2024-03-29 11:40 ص

الفيتو الروسي.. وداعاً الأحادية القطبية؟

2017-04-14
بقلم: علي إبراهيم مطر
تعتبر سوريا  ساحة شد حبال في العلاقات الدولية، نشهد مخاض ولادة جديدة لنظام دولي قائم على تعدد الاقطاب، ينسف وجود نظام آحادي تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية. بعد سقوط جدار برلين وما حصل قبله من أزمات وتجاذبات وحروب صغيرة انعقدت تحت مسمى الحرب الباردة بين القطبين، لم نر مزاحمة في هذا النظام، حيث حولت الولايات المتحدة الأميركية خلال هذه الحقبة القانون الدولي لمصلحة سياساتها واستراتيجياتها وسيطرت على مجلس الأمن لسنوات طويلة حيث لجأت اليه في كل حرب تريد شرعنتها.

مع الحرب السورية اختلف وضع النظام الدولي، لم يعد كما كان عليه، نعم لا تزال واشنطن المسيطرة على المفاصل لكنها لم تعد وحدها من يقرر طريقة اللعب وتمتلك أرض الملعب، فالكرة لم تعد بملكها وليست وحدها من يسجل الأهداف، أصبح لها اندادٌ كثر على رأسهم روسيا. ما تقدم يثبته ما يحصل في مجلس الأمن حيث منذ بدء الازمة استخدمت روسيا الفيتو ضد 7 قرارات غربية، وليس آخرها استخدام هذا الحق لمنع مشروع القرار الفرنسي الأمريكي البريطاني الذي يحمل الحكومة السورية المسؤولية عن الهجوم الكيميائي المزعوم في خان شيخون، والذي لاقى انقساماً داخل المجلس بعد أخذ ورد في جلستين، حيث امتنعت 3 دول أعضاء ايضاً وهي الصين(العضو الدائم) وإثيوبيا وكازاخستان، عن التصويت، فضلاً عن الفيتو الروسي الذي اسقط القرار.

تأتي أهمية الفيتو الروسي من حيث عدده أولاً، فهو السابع الذي تفرضه روسيا في مجلس الأمن على مشروع قرار حول سوريا، كما يأخذ الفيتو على قرار الفصل السابع ـ الذي يسمح للمنظمة الدولية باتخاذ اجراءات زجرية ضد أي دولة - أهميته من أنه يسقط أي قرار مزمع اتخاذه في المجلس، قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة السورية وتعقيدها أكثر مما هي معقدة ومتداخلة فيها الأطراف الدولية، كما أنه يسقط مؤامرة جديدة على سوريا من خلال مزاعم استخدام الكيميائي في خان شيخون.

لقد منعت روسيا من خلال الفيتو، تشريع الانتهاكات الأميركية للقانون الدولي من خلال قرار صادر عن مجلس الأمن، وذلك لأن الضربة الأميركية لسوريا تخالف المعاهدات والأعراف الدولية، وتنتهك ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص في الفقرة الثانية من المادة 2 انه "يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد "الأمم المتحدة"، ما يعني أنه منع أي شرعية لأي تهور أميركي آخر من خلال توجيه ضربات جديدة لسوريا.

استطاعت روسيا أن تثبت مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى، وتعيد تأكيد استخدام قواعد القانون الدولي في العلاقات الدولية، وهي بذلك تمنع التعاطي بمعايير مزدوجة في مجلس الأمن من قبل الدول الغربية، سيما أن لا شيء يثبت أن الحكومة السورية استخدمت الكيميائي في خان شيخون، ولم يجر أي تحقيق من قبل لجان التحقيق الأممية، كما أن منظمة الأسلحة الكيميائية أشارت إلى أن لا أدلة على قصف الطائرات لصواريخ تحمل الكيميائية، فضلاً عن أن المبعوث الأممي الى سوريا أكد ذلك ودعا إلى إجراء تحقيق في ذلك.

مرة بعد أخرى تبين الحرب السورية، ولعبة الأمم التي تلعب ويتشابك فيها الأطراف على العشب السوري، ان اميركا لم تعد وحدها المسيطرة على مفاصل النظام الدولي، بل أن روسيا أصبحت تشاركها ذلك، وأنه لم يعد من الممكن لأميركا التصرف كما يحلو لها في الأمم المتحدة، ولا يمكنها استخدم القانون الدولي لمصلحتها وتسييسه من أجل تحقيق أهدافها واستراتجياتها كما فعلت في العراق.

ومع أن هذا الفيتو يعتبر رسالة قوية لترامب لضرب المبدأ الذي يسير عليه والقائل باستخدام القوة لتحقيق السلام، ـ الذي يهدد من خلاله السلم والأمن الدوليين ويمنع حصول أي حلول سياسية تبعد إراقة الدماء ـ إلا أنه يفتح الطريق أمام حلول أكثر عقلانية بالابتعاد عن التهور الأميركي والغربي في حل الأزمة السورية، كما يفتح الباب أمام التأكد مما حصل في خان شيخون عبر ارسال فريق خبراء حيث بات من المؤكد أن سوريا ليست من اطلق الكيماوي بل أن المجموعات الارهابية هي من حضّرت لهذه المسرحية، فضلاً عن ارسال خبراء الى قاعدة الشعيرات حيث من المحتمل أن تكون الصواريخ الأميركية حاملة لمواد سامة.

على الولايات المتحدة الأميركية، أن تقبل بالمتغير الجديد في النظام الدولي، وتكون أكثر عقلانية في العلاقات الدولية، وتعيد الزخم للعمل الدبلوماسي بدلاً من التهور في إشعال الحروب، فمع أن روسيا لم ترضخ للغرب الذي قدم مشروع القرار، إلا أنها تريد احتواء مع يحصل عبر العمل الدبلوماسي، ويدل لقاء الرئيس الروسي بوزير الخارجية الأميركي، على مساع روسية لاحتواء التصعيد الأميركي.
"العهد الاخبارية"