2024-04-20 12:37 ص

الدولة السورية والدولة الأمريكية العميقة , وجها ً إلى وجه

2017-04-14
بقلم: ميشيل كلاغاصي
لم يتأخر دونالد ترامب ليُلحق بمقعد الرئاسة الأمريكية هزيمةً وفضيحةً كبرى جراء العدوان الصاروخي ومسرحية كيماوي خان شيخون , فتحول معها من رئيس إلى شبحِ رئيس , ومن ممثل نجم إلى كومبارس بديل , بعد هزيمته و إنصياعه نحو أداءٍ تكتيكي منضبط تجاه ما تسمى "الدولة العميقة", كنتيجةٍ لضعف خبرته السياسية , فكشف ظهيرتها , وحوّلها نحو المواجهة الحقيقية والمباشرة مع الدولة السورية . مئة يوم كانت كافية لإحراج و إخراج البيت الأبيض و الخارجية والرئيس من غرفة الحكم والقيادة الحقيقية - الفعلية , ما أفقد الدولة العميقة العديد من أوراقها وحدّ من قدرتها على المناورة , وحرية الحركة و إخفاء النوايا , ووضعها مباشرةً أمام إحتمالات مواجهة الفوز أو الهزيمة, وبدا كمقامر رمى بكل أوراقه برمية واحدة – Soldes , وأبعد نفسه عن صفة المسؤول والمتحكم بالقرار الأمريكي , وأصبح من المهم تتبّع تصريحات و مواقف عضواً في الكونغرس أو ضابطاً في البحرية أو باحثاً أو إعلامياً ...إلخ , ممن يُعتبرون أساسيين وفاعلين في صياغة سياسة الدولة العميقة , والتي تقلصت وتضررت مساحة تشكيلها و صناعتها للقرار الأمريكي بفعل أدائه الأرعن , وانحصرت بوزارة الأمن الوطني والأجهزة والإدارات و المكاتب التابعة لها . لقد خسر ترامب والدولة العميقة مساحةً و هامشاً عادةً ما يُترك للرئيس , يخوله أن يختار بموجبها بعض رموز إدارته و رجالاته التي تعمل معه , وتشكل فريق حكمه , وبات عليه أن يُعوض مقعد الرئاسة الخسائر السياسية التي ألحقها به , و يسعى لتعويضها بفضل براعته المفترضة كتاجر و رجل صفقات , هذا إن لم تحمله الأوهام والأحلام بعيدا ً عن هلوساته واستعراض عضلاته المفترضة , ويبقى السؤال كيف سيتعامل العالم مع "فخامة" شبح الرئيس , خلال الخمسة وأربعون شهراً المتبقية لإنتهاء ولايته , مع إفتراضية بقائه دون مفاجئات ؟. إن سرعة إقالته من إعتبرهم أساسيين , بالإضافة إلى الهوّة التي بدأت تتسع أكثر فأكثر ما بين ترامب المرشح و ترامب الرئيس , بفضل خطواته الواسعة عبر الإنتقال من القيادة من الخلف إلى المقعد الأمامي , جعلته يحتاج إلى إثبات رجولته و قوته و ما يميزه عن سلفه أوباما , الذي عرف كيف يحفظ ماء وجهه , وامتنع عن توجيه ضربة عسكرية مشابهة في نفس الملف (الكيماوي) , تحت غطاء سياسي أوجده و دعاه "عقيدة أوباما " , اكن إنجرار ترامب وراء حصده نجاحا ً سريعا ًعلى المستوى المادي الإقتصادي , أفقده ما لم يكن يحتسبه على المستوى السياسي , فمال "الضربة" الصاروخية و بريقها المزيف ومضاعفة حجم المكاسب من ورائها , جعله يُقدم عليها , دون الإستخفاف بالأوراق التي استحصل عليها , والتي تساعده في مضاعفة الضغط على سوريا , فقد فتح صفحةً جديدة في العدوان على سوريا , و رفع سوية و منسوب التهديد والعدوان, والتي اكتفى بها سلفه أوباما عبر خرقه السيادة السورية جواً و بإستحداث مطاراتٍ عسكرية على الأراضي السورية , و توجيه ضربات عسكرية مباشرة و محدودة للقوات السورية في جبل الثردة تحت عنوان – الخطأ - , بالإضافة لمكاسب تسمح له بالمساواة مع الروس من حيث القوة والتواجد في الميدان السوري – بعيدا ً عن القانون الدولي - , ناهيك عن جرّه بعض الدول الأدوات كالدولة الفرنسية الضعيفة نحو مجلس الأمن لتكون كبش فداء أمام الفيتو الروسي الذي كان متوقعا ً من الجميع , على طريق إبعادها وإبعاد من تسميهم واشنطن "شركائها" , وتضييق الخناق عليهم في محاصصة و مقاسمة الدولة الأمريكية الكعكة السورية , مقابل التحكم بسير الإنتخابات الرئاسية الفرنسية , ومساعدة الرئيس الذي سيحظى بالرضى الأمريكي , الأمر الذي جعله غير اّبه بصفعة الفيتو الروسي المنفرد بوجه بلاده أيضاً , مقابل إمتناع الصين عن التصويت , وإختفاء الفيتو المزدوج – هذه المرة - , والذي عزاه الرئيس ترامب لتقاربه و الدفء الذي بثه في العلاقات المستجدة مع الصينيين . لقد أسرع بإرسال وزير خارجيته إلى موسكو ليستبق إتخاذها المزيد من الإجراءات نتيجة حماقة العدوان الصاروخي على سوريا , بعد تعليق وإيقاف موسكو اّلية التنسيق والتحليق الجوي في الأجواء السورية , ليمنع إنهيار العلاقات الروسية -الأمريكية , و ربما ليقدم تنازلات جديرة بالتفكير , خصوصا ً بعد تصريحات رياكوف : أن " العلاقات الروسية الأمريكية تحتدم في الشأن السوري" , و بمقابل استباقه نتائج الإجتماع الثلاثي الروسي – الإيراني – السوري في موسكو , لتخفيف حدة الردود المحتملة , على الرغم من تأكيد الرئيس بوتين قدرة السوريين على الدفاع عن أنفسهم و استمرار موسكو بدعم الدولة و الجيش العربي السوري بما يلزم , و تأكيد الرئيس الأسد لصحيفة AFP الفرنسية أمس الخميس , أن السياسة السورية لا تقوم على مبدأ ردود الأفعال ... كذلك أسرع وأعاد تكرار مواقفه التي سبقت العدوان الصاروخي بما يتعلق بمصير الرئيس الأسد , و بحسب صحيفة وول ستريت جورنال , والتي أكد فيها على عدم إصرار واشنطن على رحيل الأسد . وبذلك تكون واشنطن قد أعادت عقارب الساعة إلى ما قبل العدوان الصاروخي , بعد أن فشلت في تحقيق أهم أهدافه في استهداف العملية السياسية والحل السياسي – بحسب الوزير المعلم - , وأتى الإجتماع الثلاثي وحمل مدلولاتٍ ورسائل عديدة , بلغة هادئة لكنها حملت في طياتها أخطر الرسائل الموجهة إلى الكيان الغاصب مباشرة , و" للسلطان" العصملي أدوغان , ولكل من تسوّغ له نفسه شنّ حروبٍ خارجية إنطلاقا ً من أراضيه , وسط ما يشاع عن تحضيرات إرهابية جديدة تستهدف الدولة السورية جنوبا ً عبر الأراضي الأردنية تحديدا ً, أو شمالا ًعبر الأراضي التركية , وبذلك وضعت الدولة السورية بمساعدة الحلفاء النقاط على الحروف , وأعادت ربط الصراع مع أساسه و داعمه الأول و صاحب المصلحة الأولى فيه , ألاّ وهو الكيان الإسرائيلي , ونسخته العصملية أيضا ً .. فتصريحات الوزير المعلم كانت واضحة , و أن سوريا و حلفائها على أهبة الإستعداد التام إذ أكد أنه : " لدينا إجراءات مشتركة لصد أي عدوان يتم شنه على سورية ". أخيرا ً ..بات من الضروري لتقييم نتائج العدوان الأمريكي الجديد الإعتماد على ما كسبته أو خسرته الدولة الأمريكية العميقة , وما كسبه وخسره الرئيس ترامب , وبنفس الميزان و الحساب ما كسبته الدولة السورية وحلفائها وما خسروه , و يبقى المجال مفتوحا ً لتقييم المرحلة المعقدة والخطرة على كلا الطرفين و الإقليم والعالم , مع التأكيد أنه من تداعيات العدوان الفاشل و تراجع الرئيس ترامب عن تصريحاته بخصوص الرئيس الأسد , وقوله ب "رحيله بطريقة منظمة" , يطرح السؤال من جديد , كيف لواشنطن و فريق الحرب على سوريا , وخصوصا ً جوقة و همروجة المعارضات , أن يعودوا إلى لقاءات الأستانة و جولة جنيف السادسة بخفي حنين ؟