2024-03-29 06:38 م

العدوان الأمريكي الأخير...انقلب السحر على الساحر

2017-04-11
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
أجمع معظم المراقبين والمحللين على ان العدوان الأمريكي الأخير على سوريا كان سياسيا وليس عسكريا بالرغم مما قيل عن اطلاق 59 صاروخ توماهوك على مطار الشعيرات في منطقة حمص. ولقد اعتمد المحللين الى أسباب جوهرية للوصول الى هذا الاستنتاج أولها هو أن الطرف الأمريكي قد قام بتبليغ القيادة الروسية قبل العدوان لإعطاء الفرصة لإخلاء المستشارين الروس والمعدات الروسية من المنطقة ومن الطبيعي أن الطرف الأمريكي توقع من القيادة الروسية ابلاغ القيادة السورية التي من المؤكد انها قامت بتحريك الطائرات والقاذفات السورية من الموقع وهو ما يفسر أن الطائرات الستة التي ضربت كانت في حالة معطلة أساسا أو بحاجة الى التصليح. هذا بالإضافة الى ان حجم الدمار الذي لحق بالمطار وبمدرجاته لم يكن بالدرجة المتوقعة من عدد الصواريخ التي تعتبر "جوهرة" الصواريخ الامريكية كما ذكر أحد المحللين والخبراء العسكريين. تمكنت القاذفات السورية من الانطلاق من نفس المطار للقيام بمهمات في ضرب معاقل الإرهابيين اللذين هللوا لضرب المطار مطالبين ترامب بالمزيد في دلالة واضحة على تلاقي الارهاب والولايات المتحدة. الدولة العميقة الممثلة في البنتاغون والمخابرات المركزية وأجهزة الامن في الولايات المتحدة أرادت ان ترسل رسائل الى كل من سوريا وروسيا ولا نقول الرئيس ترامب لأنه أصبح الان لا يمثل سوى حجر شطرنج في أيدي الدولة العميقة في الولايات المتحدة للإبقاء على منصبه وربما رقبته أيضا فهو لا يريد أن ينتهي كما أنهي جون كيندي عام 1963 الذي اغتالته الدولة العميقة .هذا الاعتداء أريد منه احراج روسيا وعلى أنها لا تستطيع فعل شيئا أمام الولايات المتحدة التي تسعى الى تحجيم الدور الروسي ليس فقط في المنطقة بل أيضا على الساحة الدولية وعلى أنها اليد العليا في سوريا على الرغم من التواجد الروسي هناك. وهذه الرسالة ارادت توجيهها قبل زيارة وزير الخارجية الامريكية المرتقبة بعد أيام الى موسكو. أما الرسالة الى القيادة السورية هي أن تكف يدها عن بعض المناطق في سوريا التي تريدها الولايات المتحدة ملاذا آمنا للمجموعات الإرهابية من داعش والنصرة بالتحديد وخاصة بعد القيام بطرد داعش من الرقة بتفاهم من تحت الطاولة معها وفتح طرق آمنة لعناصر التنظيم للمناطق التي تحددها الأولويات الامريكية. والمتتبع لأحداث الموصل منذ البداية يستطيع أن يستشف كم راوغت الولايات المتحدة في عملية التأخير للبدء في عملية تحريرها من تنظيم داعش والضغط لعدم توجه الحشد الشعبي الى تلعفر لقطع الطريق على عناصر داعش للتوجه الى الأراضي السورية. فماذا كان الرد الروسي والسوري على هذا العدوان وعلى أهدافه السياسية؟ لم تمضي فترة طويلة على العدوان لتعلن روسيا ومن طرف واحد وقف التنسيق مع الولايات المتحدة واقفال الخط الساخن بين وزارة الدفاع الروسية والأمريكية الذي كان ضروريا لمنع حدوث اية تصادم بين طائراتهم الحربية في الأجواء السورية. وهذا يبين مدى التحدي الروسي على العدوان الأمريكي وعدم الرضوخ للإملاءات السياسية التي أريد تحقيقها من العدوان. كما وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن الوجود الأمريكي على الأراضي والاجواء السورية هو وجود غير شرعي ويعتبر خرقا لسيادة الدولة السورية. بمعنى أن روسيا تخلت عن ممارسة اية نوع من الضغوط على حليفتها سوريا من التعرض للطائرات الأجنبية في سماءها بدون اذنها. وفي رسالة تحدي أخرى فقد قامت روسيا اليوم بتحريك فرقاطة روسية تحمل الصواريخ المجنحة الى البحر الأبيض المتوسط ولا نستبعد المزيد في الأيام القليلة القادمة. أعلنت روسيا أنها ليس بصدد التصعيد والصدام مع الولايات المتحدة ولكن إذا فرض عليها ذلك فهي على اتم الاستعداد. بالإضافة الى ذلك فقد تعهدت روسيا بتزويد سوريا بصواريخ لحماية اجواءها من الصواريخ والطائرات المعادية وهي رسالة واضحة لأمريكا. وهذه على أغلب الظن أنها صواريخ أس-300 التي ماطلت روسيا في تسليمها لسوريا وذلك ربما لتعهدها بعدم تغيير موازين القوى القائمة في الشرق الأوسط للان. وهذا بحد ذاته سيقلق الولايات المتحدة والكيان الصهيوني التي تحاول حمايته. فكلاهما كان يأملان على تحجيم قدرات وامكانيات الجيش العربي السوري وعدم تسلمه لأسلحة كاسرة للتوازن مع الكيان الصهيوني. الى جانب ذلك صرح الرئيس بشار الأسد أن محاربة الارهاب لن تتوقف على كافة الأراضي السورية ودحره من كل شبر من الأراضي السورية، بمعنى أن الجيش العربي السوري لن يسمح بأن يكون هنالك مكان آمنا للمجموعات الإرهابية من داعش أو النصرة ومن لف لفهما. واللافت للنظر أيضا التصريح الذي أدلى به الرئيس بوتين بعد اجتماع المجلس الأمني القومي الروسي هو التأكيد على أن روسيا ستبقي على دعمه للدولة السورية الشرعية على محاربة الارهاب على أراضيها. وهذا يدل على أن روسيا ستقوم بدعم التشدد في المواقف السورية سواء على الأرض أو في المباحثات القادمة في آستانا أو جنيف إذا ما عقدت. العديد يدركون أن الحكومة السورية قد أعطت هامشا للحليف الروسي وخاصة فيما يختص بالعلاقات والتفاهمات مع الولايات المتحدة وتركيا ورضيت على مضض بعض التفاهمات التي لم تكن راضية عنها. وعلى سبيل المثال لقد رضيت بدعوة تركيا الى استانة على الرغم من قناعتها بأن أردوغان لا يمكن أن يلتزم بما قد يعد به الرئيس بوتين. بالإضافة الى أن القيادة السورية كما هم بقية الحلفاء لم يكونوا مقتنعين بأن الولايات المتحدة يمكن أن تكون شريكا لروسيا في إيجاد حلا سياسيا للازمة السورية وأن جميع المباحثات والاجتماعات لم تكن الا لكسب مزيد من الوقت في محاولة انقاذ ما يمكن إنقاذه من المجموعات الإرهابية. هذه الامر الذي اتضح وضوح الشمس في حلب حيث استفادت المجموعات الإرهابية ومموليها من عمليات وقف الاعمال العدائية لإعادة التموضع وتجميع قواها وزيادة عدد مقاتليها الذين كانوا يتدفقون عبر الحدود التركية الى جانب إيصال الأسلحة لهم. وكانوا في كل مرة هم من يخرق وقف إطلاق النار والاعتداء على مواقع الجيش السوري واستعادة أراضي كانوا قد خسروها قبل ذلك. والذي يبدو أن هذا الهامش للحليف الروسي سيختفي بعد هذا الاعتداء المباشر من قبل القوات الامريكية. فهذا العدوان هو مقصود ومدبر حتى قبل حادثة خان شيخون بحسب تحاليل الخبراء ووزارة الدفاع الروسية ولا مجال للقول ان هذا الاعتداء حصل بالخطأ كما ادعت الولايات المتحدة عندما قامت طائراتها بمجزرة دير الزور الذي ذهب ضحيتها ما يقرب من مئة جندي سوري في محيط مطار دير الزور في 17 سبتمبر من العام الماضي. وكان الهدف هو إعطاء فرصة لتنظيم داعش للاستيلاء على الموقع فقد تحرك مسلحي داعش الى الموقع وقاموا بالاستيلاء عليه لساعات قبل ان تصل وحدات مؤازرة من الجيش السوري التي قامت باسترجاع الموقع. ونقطة أخيرة على ما يبدو ان القاعدة الشعبية التي أيدت الرئيس ترامب للوصول الى البيت الأبيض بدأت بالانقلاب عليه حيث اندلعت مظاهرات في عدد من الولايات رفعت فيه شعارات مناهضة للعدوان وإدانة لتراجع ترامب عن وعوده أثناء حملته الانتخابية ويرى الكثيرون ان قاعدته الشعبية بدأت بالتآكل نتيجة هذا العمل المجنون المغامر وهنالك شعار معبر قد رفع اثناء احدى المظاهرات يقول " مول حاجات الناس وليس الة الحرب". "Fund People's needs not war machinery". وربما تصريح وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون حول ردود أفعال روسيا تلخص الخيبة الامريكية وتوضح أن الاعتداء لم يحقق النتائج السياسية المرجوة منه حيث قال " ردود فعل روسيا مخيبة للآمال جدا". وهذ يدلل على أن السحر قد انقلب على الساحر الأمريكي الذي كان يعتقد أنه ما زال يملك أوراق القوة التي تؤهله لان يعربد ويصول ويجول كما كان يفعل في السابق دون ان يجد من يردعه عن غيه وعجرفته وسياسته العدوانية.