2024-04-25 12:56 ص

دروب موسكو وممراتها..!!

2017-04-16
بقلم: علي قاسم*
لم تكن دروب موسكو سالكة وواضحة المعالم كما هي الحال عليه اليوم، حيث لم يكن من الصعب فهم السير في شوارعها وبعناوينها الواضحة وصولاً إلى قاعات دبلوماسيتها الفسيحة، في حين كان من الصعب على من اختار الممرات الضيقة فيها والتعرجات الشائكة داخلها أن يسلك إلى حيث يريد، خصوصاً أن الدبلوماسية الروسية التي أتقنت إفادة زائرها الأميركي على طريقتها، أعادت على مسامعه وأمام ناظريه تثبيت نقاط مواقفها والتذكير بما تعمّد تجاهله، ولفتت النظر إلى ما حاول أن يغض الطرف عنه.‏
فالغرب الذي كان يرفع من وتيرة شد حبال افتراءاته ليس في السياسة فقط، بل أيضاً في الاستنتاج والتحليل والتفسير.. وصولاً إلى افتعال الاستعصاءات داخل عنق الزجاجة الأممية، كان وزير الخارجية الأميركي يحاول أن يعيد تنظيم قواعد الاشتباك السياسي الأميركي الروسي، وإن بقيت الأمور معلقة عند التقاطعات المتباينة ذاتها التي بدأت معها زيارة الوزير الأميركي، حيث الكلمات الدبلوماسية لم تشفع في إخفاء نقاط اختلاف جوهرية تبدو أي محاولة لتجاهلها أقرب إلى العبث السياسي.‏
المبادرة الروسية إلى تفكيك نقاط التشنج المرتفعة لدى الزائر الأميركي لم تترك مجالاً للتأويل، وحسمت المسألة من بدايتها بأن التصعيد الخطابي الغربي في مجلس الأمن كان مجرد لهاث فرنسي بريطاني موتور، للحفاظ على دور وظيفي ملحق بخطاب تعبوي تصرّ المندوبة الأميركية على الاحتماء به للتغطية على نقاط الضعف في المنطق الأميركي لتبرير عدوان يصعب تسويغه داخل قاعات مجلس الأمن، وإن كان يعطي التصعيد الغربي مساحة كافية للإبقاء على خطوط التوتر المشتعلة، باعتبارها التعبير المرادف للفشل في تجيير المجلس ليكون على مقاس ذلك الخطاب.‏
وإذا كان من المحسوم أن توصل النهايات غير المعلنة للمباحثات الروسية الأميركية إلى موضع تصح فيه الإشارة إلى مواطن الخلل القائمة في سياق التجريب الأميركي، فإن الإبقاء على القنوات الدبلوماسية والسياسية مفتوحة على مصراعيها قد أوصل الرسالة الواضحة بأن موسكو على موعد مع استحقاق سياسي سبق له -في مشهد مماثل - أن أعطى الملامح الأولية لقواعد الاشتباك السياسي في العلاقات الدولية بشقها الإقليمي ومنعكساتها الفعلية على جبهات الصراع المفتوحة، في سياق مجابهة وصلت إلى منعطفات تخطت كل أشكال المهادنة، في ضوء الإدراك المشترك الروسي الإيراني السوري بأن حضور الذراع العسكرية كان رسالة واضحة بانكفاء حتمي في أذرع الدبلوماسية، وانحسار في مقدرة السياسة على تدارك ما يمكن .‏
وهذا ما سيتجلى بأبعاد أكثر وضوحاً في سياق المقاربة الجديدة التي سينتجها اللقاء الثلاثي، وإن كانت بعض عناوينها قد سبقت اللقاء، وبدت هي الراجحة من دون ان تستبعد إمكانية البناء على ما سمعته روسيا من الوزير الأميركي، وما قرأته عين المتابعة الروسية لتفاعلات العلاقة والملامح التي رسمتها موجات الشد واللين، التي تناوبت في الارتسام على وجه الوزير الاميركي، وهو يعيد تقليب الخيارات الأميركية على ضوء ما طرحته روسيا وما سمعه من الرئيس بوتين خلال ساعتين من لقاء لم يكن مدرجاً أو معلناً في الحد الأدنى على جدول أعمال الرئيس الروسي.‏
والواضح أن الإبقاء على رتم اللقاء الثلاثي السوري الروسي الإيراني المقرر سلفاً وقبل زيارة الوزير الأميركي، يؤشر إلى أن وتيرة الاندفاع وراء تكهنات وتسريبات غير منطقية ليس أكثر من رقص أعرج على حبال وصلت إلى حدها الأعظمي في الشد، فيما علاقات التجاذب السياسي الغربي قد تعرضت لانكسارات حادة ومرشحة للاتساع، فحديث الرئيس ترامب بإيجابية عن اللقاء لا يعني أن الكفة قد رجحت أو أن المعايرة السياسية قد تغيرت، بدليل أن التعاطي الروسي في مجلس الأمن كان تثبيتاً لأولى نقاط المقاربة الاستراتيجية الروسية، وجاء التشديد على إعادة طرح محاربة الإرهاب كبوابة للتفاهم المشروط تعميقاً للنقطة الثانية من محاور المقاربة الروسية، وستكون نتائج المحادثات الثلاثية إعلاناً للثابت الثالث الروسي في التمسك بمفاتيح المشهد وتثبيتاً مزدوج الأبعاد لنقاط القوة، وإشهاراً متعمداً في التوقيت والمضمون لأوراق السياسة.‏
لا أحد ينكر على الخطاب الغربي مأزقه، ولا على الساسة الغربيين ورطة الحسابات المستعجلة والاندفاع المحموم على بساط لا يمتلك المقاييس الصحيحة، ولا يستحوذ على معايير الكفاءة والفاعلية في صراع مفتوح يقود في نهاية المطاف إلى التمترس والتخندق وراء أكاذيب لم يعد مسموحاً لها أن تمر، سواء عبر مجلس الأمن بممراته الرئيسية أم في كواليس السياسة وطاولاتها الجانبية، حيث الفارق الوحيد المتاح أن النجدة الروسية لنزول ذلك الخطاب عمّا اعتلاه من منصات صعّبت من مهمة النزول عنها ووصلت حد الاستحالة لدى البريطاني، الذي ألغى زيارة عكست ارتباكاً في قراءة مفاتيح السياسة الدولية، وإن كان الحال الفرنسي ينتظر انتخاباته الرئاسية ليخرج من نفق العبث السياسي الذي تغرق في شبر مائه دبلوماسية اعتاشت على الغلو والتطرف والعدائية والغوص في درك الصفقات المشبوهة التي لا تنفع في عالم الكبار.‏
* رئيس تحرير صحيفة "الثورة" السورية