2024-04-19 04:11 م

السعودية والفشل في إدارة الصراعات في ملفات المنطقة

2017-04-20
كتب عمير ايسر
تعيش السعودية في فترة حكم الملك سلمان بن عبد العزيز حالةً من التراجع الاستراتيجي والتَّعثر السِّياسي والاقتصادي والدبلوماسي في إدارة ملفات الصراع مع أعدائها السِّياسيين والإقليميين والذين يتمحور معظمهم في إيران وسوريا وحزب الله والعراق والحوثيين والتًّيار الإخواني وكل من يعادي التوجهات الإيديولوجية والفكرية والسِّياسية لنظام الحكم العائلي القبلي الطائفي في الرياض،ورغم كل ما تقوم به السعودية لتحسين صورتها بالتعاقد مع شركات بروباغندا إعلامية وعلاقات عامة في الولايات المتحدة الأمريكية ومحاولة رشوة مسئولين وموظفين جمهوريين سابقين ونواباً في مجلس النواب والشيوخ لنفي التهم عنها كدولة راعية للإرهاب خصوصاً بعد صدور قانون جاستا الذي يعطي الحقَّ لعائلات ضحايا11سبتمبر2001بمحاسبة الدَّول والمنظمات المسئولة عن تلك الأحداث الإرهابية وتحصيل مليارات الدولارات كتعويضات مالية مجزية منها،وحتىَّ الرئيس السَّابق باراك أوباما في حديثة لمجلة أتلانطس وغيرها اتهم السُّعودية بذلك صراحة وحتى الرئيس الحالي دونالد ترامب والذي لم يعد يرى في دولة الخليج والسعودية على رأسها سوى براميل نفط ومليارات من الدولارات على أمريكا أنْ تسخِّرها لخدمة أهدافها الإستراتيجية في الشرق الأوسط وتستعملها في إنقاذ الاقتصاد الأمريكي المتهالك،وحتى ثمن الصواريخ التي تمّ قصف مطار الشعيرات السوري وعددها حوالي59صاروخاً دفع ثمنها السعوديون بالدرجة الأولى بأكثر من97مليون دولار أمريكي،فالسعودية تعيش أسوء مراحلها التاريخية وفقدان حلفائها الممنهج.فمن مصر السيسي والتي قدمت السعودية أكثرمن40مليار دولار لرئيس عبد الفتاح السيسي منذ انقلابه على الرئيس محمد مرسي بتاريخ3يوليو2013،وذلك في مقابل تقديم مصر لدًّعم العسكري واللوجستي في حربها العدوانية على اليمن والتي تدخل عامها الثاني وكذلك مقابل بيع جزيرتي تيران وصنا فير وهي الصفقة التي أحبطها القضاء الإداري المصري بعد مظاهرات حاشدة وإحساس الرئيس السيسي بأنًّ مركزه بات مهدداً لأنه سيتنازل عن جزءٍ لا يتجزأ من تاريخ وذاكرة الأمة ويهدد الأمن القومي لمصر نظراً لأهمية الجزيرتين الجغرافية والجيواستراتيجية في الصراع مع الكيان الصهيوني،وامتناع السعودية عن تزويد مصر بحصتها الشهرية من البترول كما كان متفقاً قبلا حتىًّ تدخل الرئيس ترامب شخصياً ليقنع الملك سلمان بتزويد مصر بحصصها النفطية شهرياً كما اتفق الطرفان على ذلك العام الماضي،وحسب موقع ياهو نيوز الأمريكي فإنًّ الأزمة بين البلدين الشقيقين أعمق بكثير مما يبدو في الظاهر،وتصريحات العميد الركن أحمد العسيري المُّستشار العسكري والتي تراجع عنها وهو المتحدث الرسمي باسم عاصفة الحزم التي تستهدف اليمن والتي قال:فيها بأنًّ مصر سترسل قوات برية قوامها40ألف جندي إلى اليمن وهو تصريح أغضبَ القاهرة وأثار موجة من الانتقادات الواسعة لدى الدبلوماسية المصرية وأجهزة الإعلام المختلفة واضطر لسحبه والتأكيد على أنَّ ذلك جرى في إطار اقتراح تمَّ إرساله لجامعة العربية لتشكيل قوة عربية مشتركة تتدخل عربياً لمحاولة حلِّ نزاعاتهما العالقة بعد نفي مسئول رسمي رفيع لهذا التصريح لأنّ المشاركة الرسمية المصرية محدودة وتقتصر على إرسال معدات عسكرية وسفن وطائرات ليمن ولا تواجد لديها قوات ميدانية هناك،كما أنَّ وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان بدأ يشعر بالقلق من الذوبان التَّدريجي لكتل الثلج مع طهران العدو الإقليمي اللدود لرياض. - وبالانتقال إلى الملفِّ السوري فإنَّ الفشل الذريع الذي أصاب الرياض هناك والهزائم المتتالية التي منى بها جيش الإسلام والذي تمّ اغتيال زعيمه زهران علواش الذي يعتبر رجل السعودية القوي في سوريا وكذلك إقصاء وفد الرياض من مباحثات الأستانة والطعنة النجلاء التي وجهها الرئيس ترامب لرياض بتراجعه عن مطلب إسقاط الأسد وهو ما يعني بأنّ كل ما أنفقته الرياض من أموال طائلة في سوريا لدعم إسقاط نظام الرئيس السوري قد ذهبت إدراج الرياض في ظلِّ أزمة مالية واقتصادية خانقة تعاني منها الخزينة السعودية بسبب السِّياسات المالية الغير مسئولة وحربها على اليمن وانخفاض أسعار البترول والمليارات التي صرفتها السعودية إقليميا لتًّدخل في النزاعات في العديد من دول الربيع العربي وهذا ما دفعها لأوًّل مرة في تاريخها منذ تأميمها لشركة شركة أرامكو النفطية العالمية والتي تبلغ قيمتها السوقية أكثر من781مليار دولار حسب أرقام2006 وأكثر من10ترليون دولار سنة2015حسب تقديرات مجلة أكسوبلوريشن،والتي قرر محمد بن سلمان وتنفيذاً لرؤيته لسنة2030وإنقاذاً لمملكة واقتصادها من الإفلاس المالي المؤكد لطرح أكثر من50بالمائة من أسهمها لبيع في العشر سنوات القادمة،وطرح5بالمائة من قيمتها السُّوقية لبيع هذه السنة،فهذه الشركة الضخمة والتي تمتلك عشرات الشركات الرديفة في المملكة وخارجها والتي يقع مقرها في الظهران تعتبر شركة إستراتيجية للأمن الاقتصادي السُّعودي وبيعها يعني حسب الخبراء رهن القرار السّياسي والاقتصادي السيادي للملكة وجعلها تابعة لمساهمين الأجانب في سياستها على المستويين المحليّ والإقليمي وحتىَّ الدولي. -أما في ما يخص موضوع العراق فقد قام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بزيارة تاريخية إلى بغداد في محاولة منه لإعادة العلاقات المقطوعة بين البلدين منذ أكثر من25سنة ولترطيب الأجواء بينهما بعد حادثة طرد السَّفير السعودي في العراق ثامر السبهان ذو الخلفية العسكرية والذي يعد أول سفير تمَّ اعتماده رسمياً من طرف بغداد مباشرة بعد إعادة فتح السفارة السعودية في عاصمة هارون الرشيد وبعد مطالبات عديدة باستبداله وهو الذي كانت يتدخل بشكل سافر في شؤون العراق ويطلق سهامه المسمومة باتجاه الحشد الشعبي والأحزاب السِّياسية الشيعية في خطاب سياسي طائفي واضح و اتهامه لبعض أطياف الحكومة العراقية بأنها مجرد أداة في يد السِّياسة الإقليمية الإيرانية لمُحاصرة المملكة،هذه الزيارة التي أعقبها بعد حوالي شهرين زيارة لوفد سعودي حكومي رفيع المستوى لبغداد جرى من خلالها تطبيع العلاقات في كافة المجالات ورفع نسب التعاون والاستثمار الاقتصادي مع العراق ورفع حجم التبادلات التجارية بين البلدين والتي لا تتعدى2مليار دولار سنوياً حالياً،وهو ما سينعكس حسب أقول الدكتور إبراهيم العثمين الخبير الاقتصادي ايجابياً على فرص التُّجارة وينعش بالتالي مجال قطاع المال والأعمال بينهما،مما سينعكس على معدلات التنمية في المناطق الجنوبية للمملكة والغربية الشمالية للعراق،ولكن الموقف السعودي السًّلبي من الحشد الشعبي الذي له ميزانية مستقلة من طرف وزارة الدفاع العراقية ويعمل بدعم قانوني برلماني وطني في شمال العراق لتحرير الموصل من قوات داعش الإرهابية التي تتهم السعودية بدعمها وكذلك فشل السعودية في تحييد الدور الإيراني في الساحة العراقية كما يصرح بذلك مسئولون رسميون سعوديون والتركيبة العرقية والطائفية لنظام الحكم في العراق واختلاف وجهات النظر الحادة في ملفات المنطقة وعلى رأسها الملف السوري وملف اليمن وعدم تأييد العراق لخطوة التي قامت بها الجامعة العربية بإيعاز سعودي خليجي بتصنيف حزب الله اللبناني كحركة إرهابية يجب التخلص منه والحلف الاستراتيجي القائم حالياً بين إيران والعراق ومنذ سنة2003كل هذه الملفات الشًّائكة والصعبة الحل والتي لم تفلح الرياض في فك رموز شفراتها تجعل من دبلوماسيتها الخارجية ضعيفة وغير فعالة في الموضوع العراقي بالمجمل. -أما بالنسبة لموضوع اليمني والذي بات حلًّه بما يخدم المصالح العليا لسُّعودية أمراً بالغ الأهمية خصوصاً بعد نجاح الحوثيين والمؤتمر الوطني الشعبي الحاكم في تطوير صواريخ بالستية قادرة على إصابة العمق السعودي وبعد أن أجبرت السعودية على إخلاء مناطق جغرافية واسعة من سكانها نتيجة الضربات الصاروخية التي استهدفت تجمعات عسكرية ومناطق مدنية وربما بالخطأ،ونجاح المقاتلين اليمنيين في التًّسلل إليها،والقيام بعمليات نوعية فيها راح ضحيتها العشرات من الجنود والضباط في قوات التحالف العربية والنزيف العسكري والمالي الحاد والضغط الغربي والدولي والانتقادات الواسعة لجرائمها في اليمن من طرف منظمات حقوقية غير حكومية ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والصورة السيئة والسلبية جداً التي أصبحت لسُّعودية في الإعلام الغربي وتنامي حدَّة المقاومة وازديادها ودخول تنظيمات إرهابية كانت في وقت قريب من أقرب حلفائها كالقاعدة في حلبة الصراع الدائر هناك واستهدافها لجيش السعودي والإماراتي كل هذه المعطيات دفعت السعودية لمحاولة الهروب من اليمن وبأقل الخسائر وإيجاد حلٍّ سياسي يحفظ ماء وجهها ويخرجها منه بشرف. -وفي لبنان فإنَّ انتخاب الرئيس ميشال عون الذي يعتبر من أشدَّ حلفاء حزب الله دفاعاً عن نهجه وخطه السّياسي والإيديولوجي وانخراطه في الحرب السورية على الإرهاب وتوغله في الأراضي السورية وتصريحه قبيل زيارته لقاهرة للإعلامية لميس الحديدي على قناةCBCالمصرية بأنّ لبنان ملتزم بنهج المقاومة ودعم كل حركات وتيارات المقاومة وأعتبر موضوع حزب الله شئناً داخلياً لبنانياً خالصاً وسلاحه خطُّ أحمر لا يجوز لأحد الحديث عنه خارج لبنان أو انتقاده،وهذا ما دفع بالخارجية السعودية إلى إبلاغ الرئاسة اللبنانية عن طريق صهر الجنرال عون الوزير جبران باسيل وزير الخارجية اللبنانية وزعيم التيار الوطني الحر،بإلغاء زيارته التي كانت مبرمجة قبل ذلك بأشهر إلى الرياض وهذا ما عمًّق الخلافات التي طفت على السطح أكثر على خلفية إلغاء السعودية لهبة لجيش اللبناني لشراء أسلحة ومعدات أمريكية متطورة بقيمة3مليار دولار،ورغم أنًّ حلفاء السعودية وعلى رأسهم رئيس الحكومة الحالية وزعيم تيار المستقبل سعد الحريري حاولوا ترطيب الأجواء وتلطيفها بين عون والملك سلمان ولكن يبدو بأنّ التقارب الإيراني اللبناني وموقف لبنان الإقليمي سيكون حجرة عثرة أمام تلك المساعي في ظلّ تعنُّت سعودي واضح وهي التي وافقت ضمنياً وباتفاق غير مكتوب بينها وبين طهران على تسهيل انتخاب الرئيس ميشال عون رئيساً للبنان وعدم وضع العراقيل في طريق ذلك وتحييد لبنان ولو مرحلياً عن الصِّراع الإيراني السعودي في المنطقة بعد شغور رئاسي دام الأكثر من عامين. -أما مربط الفرس وخِياطُ الجمل ولبًّ الموضوع ومخه هو العلاقات المتردية والمتوترة جداً بين الرياض وإيران والتي بدأت في أخد أبعاد خطيرة سياسياً وعسكرياً.فالصراع المحموم بين البلدين الدّينيين لزعامة المنطقة والاختلاف الفكري والإيديولوجي بينها وتضاري مصالحها الإقليمية الإستراتيجية والتحالف السعودي مع إسرائيل مع محور دول الاعتدال السني لمجابهة الخطر الإيراني واتهام طهران وفق أدلة ملموسة لسعودية بدعم الإرهاب لتدمير دول المنطقة خدمة لمشروع الصهيوأمريكي ودعم إيران اللامحدود لرئيس بشار الأسد وحزب الله والعديد من الميلشيات الطائفية كما تتهمها الرياض بذلك والتطور العلمي والاقتصادي والعسكري الذي تتمتع به إيران دفعت السعودية لاستعداء إيران الإسلامية والتي كانت في عهد نظام الشاه من أكبر حلفاء الرياض في المنطقة وبرغم أنَّ الشاه رضا بهلوي كان شيعياً عنصرياً يكره العرب حتىّ النخاع ومع ذلك يستقبل استقبال الفاتحين المنتصرين في السعودية وكان الملك سلمان من الأشخاص الذين يحرصون على استقباله شخصياً وفي العديد من المناسبات،فالرياض كالعادة تعوِّل على دعم أمريكي غربي لتصدي لإيران رغم تأكيد كل الخبراء والعارفين بخبايا الأمور بأنًّ أمريكا لن تشنًّ حرباً ضدَّ إيران خدمةً لمصالح السعودية أو رؤيتها السِّياسية الضيقة في المنظور القريب على الأقل. -ورغم كل الهزائم السِّياسية والعسكرية والاقتصادية التي منيت بها الرياض على مختلف الجبهات وعدم قدرة حليفها التركي أو الأمريكي أو الصهيوني على إخراجها منها نتيجة لسياستها المتهورة والغير مسئولة،ولكن لا تزال الرياض متمسكة بأحلامها الوردية والأفلاطونية في تغير الوضع الإقليمي بما يخدم أجنداتها المخفية والمعلنة،لأنّ التغيرات السريعة والدراماتيكية في السّياسة الدولية والتي ستنعكس سلباً أو إيجاباً على منطقة الشرق الأوسط والصُّعود الصاروخي لروسيا كقوة عالمية وتأسيسها لقواعد عسكرية في سوريا وربما في دولٍ عربية لها علاقات تاريخية معها كمصر سيجعل السعودية وحلفائها في ورطة حقيقة وضعف استراتيجي وعسكري وفي مرمى النيران الروسية في حال شنِّ أي حرب عدوانية لتغيير النظام في سوريا بالقوة أو تحدي النفوذ الروسي في المنطقة،فالسفينة السعودية ستغرق قريباً إنْ لم تقم السعودية بإعادة قراءة متأنية لحساباتها السِّياسية الخاطئة وإلا فإنّ الطوفان السِّياسي سيجتاحها ويؤدي لدمارها لا محالة في النهاية.
*كاتب جزائري