2024-03-19 04:43 ص

المركبات الصناعية العسكرية ودورها في إشعال الحروب في البلدان العربية

2017-04-26
بقلم: عميرة ايسر
تعتبر تجارة الأسلحة وتصديرها من أهم الصناعات الثقيلة التي تدر أرباحاً طائلة تقدر بمليارات الدولارات سنويا ليس للمتحكمين بها من النخب المالية والعسكرية فقط بل وحتى لدُّول صناعية كبرى تعتبر رائدة في هذا المجال كالولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا حيث باعت الولايات المتحدة الأمريكية حوالي56مليار دولار من الأسلحة خلال سنة2014وهي تشكل نسبة33بالمئة من إجمالي الفاتورة العالمية لبيع السلاح في العالم،ثمَّ تليها روسيا بنسبة بلغت25بالمئة وحسب دراسة أعدها معهد CIPRI في ستوكهولم فإنَّ حجم الدُّول المصدرة للأسلحة من سنة2011-2015،كانت كالتالي33بالمئة لأمريكا،وروسيا ب25بالمئة ثم الصين بنسبة بلغت 5.9بالمئة وبعدها تأتي فرنسا بحصة تقدر بحوالي5.6بالمئة ثم ألمانيا ب4.7بالمئة وبريطانيا بنسبة4.5بالمئة ثم اسبانيا3.5بالمئة وايطاليا2.8بالمئة هذه النسبة المئوية تمثل حجم حصتها من الأسواق العالمية لتجارة السِّلاح والتي نلاحظ فيها تقسيم واضح للحصص والأسواق عبر قارات العالم بينَ أمريكا والدُّول الغربية الأوروبية المتحالفة معها في منظومة حلف الناتو العسكرية بينما نلاحظ أنَّ هذه الدول مجتمعة في تنافس شديد مع صناعة الأسلحة الروسية والصينية التي تحتل مكانة مرموقة حالياً في هذا المجال،وإذا كانت هذه الدول تنتج كميات ضخمة وهائلة من الأسلحة الموجهة لتصدير لأنَّ هناك سوقاً كبيرة لهذه التجارة وطلباً سنوياً متزايداً على أحدث أنواع الأسلحة المدمِّرة والفتاكة والتي تحتوي على تكنولوجيا عالية الدِّقة ومن بين أهم الدُّول المستوردة للسِّلاح في العالم نجد الهند في المرتبة الأولى بنسبة14بالمئة ثم تليها مجموعة من الدُّول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية في المرتبة الثانية بنسبة7بالمئة أي بزيادة بلغت حوالي 275بالمئة ثم الصين بنسبة بلغت4.7بالمئة والإمارات العربية المتحدة فزايدت بنسبة تجاوزت35بالمئة عن المعتاد،ودولة قطر بزيادة تراوحت في حدود279بالمئة عن الأعوام السَّابقة،ومصر بنسبة فاقت37بالمئة عن المتوقع،أمَّا في المغرب العربي فإنَّ الجزائر والمغرب كانتا من الدُّول الأكثر شراءً للأسلحة المتطورة إذا بلغت النسبة 50بالمئة من حجم شراء القارة الإفريقية للأسلحة في العالم،وهذا رقم ضخم جداً بالنظر إلى التوترات الدَّائمة بينهما وخطر الإرهاب وامتداداته في دول كليبيا وتونس ودول السَّاحل الأفريقي الذي تنتشر فيه جماعات إرهابية كالقاعدة في بلاد المغرب العربي وفرع داعش في إفريقيا وأنصار الشباب المجاهدين في الصومال،وغيرها من الجماعات المسلحة الإرهابية،فالدول العربية ومنذ ثورات الربيع العربي التي اندلعت شرارتها الأولى في العاصمة تونس قبل5سنوات عمدت إلى توقيع اتِّفاقيات تسليح كبيرة مع دول كأمريكا وروسيا وفرنسا وزادت من وتيرة شراءها للأسلحة بعد ما جري في ليبيا وسوريا والعراق من أحداث وظهور خطر تنظيم داعش الإرهابي والخطر الذي بات يشكله على كل دول الشرق الأوسط والخليج العربي بصفة خاصة وشنّ الحرب السعودية على اليمن التي صرفت فيها مليارات الدولارات ومثلما قال السيِّد حسن نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني كان لهذه الأموال التي صرفت في حروب عبثية ضدَّ اليمن وسوريا والعراق أن تحرر فلسطين10مرات على الأقل. -وتعتبر الأنظمة العربية الدِّكتاتورية كالنظام السعودي والقطري في طليعة الأنظمة العربية الخانعة التي عملت على شراء المواقف الغربية واستمالتها لدعم حربها ضدَّ اليمن ومواقفها السِّياسية في سوريا وليبيا والعراق وفي الملف النووي الإيراني.فهناك إحصائية صادرة عن جهات رسمية سعودية تقول بأنَّه من بين11اتفاقية عسكرية أبرمتها الرياض هناك اتفاقية واحدة مع أوكرانيا و9مع أمريكا وعقد واحد مع باريس،وهناك كذلك اتفاقية بينَ باريس والرِّياض تشمل الملاحة البحرية والأقمار الصِّناعية والتسليح بما في ذلك تقديم 30طراداً بحرياً فرنسياً بالإضافة إلى صفقة الجيش اللبناني بقيمة3مليار دولار،والتي تمَّ تجميدها لأسباب سياسية تتعلق بمواقف الحكومة اللبنانية من قضايا المنطقة،فشركات المتعددة الجنسيات المصنِّعة للأسلحة هي من يتحكم بتسليح أساطيل دول الخليج كالسعودية وقطر والإمارات.إذ أنَّ شركة لوكاهيتد مارتن الأمريكية التي تحوز على حصرية تسليح البحرية السعودية وتسيطر على البحر الأحمر من الناحية الشرقية فيما تحوز شركة DSNCالفرنسية على عقود تسليح ضخمة لدول تقع في الناحية الغربية منه بالإضافة إلى البحر الأبيض المتوسط،وبالنًّظر لعقود التًّسليح الفرنسية إلى العرب والتي وصلت إلى أرقام فلكية غير مسبوقة،فإنَّها ثمن يقدمه هؤلاء الحكام لاستمرار الدَّعم الغربي الفرنسي لهم رغم أنهم يمثلون رأس السُّلطة في أنظمة قمعية تسلطية تقتل شعوبها وتصادر حقوقهم الرئيسية،ففي30نيسان أعلنت الرئاسة الفرنسية عن بيع24مقاتلة رافال إلى قطر وتبدأ تسليم أول دفعة في سنة2018،وقيمة العقد بلغت6.3مليار يورو،بالإضافة إلى تكاليف تدريب36طياراً قطرياً ونحو100تقني،يضاف إليها صفقات تجهيز بكل الأسلحة الممكنة والمسموحة ولا سيما صواريخ جو جو من نوع Météoreفي فبراير 2015،أعلنت مصر عن رغبتها في شراء24مقاتلة رافال وفرقاطة فرنسية متعددة المهام من نوع Fremmبنحو5.2مليار دولار،وقد كشفت صحيفة لا تريبون الفرنسية في باريس العام الماضي أنَّ السعودية تنوي توقيع عقود وصفقات سلاح هي الأكبر مع فرنسا تتجاوز قيمتها عتبة10مليار دولار،ولا ننسى بأن قيمة طائرة رافال تبلغ100مليون دولار وهي تعادل قيمة طائرةF35الأمريكية فيما يبلغ سعر طائرة الميراج الفرنسية حوالي17مليون دولار،والدِّبلوماسية الفرنسية قد أصيبت بخدمة أمل كبيرة بعد زيارة وزير الدفاع السُّعودي إلى باريس محمد بن سلمان وتعهده بضخ مبلغ5مليارات دولار في الاقتصاد الفرنسي حسب ما أكده الباحث الفرنسي والصحفي المختص في شؤون الشرق الأوسط"جورج مال برينو"وبعد الاتفاقيات العسكرية مع قطر والسعودية تحاول فرنسا بيع طائراتها المقاتلة من نوع رافال كذلك إلى دولة الإمارات العربية المتحدة التي توجد بها قاعدة عسكرية جوية فرنسية.فالدول العربية قد أصبحت سوقاً مهماً لتجارة السِّلاح الدولية إذ أنفقت دول الخليج لوحدها أزيد من200مليار دولار خلال5سنوات لشراء الأسلحة الغربية،مثلما يرى ذلك العميد المتقاعد ورئيس تحرير صحيفة الأمن والدِّفاع العربي ومستشار في مؤسسة الخليج والشرق الأدنى لتحليل العسكري ناجي ملاعب،فالدول الغربية التي تربطها اتفاقيات دولية لتجارة وتصدير الأسلحة صادرة عن الأمم المتحدة مثل الاتفاقية التي صادقت عليها الجمعية العمومية للأمم المتحدة وأقرها مجلس الأمن في ديسمبر2014والتي تحضر تصدير الأسلحة أو بيعها إلى الحكَّام المستبدين أوالى دول فيها ظروف نزاعات مسلَّحة قد تستعمل فيها هذه الأسلحة لارتكاب جرائم إبادة جماعية ومن بين194دولة صادقت عليها لم تلتزم بها إلاَّ60دولة أو أكثر،فيما امتنعت5من بين10دول الكبرى الأكثر تصديراً للسِّلاح من المصادقة عليها،وتستمر هذه الدُّول في تزويد الأنظمة المستبدَّة والدكتاتورية التي لا تحترم حقوق الإنسان بما تحتاج إليه من الأسلحة الفتاكة لقمع شعوبها،ومخالفةً بذلك ليس قوانين ونظم الأمم المتحدة واتفاقياتها الإقليمية التي تحكمها كاتفاقيات الاتحاد الأوروبي وغيرها،بل حتىَّ اتفاقياتها المحلية الوطنية إذ يرى الدًّكتور أيمن سلامة الأستاذ في القانون الدولي بأنَّ الولايات المتحدة الأمريكية خرقت قانون الكونغرس الأمريكي الذي وقعت عليه سنة2012والذي يحظر على الإدارة الأمريكية تقديم أيَّ نوع من المعونات العسكرية لدول التي لا تحترم الديمقراطية وحقوق الإنسان وهذا ما خرقته في الحالة المصرية مثلاً.إذ أنَّه وفي فترة حكم المجلس العسكري في مصر ونظراً لحساسية العلاقات الأمريكية المصرية وعملاً باتفاقية 1980والتي تجعل من مصر الدَّولة الثانية بعد إسرائيل التي تتلقي أكبر حجم من المعونات العسكرية الأمريكية وذلك نظير التزامها بكل بنود اتفاقية كامب ديفيد،قدمت أمريكا معونات عسكرية إليها رغم كل الجرائم التي اتهم المجلس العسكري بارتكابها بحقِّ المتظاهرين العزل في ذلك الوقت. - وعلى أثر أكبر أزمة سياسية واقتصادية بين واشنطن والقاهرة توجهت وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها هيلاري كلينتون إلى القاهرة وألقت خطاباً شدَّدت فيه على أنَّ العلاقات الإستراتيجية بين البلدين تحتِّم على أمريكا أن تستمر في دعم الجيش المصري ضاربة بذلك قانون الكونغرس الأمريكي عرض الحائط،فالمصالح السِّياسية الغربية تتخطى القانون في كثير من الأحيان.فالعقلية الميكيافلية النفعية تجعل من المركبات الصناعية العسكرية التي تسيطر على مقاليد الحكم في أمريكا وكثير من الدول المصنعة للسِّلاح،لا تراعى حتىَّ المصلحة الوطنية والأمن القومي لدولها إذ أنها منعت قانوناً كان يريد الرئيس الأمريكي السَّابق باراك اوباما إقراره لمنع بيع السِّلاح الفردي في أمريكا.حيث أنَّ هناك أزيد من 310مليون قطعة سلاح بأيدي الأمريكان وفي كل عام هناك18ألف طفل ومراهق يقتلون بهذه الأسلحة،أمَّا عدد القتلى الإجمالي كل سنة بسببها فيصل إلى30ألف شخص منهم 7ألاف طفل يموتون جراءها كل عام،وفق جمعية againt gem violence Yourk كل نصف ساعة يجرح طفل بسبب السِّلاح في أمريكا،فالسِّلاح هو السبب الثاني للموت هناك،ووفق السيِّد دانيال غروس رئيس إحدى المنظمات المناهضة لحمل السِّلاح في أمريكا فإنَّ9أطفال يتعرضون لإطلاق النَّار كل يوم،وفي عام2015حصلت 300عملية إطلاق نار بأسلحة رشاشة في هذا البلد،ويذكر بأنَّ هناك تشريعاَ سُنَّ في القرن 18عشر بأسطر قليلة يسمح لأيِّ مواطن أمريكي بحمل السِّلاح دفاعاً عن نفسه،وقد حاول الرئيس الأمريكي باراك اوباما أن يسنًّ قانونا لمراقبة مسبقة لسًّوابق القضائية والنفسية لكل شخص يريد شراء السّلاح لكن لوبي المصالح العسكرية منع قانوناً في الكونغرس يقيِّد ذلك. - إذ أنَّ سوق السّلاح الأمريكية تدر حوالي7مليارات دولار تقريباً،وفي سنة2008أقرت الولايات المتحدة قانوناً يمنعهاً من بيع الأسلحة لأنظمة والدُّول التي تجند الأطفال في الحروب والنزاعات الأهلية ولكن كان الرئيس اوباما في كل مرة يضع استثناءات عليه،وتعتبر ظاهرة المتاجرة وتوظيف الأطفال كمقاتلين في الحروب من الظواهر الشائعة في الدول المتخلفة بل حتىَّ المتقدمة في بعض جيوشها،فالسيِّدة سابين صليبا منسقة الجمعية اللبنانية لحقوق الطفل ومستشارة في شؤون الأمم المتحدة والنزاعات المسلحة تؤكد بأنَّ الأطفال قد أضحوا ضمن دائرة الصِّراع وصناعة الحروب والعنف وتجارة السِّلاح،ففي سوريا سنة2015تمَّ تجنيد362طفل أكثرهم ينشطون ضمن تنظيم داعش الإرهابي وعدد قليل منهم ضمن اللجان الشعبية وفي اليمن في نفس السنة هناك أكثر من 762طفلا تمَّ تجنيدهم وهذا الرقم5مرات أكبر من سنة2014،ويتوزَّعون كالأتي72بالمئة يقاتلون مع الحوثيين و15بالمئة مع اللجان الشعبية الموالية للحكومة،أمَّا في الجيوش النظامية فأنَّ هناك أكثر من800ألف طفل في سنِّ16-18سنة فما فوق يعملون ضمن صفوفها،مثلما يؤكد ذلك الدكتور حسن أبو هبة الخبير في شؤون الإرهاب الدولي ورغم كل المناشدات الأممية الدَّولية والعقوبات المسلطة على من يجندهم كما حدث في رواندا سنة1994ولكن هذه الإجراءات القانونية والردعية غير كافية في ظلِّ عدم تنفيذ بنود اتفاقية حماية حقوق الطفل الأممية،وهي مهمة للغاية لأنَّ كل دول العالم قامت بالمصادقة على ما جاء فيها إلا أمريكا،لأنَّ التشابك المصلحي وتغليب المصالح الاقتصادية على القيم الإنسانية والحقوقية الدَّولية وسعى الغرب إلى بيع منتجاته العسكرية خدمة لأهداف إستراتيجية تصب في زيادة هيمنتها على دول العالم الثالث والتي تعتبر دولنا العربية أحد أهمَّ بؤر النزاعات الدولية فيها منع تطبيقها أو التزامهم بها،في ظلِّ تزايد التهديدات الأمنية لبقاء الدولة الوطنية العربية في عالم شديد التعقيد والتغيير.
*كاتب جزائري