية خاضعة لسلطة رام الله حصرياً،فحركة حماس الذي أخطأت خطأً استراتيجياً عندما اصطفت في المحور المعادي لخط المقاومة العربية الفلسطينية بعد أحداث الربيع العبري سنة2011ودعمت ثورة الشعب السوري المزعومة التي بينت الأحداث والوقائع الميدانية وتصريحات كبار المفكرين وصناع القرار في تل أبيب وعواصم غربية مهمة بأنها صناعة مخابراتية صهيونية ماسونية أمريكية بامتياز،فالارتباط العضوي والديني والمنهجي الفكري بين حركة حماس وحركة الإخوان العالمية دفعها وتحت ضغوط دولية من التيار الإخواني لتبنى خيارات اردوغان وقطر والرئيس المخلوع محمد مرسي وقتها فأسّست فرقاً وجماعات لتقاتل النظام السوري الذي دعمها وفتح لها مكاتب فوق الأراضي السُّورية ودرب كوادرها وزودها بالمال والسِّلاح حيث كانت تستعمل معسكرات الجبهة الشعبية القيادة العامة تحت قيادة المناضل والسَّياسي المخضرم أحمد جبريل الذي أسَّس التنظيم سياسياً سنة1958وانطلق للعمل عسكرياً في سنة1965. -حركة حماس عندما انتقلت من دمشق إلى قطر التي انخرطت طوال سنوات في المشاريع الغربية الصهيونية لتدمير دول وأنظمة كانت تدعم المقاومة الفلسطينية طوال تاريخها كنظام الرئيس صدام حسين رحمه الله،فالصواريخ والطائرات الأمريكية لضرب العراق الأشم انطلقت من قاعدة العديد القطرية سنة2003بالاضافة لقواعدها في تل أبيب والسعودية وعمان،وبدل أن تحاول حركة حماس تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتحاربة في سوريا اتخذت مواقف معادية لدولة السورية وحلفائها كحزب الله وإيران أكبر داعمي حماس وخاصة في حرب إسرائيل ضدَّ القطاع سنة2014،فالإستراتيجية التي اتبعتها الحركة في تعاملها مع شركاء الوطن وتعميق الخلاف بينها وبين حركة فتح هو ما أعطى الذريعة لإسرائيل وأطراف عربية وإقليمية لإملاء شروطها والضغط على القادة السِّياسيين في مختلف الفصائل لتقديم تنازلات أكثر وهو ما أدى لتمييع القضية الفلسطينية ومحاولة تمرير مشاريع جهنمية لتصفيتها كاقتراح فدرالية مع الأردن أو اقتراح سيناء المصرية كوطن بديل،فنتنياهو الذي يطالب بدولة يهودية صهيونية وإعلان القدس عاصمة أبدية لإسرائيل،يحاول بشتىَّ الوسائل خنق حركة حماس والتملص من التزامات إسرائيل الدَّولية اتجاه القطاع وخاصة أزمة الكهرباء التي يعاني منها القطاع بشدَّة منذ سنتين ونصف تقريباَ وهو ما أخرج التظاهرات ضدَّ حركة حماس حاولت وسائل الإعلام العربي المتصهين تصويرها على أنها ثورة شعبية تنذر بانفجار وشيك في وجه حركة حماس وسياساتها الاجتماعية والاقتصادية وحدوث تغير إيجابي بالتالي في ذهنية المواطن الغزاوي الذي صورته وسائل الإعلام الصهيونية على أنه أصبح رافضاً لنهج الحركة المقاوم ويرغب في إسقاط نظامها السِّياسي الحاكم في غزة،وإطلاق عقب هذه التظاهرات ما سميَّ بحركة اللجان الالكترونية لإسقاط حكم حماس في قطاع غزة والتي تُتهم أطراف فلسطينية محسوبة على مقربين من الرئيس المنتهية ولايته دستورياً محمود عباس باستخدامها وذلك لتوتير الأوضاع السِّياسية في القطاع خدمة لأجندات فلسطينية وإقليمية.لنيل من سمعة الحركة وتاريخها المقاوم والتي أصبحت رقماً صعباً على الصعيدين الوطني الفلسطيني والعربي،فإسرائيل التي عجزت عن تدمير أسلحة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وازدياد التوقعات الصهيونية بأنَّ الحركة تخطِّط لشنِّ هجمات انطلاقاً من الأنفاق التي تمتدُّ على طول الحدود بينَ القطاع والمستوطنات الصهيونية المتواجدة على تخومه،وهذا ما ذكره موقع ويللا الصهيوني،إذ صرَّح الخبير العسكري الإسرائيلي آمير بوخبوط بأنَّ التقديرات العسكرية الإسرائيلية تشير إلى أنَّ الحركة تخطط لتنفيذ هجمات ضدَّ المستوطنين الصهاينة من خلال التسلُّل عبر الأنفاق الممتدة داخل المستوطنات،فالأزمة الصهيونية والخوف الذي تجلى في شكل إجراءات أمنية وعملاتية وعسكرية كبناء جدار إسمنتي مقاوم لرصاص يمتدُّ لعشرات الأمتار في جوف الأرض وزيادة أجهزة الرَّصد والتجسس الالكترونية المزودة بتكنولوجيا عالية لمتابعة كل كبيرة وصغيرة تحدث في القطاع في محاولة لإحباط العمليات الفدائية التي يمكن أن يقوم بها عناصر كتائب عز الدين القسَّام أو غيرهم،وهذا ما يزيد من صعوبة الأوضاع في غزة لأنَّ إسرائيل قد تشنُّ هجومات خاطفة لتدمير البنية التحتية اعتماداً على المعلومات التي ستزودها بهذا هذه الأجهزة أو عملائها المنتشرين في غزة،بالإضافة لأزمة الرواتب التي تعصف بحكومتها المحلية في غزة حالياً بعد أن هدَّدت سلطة رام الله في أكثر من مناسبة بأنها ستسحب يدها من أي التزام مالي أو اقتصادي لتمويل حوالي80بالمائة من رواتب موظفي القطاع الذي هو بحكم الأمر الواقع تحت سلطة حركة حماس،لأنَّ الحركة حسب السُّلطة الفلسطينية تقف حجرة عثرة أمام أيِّ تسوية سياسية مستقبلية وترفض الاعتراف بقرارات منظمة التحرير الفلسطينية والعملية التفاوضية برمتها،وكذلك أزمة البطالة الخانقة في قطاع غزة والتي تعتبر الأعلى في العالم بنسبة تجاوزت سقف41.7بالمائة العام الماضي حسب دراسة لجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني،وهو ما قد يدفع إسرائيل لتحويل جزء من أموال الضرائب التي تحصلها من عائدات الحواجز إلى القطاع لتفادي انفجار سكاني واقتصادي قد تدفع ثمنه في المقام الأول،وهو ما لا تريده حكومة نتنياهو حالياً وهذا ما أكد عليه رئيس لواء الأبحاث في جهاز الاستخبارات بجيش الكيان الصهيوني دارور شالوم لأنَّ الأزمة الحالية في القطاع قد تؤدي لاندلاع حرباً جديدة مقبلة لا يريدها الطرفان في الوقت الراهن،رغم أنها قد تكون أحد مخارج حركة حماس المحفوفة بالمخاطر لتجاوز أزمتها المالية والإستراتيجية في القطاع،وحتىَّ العقيدة الإستراتيجية المستقبلة لحركة والبنود العريضة لبرنامجها السِّياسي والوطني المقبل والذي سيميط اللثام عنه رئيس مكتبها السِّياسي السيِّد خالد مشعل الذي تولى رئاسته منذ سنة1996ويقود الحركة منذ اغتيال القائد الفذًّ والرمز الشيخ أحمد ياسين رحمه الله،كما هو منتظر،لن تساعد كثيراً حركة حماس لكي تتجاوز مأزقها الحالي في قطاع عزة،فالانسداد السِّياسي والاقتصادي سيستمر في غزة ما دام أنَّ عوامل الأزمة الداخلية لا تزال قائمة وبقوة حتىَّ لو أصبح إسماعيل هنية رئيس الحكومة الأسبق في غزة رئيساً لمكتب السِّياسي لحركة خلفاً لخالد مشعل الذي يريد مغادرة سدَّة الحكم في الحركة ومنذ زمن وهذا ما نقلته جريدة تايمز أوف إسرائيل الالكترونية بتاريخ25سبتمبر2016عن مصادر مقربة جداً من البيت الداخلي لحماس، فقيادات حركة حماس بشقها السِّياسي والعسكري مدعوة أكثر من أي وقت مضى للاتفاق على صيغة موحدة وبرنامج عمل موحد وعلى كافة الأصعدة والمستويات لإيجاد صيغة لتقاسم النفوذ والحكم مع كافة الفصائل الفلسطينية هناك والتَّنسيق مع السُّلطة في رام الله لضمان الحدِّ الأدنى من الخدمات الإنسانية والرعاية الطبية والصحية لسكان القطاع الذين وجدوا أنفسهم في وسط شقيِّ الرحى،فالخلاف الفتحاوي الحماسي هم من يدفعون ثمنه ويعانون من تبعاته ونتائجه فينعكس ذلك سلباً على نوعية الخدمات التي تقدم لهم في النهاية،وعلى حركة حماس أن تسمو فوق الخلافات الحزبية والأجندات السِّياسية وتثبت لكل أطياف الشعب الفلسطيني أنها جزء منه،وبأنها لا تسعى إلى إقصاء أيِّ فصيلٍ أو تيار داخل المجتمع الفلسطيني،كما يحاول بعض خصومها الترويج له في الإعلام وفي الدوائر المغلقة،خصوصاً وأنَّ هناك تيارات تكفيرية إرهابية متشدِّدة بدأت في تجنيد شباب القطاع لقيام بعمليات ضدَّ كوادرها وكوادر المقاومة الفلسطينية هناك بشكل عام،وهي في الأغلب مرتبطة بجهاز الموساد الصهيوني وبأجهزة مخابرات عربية وإقليمية غير راضية عن أداء حركة حماس أو نهجها المقاوم المتصدي لمشاريعهم التدميرية التخريبية والتي تحاول محو شيء اسمه دولة فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر من خارطة العالم وإلى الأبد. 
*كاتب جزائري