2024-04-19 05:34 م

مخاطر وسيناريوهات التقسيم: الدفاع عن سورية واجب مقدس

2017-04-15
د. بسام أبو عبد الله 

لم يعد ما يجري على أرضنا السورية مجرد صراع بين قوى معارضة كانت سلمية وتحولت، نتيجة ضغط النظام وقمعه، إلى داعش وجبهة النصرة، كما يحلو للإعلام الغربي والمسؤولين الغربيين أن يقدموا روايتهم ويسردوها علينا طوال سنوات سبع من دون أن يفسروا لنا لماذا هذه المعادلة ليست في معقل الجاهلية والتطرف والوهابية السعودية مثلاً أو قطر كمثل آخر! وهل لأن رايات الديمقراطية والحريات، ترفرف فوق قصور آل سعود وآل ثاني، وتحملها صقور صيدهم لتنشرها في الجمهوريات العلمانية التي يعود تاريخها لآلاف السنين قبل ولادة عائلات الآل هذه!
إن كل تحليل يذهب في هذا الاتجاه هو تحليل ساذج لابد من رميه في سلة المهملات، كما أن كل تحليل أو رأي يذهب باتجاه شخصنة المسألة السورية، ويوجه سهام حقده نحو شخص الرئيس بشار الأسد هو تحليل مضلل ومأجور ويريد أن يستمر ببيعنا حججاً كاذبة تُحول الأنظار عن حقيقة الصراع ومآلاته، وعن الأسباب الرئيسية لما يجري، ولذلك علينا أن ننسى كل روايات مرتزقة المعارضة ووجوههم البائسة وكلامهم الممجوج واسطواناتهم المشروخة، ونركز على حقائق باتت أكثر من مهمة لنفهم ما الذي يجري على صعيد العالم، ولماذا هذا التحول في الموقف الأميركي (إدارة ترامب) مما يجري في سورية، والإقليمي، والعالم كله، وعندما نفهم طبيعة هذه التحولات وأهدافها، وننظر نظرة كلية، وليست جزئية سيكون إدراكنا أكبر لحقيقة المخاطر، وسيناريوهاتها المحتملة، وما المطلوب منّا جميعاً فعله.
1- لقد تحولت الحرب في سورية، وعليها إلى نقطة الاشتباك الأكثر سخونة بين المحور الأطلسي الغربي وأدواته الإقليمية والمحلية، وروسيا والقوى الآسيوية الصاعدة في العالم الجديد، ولهذا فإن سورية هي حجر الأساس في محور يضم روسيا وإيران والصين ودولاً أخرى في العالم، ولأنها المركز الأكثر حساسية في المنطقة، البعض يسميها «قلب العالم»، فهذا يعني أنها كذلك بالنسبة للعالم.
2- إن سورية هي عقدة مواصلات عالمية ترتبط دائماً بالخطط الجيوسياسية والصراع على مصادر الطاقة، ومرور الأنابيب، والممرات التجارية والبرية والبحرية، وهو ما يجعل من السيطرة عليها وعلى جغرافيتها، هدفاً أساسياً للسيطرة على المنطقة كلها.
3- إن مشكلة سورية تاريخياً أنها بموقعها الحساس هذا كانت تطمح للاستقلال والاستفادة من ذلك في تحقيق مصالحها الوطنية العليا، ولكنها كانت ترتاح لفترة، ثم يعود الهجوم عليها كلما شعرت القوى الطامعة بإمكانية السيطرة على مراكز القرار فيها (مرحلة الخمسينيات، مرحلة السبعينيات «الإخوان المسلمين»، ثم في الألفية الجديدة ما بعد عام 2006).
4- لقد حاولت الولايات المتحدة، ومعها القوى الغربية أن تُسقط الدولة السورية خلال السنوات السبع الماضية تكراراً للسيناريو الليبي، ولكن صمود الشعب والجيش والقيادة، ودعم الحلفاء أسقط سيناريوهات عدة جرى الاشتغال عليها في غرف عمليات محور العدوان، وحققت الدولة السورية تقدماً واضحاً في أغلبية الجبهات، الأمر الذي أصاب هذا المحور بالجنون ودفعه للدخول في مبادرات دبلوماسية انتظاراً لفرص أفضل مع الإدارة الجديدة.
5- مع مجيء إدارة ترامب، ساد تفاؤل حذر في البداية، ولكن من الواضح الآن أننا أمام إدارة يقودها عتاة اليمين العنصري الأميركي المسيطر عليه صهيونياً، والمستعد لتكرار تجربة جورج بوش الابن وخاصة مع وجود مشيخات البترودولار المستعدة لدفع كل ما تملك مقابل التخلص من سورية وقيادتها وتقسيمها، ليرتاحوا وترتاح إسرائيل، ولذلك نحن أمام دعاة «الاشتباك مع روسيا» وإيران في البنتاغون ومن خلفهم إسرائيل وأتباعهم من غُربان النفط والغاز، لأن إسقاط سورية يعني إسقاط نفوذ منافسي أميركا في الإقليم والعالم.
6- يبدو واضحاً أننا أمام مرحلة حرجة جداً وخطرة للغاية، تتمثل بإدارة أميركية عدوانية مستعدة لتنفيذ ما تعتقد أنه سيعيد لها الهيبة والنفوذ والسيطرة على العالم، وما سربه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن امتلاك موسكو لمعلومات موثوقة عن احتمال تكرار سيناريو خان شيخون من أجل تكرار العدوان الأميركي، مؤشر خطر، إضافة إلى الحديث عن العدوان على الضاحية الجنوبية من دمشق، مع الاستعدادات التي تجري من الأردن وإسرائيل وبريطانيا، للسيطرة على درعا، وقطع طريقها إلى دمشق، وإقامة ما يسمونه منطقة آمنة! أضف إلى ذلك ما يجري تحضيره في الشمال عبر إنشاء «كوريدور كردي» يمتد للرقة بعد إخراج داعش والسعي للسيطرة على المثلث الحدودي السوري الأردني العراقي بهدف قطع التواصل البري بين طهران وبغداد، ودمشق وبيروت، وهو ما يعني أيضاً ضرب الجسور البرية للمشروعين الروسي والصيني.
7- إن الأمر لا يقتصر على الساحة السورية، ولكن هي الساحة الأكثر سخونة في الاشتباك بين المحاور الأميركي الغربي الإسرائيلي وتوابعه، والسوري الروسي الإيراني الصيني وداعميه، ذلك أن تهديد دونالد ترامب لجمهورية كوريا الديمقراطية باحتمال تأديبها، يؤشر إلى أن هذه الإدارة تريد توجيه رسالة للصين أيضاً، وهو ما دفع ببكين لإرسال تعزيزات عسكرية إلى الحدود بين الكوريتين تحسباً لارتكاب واشنطن حماقة أخرى في تلك المنطقة الحساسة من العالم.
8- لم يعد أمام دول المنطقة والعالم، المجال الواسع للتذاكي والتكتيك، فالتوترات سوف تشتعل من سورية إلى بيونغ يانغ إلى شرقي أوروبا وأوكرانيا، بعد رسالة الدعم التي قدمها ترامب لرئيسها، وإلى البلطيق ومناطق الباسيفيكي، الأمر الذي يعني أن الانقسامات ستطول العالم بأسره ما بين عدوانية أميركية انغلوساكسونية همجية تدوس على القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة وسيادة الدول وإرادة الشعوب، وبين عالم جديد تريده القوى الصاعدة في العالم أكثر اتزاناً وعدالة ورفضاً لسياسة الهيمنة وقلب الأنظمة والدوس على إرادة الشعوب، وأكثر احتراماً لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
9- إن تكثيف الاتصالات السياسية والعسكرية بين دمشق وموسكو وطهران، واللقاء الثلاثي بين وزراء الخارجية في موسكو يؤشر بوضوح شديد إلى خطورة وحساسية المرحلة القادمة التي تتطلب من هذا المحور اتخاذ المواقف الواضحة، وتعزيز التنسيق السياسي والتحالف الدفاعي لمحاربة الإرهاب أحد أدوات الهيمنة الغربية.
وفي المقابل نجد أن واشنطن تعمل على حشد التأييد لدى حلفائها الغربيين لدعم سياساتها العدوانية المتجددة، وهنا نلاحظ أن بعض الدول الغربية والنُخب ووسائل الإعلام، لا تريد الانجرار مرة أخرى وراء مغامرات أميركية مجنونة قد تؤدي إلى نتائج كارثية على أوروبا نفسها، وهو ما يتضح من خلال العمليات الإرهابية التي تضرب بعض المدن الأوروبية، ولهذا فإن التنسيق الأكبر يجري بين أطراف المحور الانغلوساكسوني (واشنطن ولندن) لقيادة المرحلة العدوانية الجديدة، مع تبعية فرنسية، ومحاولة ألمانية للتمايز قليلاً.
أما على صعيد المنطقة فالأمر واضح: مشيخات النفط تمول العدوان الجديد مقابل تطبيع مع إسرائيل وتصفية لقضية فلسطين، وأما تركيا فقد كان بارزاً ما كتبه الصحفي التركي المقرب من الحزب الحاكم إبراهيم قره غول في 11 نيسان الجاري في صحيفة يني شفق الناطقة باسم حزب أردوغان، إذ كتب مقالاً بعنوان: «الحرب على سورية تحولت إلى حرب عالمية!» طالب فيها تركيا بعدم الوقوع في فخ الناتو لأن السيناريو الأكثر خطورة بالنسبة لتركيا هو تقسيم سورية، الذي يعني مباشرة العمل على تقسيم تركيا، وهذا هو المخطط منذ حرب الخليج الأولى عام 1991 عندما رسم خط العرض في شمال العراق، وما يجري العمل عليه في سورية.
ويحذر قره غول من أنه إذا اختارت تركيا الخيار الأسهل أي الوقوف مع الناتو، فإنها ستقع في فخه، لأنها الهدف التالي له، وقال ما بعد 16 نيسان، يجب على أنقرة أن تُحلل الوضع بشكل جيد وتتخذ موقفاً، بناءً على النظرة الشاملة لما يجري في العالم، وستكون مجبرة أحبت ذلك أم لم تحب أن تكون مع روسيا أو أميركا!
إن ما تعرضت له سورية وما سوف تتعرض له خلال المرحلة القادمة الخطرة جداً، يضعنا أمام احتمالات عديدة منها محاولات التقسيم التي عادة لتطل برأسها في الجنوب والشمال والوسط، ولا يجوز بعد الآن النظر إلى انتصارات الجيش العربي السوري والحلفاء في أي بقعة من سورية، إلا على أنها إضعاف وضرب لسيناريو التقسيم، وكذلك دعم لمحور تنتمي إليه سورية، وتتقاطع معه في المبادئ والسياسات.
كما أنه لا يجوز لأحد أن يُنظّر علينا بالصراع المذهبي وبالتمدد الشيعي أو الانكماش السني، فهذه ترهات وتفاهات، تريد أن تبعد عقول وأنظار الشعوب عن حقيقة ما يُرسم من خرائط جديدة، وعن اللعبة الكبرى التي إن أشحنا البصر عنها فقدنا البوصلة لحقيقة ما يجري، ذلك أن داعش وجبهة النصرة وما يسمى «جيشاً حراً»، وغيره من التنظيمات الإرهابية، ليست سوى أدوات صغيرة في مشروع كبير، وأما تشكيلات المعارضة السورية فما هي إلا واجهة سياسية مضللة للأهداف الحقيقية التي تستهدف تقسيم سورية وإضعافها وإنهاء دورها المركزي.
ولأن الأمر كذلك فإن ما علينا من واجبات يرتقي لمرحلة القداسة ذلك أن الدفاع عن سورية بكل الوسائل المتاحة هو واجب مقدس، وأما أولئك الذين صفقوا لترامب وعدوانه الأخير على سورية، فلن يذكرهم التاريخ إلا كخونة لبلادهم ومرتزقة لن يسامحهم أحد، والتاريخ يشهد ويُسجل ويُخلد.