2024-04-19 03:08 ص

السياسة الخارجية الأمريكية تجاه سوريا لم تتغير ولن تتغير

2017-04-08
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
العديد من وسائل الاعلام تحدثت عن تغيير في السياسة الامريكية تجاه سوريا وعلى وجه الخصوص في الموقف من الرئيس الدكتور بشار الأسد. وهذه الاستنتاجات ارتكزت على التصريحات الأخيرة لكل من وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيليرسون وكذلك سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هيلي. فقد كان أن صرح تيليرسون في أنقرة وأثناء المؤتمر الصحفي مع نظيره التركي أوغلو من " أن وضع الرئيس الأسد على المدى البعيد سيقرره الشعب السوري". اتبع هذا التصريح بتصريح هيلي من أن سياسة بلادها في سوريا لم تعد تركز على إزاحة الرئيس بشار الأسد. وقالت لمجموعة من الصحفيين " يختار المرء المعركة التي يريد خوضها....وعندما ننظر الى هذا الامر نجد أنه يتعلق بتغير الأولويات وأولوياتنا لم تعد التركيز على اخراج الأسد".." أولوياتنا هي كيفية انجاز الأمور ومن نحتاج للعمل معه لإحداث تغيير حقيقي للناس في سوريا"..." لا يمكننا بالضرورة التركيز على الأسد بالطريقة التي فعلتها الإدارة السابقة". أما المتحدث باسم البيت الأبيض فقد ذكر في بيان صحفي أنه " فيما يتعلق بالأسد، هناك واقع سياسي علينا أن نقبله ....في ما يخص موقفنا الان ينبغي أن نركز الان على هزيمة تنظيم داعش". من الواضح ان هناك انسجام كامل في المواقف بين أركان الإدارة السياسية على الأقل وهو ما كان مفقودا أيام إدارة الرئيس أوباما، حيث كانت تصريحات السفيرة الامريكية سامنثا باور تخلف تصريحات وزير الخارجية كيري وخلاف أيضا بين البنتاغون والبيت الابيض. ولم يكن من المستغرب ان يتبع هذه التصريحات تصريحات منسجمة الى حد ما مع الموقف الأمريكي من قبل فرنسا وبريطانيا فالأمريكي هو المايسترو الذي يحدد النغمة والاغنية وعلى الأوروبيين أن يتبعوا خطواته في التانغو السياسي. فقد دعا وزير الخارجية الفرنسي الى "عدم التركيز فقط على مصير الرئيس السوري في إطار المساعي للتوصل الى تسوية في سوريا". أولا ما نود ان نؤكد عليه أن المسار الذي تنتهجه إدارة ترامب فيما يخص الرئيس الأسد ليس مغايرا لسياسة إدارة أوباما كما يحلو لبعض وسائل الاعلام الامريكية تصويره. فعلى سبيل المثال ذكرت صحيفة انترناشيونال بيزنس تايمز (31 مارس 2017) " ان الولايات المتحدة أعلنت تغيير في سياستها في سوريا ولم تعد تصر على رحيل الرئيس بشار الأسد" واعتبرت الصحيفة أن هذا يشكل " انحرافا واضحا عن موقف إدارة أوباما ومعاكس لسياسة الاتحاد الأوروبي وعلى أن الولايات المتحدة تتحرك الان للتركيز على محاربة تنظيم داعش". المتتبع لمواقف الإدارة الامريكية أثناء رئاسة أوباما يستطيع أن يرى التغيير في مواقفها منذ بدأ الازمة السورية عام 2011 الى ما قبل نهاية الإدارة. فالعبارة التي كان يطلقها أوباما وبكل وقاحة وعجرفة في بداية الاحداث من أن على الرئيس الأسد أن يرحل وعلى أنه فقد شرعيته وكأن الإدارة الامريكية هي من تعطي الشرعية أو تحرمها كما كان يفعل البابا "بصكوك الغفران والحرمان" في العصور الوسطى المظلمة في أوروبا. هذا الموقف للإدارة تبدل في النهاية للأسباب التي بات يدركها الجميع، الى "القبول" مكرهة ببقاء الأسد (ما زال الموقف متعجرف) وأن مصيره سيحدد من خلال المباحثات والانتخابات الحرة التي ستجرى حال انتهاء الازمة السورية وتكوين حكومة توافق وطني. إدارة أوباما أكرهت على تقبل الواقع الميداني والسياسي في سوريا في نهاية الامر. هذا الواقع الذي أفرزه الصمود الأسطوري للثالوث المقدس الشعب والجيش والقيادة في سوريا المدعوم من الحلفاء والأصدقاء المخلصين وعلى كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية. الإدارة السابقة أدركت هذا بعد فشل أدواتها وعملائها وجميع حثالة الأرض من الإرهابيين الذين جمعوا من أكثر من ثمانين دولة بحسب مصادر أجهزة الاستخبارات الغربية ومئات المليارات الخليجية التي دفعت لإسقاط الدولة السورية. والادارة الجديدة أخذت من حيث تركت إدارة أوباما فالمتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض أقر بان "هناك واقع سياسي علينا أن نقبله". الرئيس أوباما قال بأن أولوية ادارته هي محاربة داعش والسيد كيري قال " على السوريين أنفسهم أن يقرروا ماذا سيحدث للأسد. هم المفاوضون وهم من سيقرر مستقبل سوريا" ( AP 25 Jan 2016). وهذا بالضبط ما قاله وزير الخارجية الجديد تيليرسون في أنقرة. فأين هو الجديد الذي يطبل ويهلل له البعض؟ وبالتالي الامر لم يمثل "انحرافا واضحا" عن المسار الأخير للإدارة السابقة نهائيا والتي حاولت ومنذ البداية شخصنة الصراع وحصره في بقاء الرئيس الأسد أو تنحيه عن السلطة ضمن السياسة الخارجية للولايات المتحدة "تغيير الأنظمة" التي مورست على العلن منذ تولي بوش الابن للرئاسة. نقول علنا لان الدور القذر الذي لعبته الولايات المتحدة وأجهزة استخباراتها كان في السابق دورا "خفيا" أو دون الإعلان عنه على الملأ على الاقل. ولا نريد ان نستطرد هنا بل نقول على سبيل المثال اسقاط حكومة مصدق في خمسينات القرن الماضي في إيران واسقاط حكومة الليندي في تشيلي في بداية السبعينات وغيرهم كثيرون. الإدارة الجديدة أدركت أنها لا تستطيع أن تفعل في سوريا ما لم تستطع أن تفعله الإدارة السابقة وأن الولايات المتحدة لم يعد بإمكانها أو هي قد فقدت قدرتها على أن تقيم أنظمة وتقعد أخرى في المنطقة. وهو اعتراف رسمي على مضض طبعا بأن جميع الجهود التي بذلتها الدول الغربية في سوريا للإطاحة بالدولة السورية وتغيير النظام قد باءت بالفشل، الى جانب القبول بان هناك لاعبين أخرين في المنطقة لهم ثقلهم ووزنهم الفاعل ولا يمكن تجاوزهم كما كانت تفعل في السابق عندما كانت الساحة الإقليمية والدولية تسرح وتمرح بها الولايات المتحدة بلا منازع أو رادع. الإدارة الجديدة تأتي لتكملة مسار الإدارة القديمة وذلك بتعزيز موطىء قدم على الأرض السورية وبالتحديد في الشمال السوري حيث أقامت ما يقرب من ستة قواعد عسكرية في المناطق التي تسيطر عليها وحدة حماية الشعب الكردية الى جانب سعيها للسيطرة على الرقة في "حربها" على داعش وبالتالي اقتطاع جزء من شرقي سوريا ان أمكنها ذلك بالاعتماد على "قوات سوريا الديمقراطية" والتي في معظمها من وحدة حماية الشعب الكردية التي طعمت بقوات تركمانية وسريانية وعربية لتغطية الطابع الكردي المؤيد لأمريكا لهذه القوات. وهذه القوات كانت قد أنشأتها المخابرات المركزية الامريكية في أكتوبر عام 2015 في الشمال السوري بهدف تقطيع الوطن السوري. وقامت الإدارة الجديدة بزيادة ليس فقط المستشارين الأمريكيين في الأراضي السورية بل قامت بزيادة عدد القوات الخاصة من الجنود الأمريكيين أيضا في الشمال السوري الى جانب عملية إنزال لجنود المارينز حول مدينة الطبقة لتقديم الدعم لقوات سورية الديمقراطية هناك وقطع الطريق على تقدم الجيش السوري الى الرقة لتحريرها من داعش. الإدارة الجديدة وضعت في أولوياتها محاربة تنظيم داعش الإرهابي في الساحة السورية وقامت بإدخال الجنود الأمريكيين الى الأراضي السورية كما كان الحال مع الإدارة السابقة دون تنسيق مع الدولة السورية مما يشكل اعتداء على السيادة السورية وهذا أيضا استمرارية لسياسة الإدارة السابقة. إذا ما كانت الإدارة الجديدة عازمة على حد قولها على محاربة الارهاب في سوريا فمن الضروري أن تنسق مع الدولة السورية والجيش السوري القوة الفاعلة والذي أثبت قدرته على محاربة تنظيم داعش وأخواته من الإرهابيين على الساحة السورية وكذلك عدم الاكتفاء بالتنسيق السلبي مع القوات الروسية لتفادي عملية الاصطدام سواء في الجو أو على الأرض. اليوم وبدون مقدمات أو تقديم أدلة وبراهين ولا انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات حتى الأولية منها في حادثة بلدة خان شيخون تلصق تهمة استخدام الأسلحة الكيماوية بالجيش العربي السوري جزافا كما عهدنا في العديد من هذه المناسبات. وتتحرك قوى الظلام مجتمعة وعلى رأسها الولايات المتحدة التي أوجدت الإرهابيين وسلحتهم ومولتهم ودعمتهم على المستوى الدولي والإقليمي لتدين وتوجه أصابع الاتهام الى "النظام" السوري ويطالب "المجتمع الدولي" بعقد اجتماع عاجل لمجلس الامن الدولي لمناقشة الموضوع. وتنهال الاتهامات الباطلة على الجيش العربي السوري وتوبخ روسيا لدعمها للدولة السورية كل هذا دون تقديم أي دليل واحد ملموس. وتصل الوقاحة والعجرفة الى حد المطالبة بفتح المطارات السورية وتقديم أسماء طيارين المروحيات السورية وتهدد مندوبة الولايات المتحدة بأن بلادها ستقوم باتخاذ خطوات أحادية في حالة فشل مجلس الامن في اتخاذ قرار ضد سوريا وتتحدث عن تفعيل البند السابع. وتنضم الجوقة الإعلامية الامريكية كالعادة لتحرض على الدولة السورية وتقرع طبول الحرب والعدوان وتستحضر "الخط الأحمر" لأوباما وعجزه وتراجعه عن تنفيذ تهديده للدولة السورية. لماذا كل هذا الصراخ والعويل ورفض التأني وانتظار نتيجة التحقيقات قبل إطلاق الاتهامات التي لا تستند الى أي دليل مادي ملموس؟ السبب بسيط جدا. إنها ادلب معقل إرهابي جبهة النصرة التي ما زالت بعض القوى الإقليمية والغربية تحاول تحسين وجهها الإرهابي القبيح وقبولها كمعارضة "معتدلة". النصرة أصبحت مهددة بعد التقدم السريع الذي يحرزه الجيش العربي السوري وحلفاؤه على الأرض ومع توجيه الضربات الجوية المؤلمة في المنطقة من قبل الطيران السوري والروسي للتنظيم ومراكز قياداته ومخازن أسلحته ومن ضمنها الأسلحة الكيماوية التي يمتلكها ومصانع عمل القنابل والقذائف المشحونة بمواد وغازات كيماوية سامة كتلك التي تواجدت في شرقي حلب والتي رفضت الأمم المتحدة ارسال فريق متخصص للتحقيق بشأنها. الغرض الأساسي هو منع تقدم الجيش العربي السوري وحلفاؤه للقضاء على هذه البؤرة الإرهابية. الولايات المتحدة تسعى الى تحييد طيران الجيش العربي السوري عن المعركة مع الإرهابيين لما له من فعالية ميدانية. الولايات المتحدة تريد المحافظة على محافظة ادلب بيد الإرهابيين لإحداث مزيد من تمزيق الوطن السوري. على إدارة ترامب ان كانت "صادقة" في حربها على الارهاب أن تعي أن محاربة الارهاب يجب أن لا يقتصر على محاربة داعش بل يجب أن يشمل النصرة الموضوعة على لائحة الارهاب الدولية وكذلك كل التنظيمات التي تحارب تحت رايتها. وإذا ما كانت الإدارة الجديدة جادة في محاربة الارهاب فان عليها تجفيف منابع الارهاب الفكرية والمالية الاتية من دول الخليج العربي وخاصة تلك الاتية من السعودية وقطر والامارات. والمتتبع للأحداث لا يرى أي بادرة أمل في ذلك بل على العكس تماما. فها هي إدارة ترامب تتعهد برفع كل القيود الخاصة باحترام حقوق الانسان التي كانت تفرضها الإدارة السابقة على بعض دول الخليج كالبحرين كشرط لبيعها الأسلحة الامريكية. وتتعهد الإدارة بعدم وقف تزويد السعودية بالأسلحة وبجميع أنواعها التي تستخدمها في عدوانها على اليمن وما وصول دفعة جديدة نوعية من الأسلحة على متن أربعة طائرات أمريكية عملاقة الى مطار عدن الا تأكيد على ذلك. وما زالت هذه الدول تدعم وتسلح المجموعات الإرهابية في الأراضي السورية وهذا اتضح جليا عندما دخل الجيش السوري الى شرقي حلب بعد تحريرها من الإرهابيين. فمخازن الأسلحة المتنوعة كانت تكفي لجيش دولة قد دفع ثمنها من هذه الدول أما المواد التموينية التي كانت تكفي الى سنوات عدة كانت في معظمها من هذه الدول المارقة التي تحكم بحد السيف وتسحب الجنسية من المعارضين السلميين لأنظمة بائدة واصدار احكام بالسجن لسنوات خيالية بتهمة مخالفة ولي الامر وشيخ القبيلة بينما تطالب "بالديمقراطية" في سوريا. وان كانت الإدارة الجديدة عازمة على محاربة الارهاب فان عليها أن تضع الضغط على تركيا لإقفال حدودها بالكامل أمام دخول الإرهابيين وإدخال المساعدات والأسلحة الى الساحة السورية. ونعيد ونكرر إذا ما كانت الإدارة الجديدة عازمة على حد قولها على محاربة الارهاب في سوريا فمن الضروري أن تنسق مع الدولة السورية والجيش العربي السوري القوة الفاعلة والذي أثبت قدرته على محاربة تنظيم داعش وأخواته من الإرهابيين على الساحة السورية وكذلك عدم الاكتفاء بالتنسيق السلبي مع القوات الروسية لتفادي عملية الاصطدام سواء في الجو أو على الأرض. وأخيرا نؤكد ان رموز إدارة الرئيس ترامب تحدثوا عن تغيير في الأولويات وهذا كما أوضحنا له أسبابه. ولا شك ان الوقائع الميدانية هي التي فرضت تغيير الأولويات ولكنها لم تغير من طبيعة الاجندة الامريكية ولو تمكنت القوى المعادية للدولة السورية من تحقيق أية مكتسبات حقيقية يمكن صرفها سياسيا لرأينا تبدلا في الأولويات. وبالتالي لا يمكننا الرهان على هذه الإدارة التي وأن بدا للبعض أنها مختلفة شكلا الا أن المحتوى والمضمون يبقى واحدا لأنه ببساطة أن من يدير السياسة الخارجية للولايات المتحدة بشكل عام هي المؤسسة الامريكية وليس الرئيس. فكم من الوعود أطلقت أثناء الحملة الانتخابية لترامب ولكنه في النهاية رأى ان المؤسسة الامريكية لن تسمح له بذلك. وعاجلا أو آجلا سيدرك الاستنتاج المؤلم اما الرضوخ الى المؤسسة واما ان ينتهي كما انتهى الرئيس جون كيندي في مطلع الستينات. بالإضافة الى ذلك فقد اثبتت التجارب أن السياسة الخارجية الامريكية في الشرق الأوسط تحاك في الكيان الصهيوني واللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة وعلى رأسها منظمة AIPAC . سياسة الإدارة الجديدة في البيت الأبيض ما هي الا استمرارية لما كانت عليه الإدارة السابقة للرئيس أوباما ان لم تكن أكثر جرأة ومجاهرة ومغامرة لا تأبه بالنتائج أو الارتدادات وخاصة مع وجود الصقور من حوله وعشعشة المحافظين الجدد في المؤسسة الامريكية وتأثيرهم في السياسة الخارجية ونزعتهم العدوانية والمغامرة التي بدأت بالنمو منذ عهد الرئيس ريغان في ثمانينات القرن الماضي الى أن تمكنت من مفاصل القرار الأمريكي.