2024-03-28 03:47 م

قفازات السياسة وغربال العسكرة

2017-04-05
بقلم: علي قاسم
قد لا يكون طلب البنتاغون من التنظيمات الإرهابية المنضوية في سياق رعايته التوحد في كيان واحد جديداً بالمعنى الفعلي، فقد سبق للأميركيين أن أمضوا ست سنوات وهم يبحثون عبثاً عن توحيد ما سموه المعارضة، وفصلها عن باقي التنظيمات الإرهابية في التصنيف الأميركي،
لكن وصلوا إلى إدراك بأنها مجرد فانتازيا لا وجود لها في الواقع، وإن كان الطلب ليس خارج سياق التوجه والخطوات التي باشر بها البنتاغون مسبقاً، رغم الحديث عن وقف الإمدادات المالية لهم منذ أشهر، والتلويح بانتهاء عهد التراخي مع متطلبات الدور الوظيفي الذي ترسمه أميركا.‏
اللافت أنه يأتي في توقيت بدت فيه الأحاديث تتدحرج عن مقاربة أميركية مختلفة، وأن أهدافها أو بنك أجنداتها مغاير عما كانت عليه الإدارة السابقة، بما في ذلك الاعتراف والتسليم بالواقع السياسي في سورية، وهذا ما يثير الكثير من الجدل، رغم أنه لا يحتمل المزيد ولا يحتاج إلى التفصيل أو الشرح ولا التفسير في ظل المنحى التصاعدي للدور الأميركي، والانخراط المباشر في صياغة قواعد اشتباك إضافية على الأرض، سبق له غير مرة أن تهرب من الشروط الإضافية والاستطالات المرضية التي أنتجتها.‏
لسنا بوارد التسرع في تقديم الإجابات عن الكثير من الأسئلة المتأرجحة والمثارة بإلحاح، رغم المعطيات والقرائن الدامغة على الكثير منها، لكن من باب القراءة لمؤشرات السياسة الأميركية فإن ما يذهب إليه البنتاغون يبدو متناقضاً إلى حد التعارض مع توجهات وتصريحات الإدارة الأميركية وفي مقدمتها الرئيس ترامب، الذي تحدث أكثر من مرة عن أن إدارة أوباما دعمت مسلحين لا تعرف من هم على وجه التحديد، ولا تعرف توجههم ومن يخدمون، وهذا يكفي لإعادة إثارة المشهد من جوانب مختلفة بعيداً عن لغة التشكيك هنا أو التقليل من خطورته هناك.‏
فالمسألة ليست في خلافات وتناقضات تطفو على سطح المقاربة الأميركية بقدر ما تعكس إلى حد بعيد دوراً وظيفياً تستثمر فيه السياسة الأميركية حتى آخره، حيث ما يخطط له البنتاغون ليس بعيداً عن متناول ومعرفة وإدراك الخارجية الأميركية ولا البيت الأبيض، خصوصاً ما يتعلق بالخطوات التنفيذية، والأهم أنه يتسق إلى حد بعيد مع ما تحدثه من توازع للأدوار على الأرض، بما فيها تلك الناتجة عن استخدام جزء من مرتزقة لتنفيذ الأجندات الموضوعة.‏
وهذا يكفي لحسم الجدل في الكثير من الظواهر الخاطئة التي يرتكز الخطاب الأميركي عليها لتسويق مقاربته المشوبة بالكثير من التشكيك، حيث المسألة ليست في ازدواجية معايير، بل في تعدد مستويات ازدواجية الممارسة بين السياسة والميدان التي تجعل من أي خطوة أميركية مجردة من أي تأثير فعلي، ويصعب على أحد أن يأخذ بها على محمل الجد، أو أن يتعاطى مع التطورات تبعاً لما تنتجه من سياقات خادعة لا تعكس واقع الحال الأميركي، ولا حقيقة مقاربتها الفعلية وتكون في أغلب الأحيان فقاعة إعلامية بطابع إختباري ترسم على هوامشه ردود الفعل، أو تبني تحت ظلاله المتشابكة والمتعارضة ما يتوافق مع قفازات إدارة ترامب المستنسخة من الصورة النمطية الأميركية.‏
في عودة ترامب إلى ما بدأته إدارة أوباما الكثير من الأحجيات الفعلية، لكنها لا تحجب تفاصيل المشهد ولا التداعيات القائمة، ولا يمكن لها أن تخفي السياق الذي تسوّق عبره الدبلوماسية الأميركية مفردات ومصطلحات لا يمكن المحاججة بها أو إعادة التجريب على ما سبق أن يئست من الاشتغال عليه على مدى سنوات ست، لكنه قد يصلح ليكون القرينة الإضافية على أن إدارة الخراب والدمار لا تزال تخدم الاستراتيجية الأميركية، وأن إطالة أمد الحرب الإرهابية على سورية يتسق مع الأجندات الأميركية، حتى لو تغيرت أو تعدلت بعض معطيات بنك أهدافها، بانتظار الإعلان رسمياً عن تحالفات حروبها القادمة في المنطقة..!!.‏
بين قفازات السياسة وغربال العسكرة تتوازع إحداثيات المشهد الأميركي، وتترك ذلك الخيط المتهتك مفروداً على مداه، لتعود خرائط الاعتدال والتطرف كعناوين إضافية تصلح لمشهد الخلط المتعمد، حيث ما تبرزه السياسة من انقشاعات تدحضه العسكرة وتلفظه حسابات البنتاغون من معادلاته، وربما من مؤشرات خططه ومشاريعه، وما تعوّل عليه مبارزات البنتاغون، يبدو عبئاً ثقيلاً على الدبلوماسية الأميركية يصعب تحمله ومن السابق لأوانه الجزم بمقدرتها على هضم تداعياته وانعكاساته..!!.‏
عن "الثورة" السورية