2024-03-29 09:06 ص

غوبلز لم يمت بل هو حي يرزق

2017-04-14
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
هنالك مثل بالعامية يقول "مين خلف ما مات" ومن المؤكد ان هنالك العديد من الاحفاد اللذين يسيرون على خطاه. وغوبلز هذا كان وزير الدعاية الألمانية فترة الحكم النازي في المانيا وصاحب المقولة الشهيرة "أكذب وأكذب وأكذب فلا بد في النهاية أن يصدقك الناس" ونضيف هنا ربما تصدق الكذبة وانت مروجها ومخترعها. وربما هذا يختصر ما جاء في جلسة مجلس الامن الدولي البارحة الذي اجتمع لمناقشة المشروع المقدم من فرنسا وبريطانيا حول حادثة بلدة خان شيخون السورية التي استخدم فيها الأسلحة الكيماوية. مندوبي الدولتين بالإضافة الى مندوبة الولايات المتحدة تحدثوا على أنهم على "ثقة تامة" بأن من استخدم الأسلحة الكيماوية هو الجيش السوري. هذه "الثقة المطلقة" يجب على الجميع أن يصدقها بالرغم من عدم تمكنهم من تقديم أي دليل مادي واحد ليثبت صحة ما يقولون. هم يطالبون الناس والعالم أن يأخذ بكلامهم على أنه "الحقيقة المطلقة" التي لا تقبل النقاش أو التشكيك بها. ومن راقب الأسلوب والتعبيرات على وجوههم يأخذ الانطباع بأن هؤلاء مقتنعين بما يقولونه على الرغم من معرفتهم المطلقة بأنهم هم بالأساس من اخترعوا هذه الكذبة وشاركوا في المسرحية ومن كثرة تردادها أصبحوا يتحدثون عنها وكأنها حقيقة. وهم ليسوا بحاجة الى لجنة لتقصي الحقائق لانهم "واثقون" ...نعم واثقون من أنهم يديرون الكذبة الكبرى، كما كان الحال عام 2003 عند غزو العراق و 2011 عند غزو ليبيا وتغيير الأنظمة وتدمير البلاد. لم ننتهي من غوبلز بعد حيث أن له مقولة مشهورة أخرى وهي " أعطني إعلاما بلا ضمير أعطيك شعبا بلا وعي" . وهو أيضا ينطبق بالتمام والكمال على ما نراه من وسائل اعلام غربية سائدة تنفث سمومها وتقدم للناس يوميا وجبة أكاذيب وفبركات إعلامية موجهة ومكثفة بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ. فالاعلام الغربي فقد بشكل عام الهامش من النزاهة والمصداقية والاحترام للمهنة الصحفية وغابت صحافة تقصي الحقائق الميدانية وأصبحت مصادر الاعلام الغربي ما يتداول على شبكات التواصل الاجتماعي والاخذ بالصور التي ترسل اليه عبر الشبكات العنكبوتية من أناس "يعيشون" في تلك المناطق دون التحقق من مصداقيتها ومن الجهة الفعلية التي قامت بإرسالها. وعلى سبيل المثال لا الحصر في حالة خان شيخون الصور التي اعتمدت عليها الوسائل الإعلامية وأجهزة الاستخبارات الغربية أتت من أفراد يعيشون في المنطقة التي تسيطر عليها جبهة النصرة ومجموعات أخرى منتمية الى تنظيم القاعدة. بالإضافة الى أصحاب "الخوذات البيضاء" الممولة من قبل أمريكا وبريطانيا وهي تدعي أنها مكونة من أناس "متطوعين" للعمل على "انقاذ" المصابين في مناطق النزاع. والغريب في الامر أن هذه المجموعة من "المتطوعين" لا تعمل الا في المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية من النصرة وداعش وما لف لفهما. الا يثير هذا الاستغراب؟؟؟ وتراهم في نفس مكان الحدث سبحان الله!!!! والكاميرات منصوبة للتصوير المباشر والبث الحي!!!!! ونحن "الاغبياء" من المفترض أن نبلع الخبر وسائل الاعلام الغربية لا تتحدث عن ان المنطقة التي استخدمت فيها الأسلحة الكيماوية هي منطقة مسيطر عليها من قبل المجموعات الإرهابية. ووسائل الاعلام هذه أيضا لم تطرح أو تطالب الدول التي تتهم سوريا باستخدام هذه الأسلحة الى تقديم أي دليل مادي ملموس، أو تطالبها مثلا بانتظار نتائج لجنة تحقيق دولية. كما أنها لا تريد ان تطرح بإمكانية وجود سيناريوهات أخرى للحدث، مثل أن قصف الطائرات السورية قد أصاب مصنع لتحضير الأسلحة الكيماوية أو أن المجموعات الإرهابية قد قامت باستخدام الأسلحة الكيماوية لكي تتدخل أمريكا والدول الغربية لإنقاذها من تقدم الجيش العربي السوري. الاعلام الغربي أصبح جزء من النظام الغربي الذي "يبلع" ما يقدم له دون سين أو جيم ويتعامل معه على أنه "الحقيقة المطلقة" التي يجب عليه أن يروجها ليخلق شعبا بلا وعي. حقا إن غوبلز لم يمت بل هو حي يرزق.