2024-04-19 09:52 م

الرئيس ترامب والبقرة الحلوب

2017-03-31
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
أثناء حملته الانتخابية للرئاسة أكد ترامب على أن الدول الخليجية وبالتحديد السعودية أن تدفع أموالا للولايات المتحدة مقابل الحماية التي تؤمنها لهم للبقاء في عروشهم ومملكاتهم. وقام بكل وقاحة بوصف السعودية " بالبقرة الحلوب التي تدر ذهبا ودولارات بحسب الطلب الأمريكي" وطالب العائلة السعودية بدفع ثلاثة أرباع ثروة السعودية كبدل عن الحماية التي تقدمها القوات الامريكية لآل سعود داخليا وخارجيا. واعتبر ترامب أن آل سعود يشكلون البقرة الحلوب لبلاده ومتى جف ضرع هذه البقرة ولم يعد يعطي الدولارات والذهب عند ذلك نأمر بذبحها. وفي مجال الارهاب ومسؤولية النظام السعودي في نشر الفكر الوهابي التكفيري خاطب ترامب المرشح للرئاسة عندئذ آل سعود قائلا " لا تعتقدوا ان المجموعات الوهابية التي خلقتموها في بلدان العالم وطلبتم منها نشر الظلام والوحشية وذبح الانسان وتدمير الحياة ستقف الى جانبكم وتحميكم فهؤلاء لا مكان لها في كل مكان من الأرض الا في حضنكم وتحت ظل حكمكم لهذا سيأتون اليكم من كل مكان وسينقلبون عليكم ويومها يقومون بأكلكم". بالرغم من كل هذه الاهانات والتحقير لآل سعدو من قبل ترامب كان الملك سلمان بن عبد العزيز من أول المهنئين للرئيس لأنه يدرك تماما أن بقاءه كما هو بقاء آل سعود مرهون بالدعم والحماية الامريكية وصدق ترامب الذي صرح في مقابلة مع قناة "أن بي سي" عندما قال عن السعودية "لولانا لما وجدت وما كان لها أن تبقى". وإن كان هذا لا يكفي فقد قام بإرسال ابنه (أو الذي استدعى من قبل سيده الجديد في البيت الأبيض) الذي يتم تحضيره للاستيلاء على الحكم بعد والده وقطع الطريق عن ولي العهد كما يتضح من الزيارات والمهمات التي يقوم بها هذا الابن المغامر والمتعطش للقوة والثروة والسلطة دون الاخذ بعين الاعتبار للتقاليد التي حكمت مملكة الارهاب منذ قيامها في ثلاثينيات القرن الماضي بالسيف والدماء. في هذه الزيارة تم الاتفاق على أن يقوم آل سعود بدفع 200 مليار دولار للمساهمة في بناء البنى التحتية المتآكلة والمنهارة في الولايات المتحدة الى جانب الاستثمارات في بعض القطاعات التي من شأنها أن تساهم في دفع الاقتصاد الأمريكي. والذي يبدو أن هذا كان جزء من الثمن التي وجب على آل سعود دفعه لضمان حمايتهم ووجودهم وللإبقاء على عرشهم وبقاء الدعم السياسي لهم في المحافل الدولية واعطاءهم مزيد من الوقت في حربهم المجرمة على اليمن على أمل أن يتحقق حلم ابليس في الجنة والحصول على استسلام الشعب اليمني. الدفعة الجديدة الإضافية للجزية التي ستدفع لسيد البيت الأبيض تأتي على الرغم من الضائقة المالية التي تعانيها السعودية لإهدار المليارات على حربها بالوكالة في سوريا وبتدخلها العسكري المباشر في اليمن الى جانب الانخفاض الحاد في إيرادات النفط بسبب انخفاض أسعار البترول في الأسواق العالمية التي كانت السعودية وراءه أملا في ضرب الاقتصاد الروسي والإيراني واستخدام ذلك كورقة ضغط سياسي على روسيا بالتحديد والعمل على تغيير مساندتها الى الدولة السورية، بالإضافة الى ضرب دورها على الساحة الدولية الاخذ في التنامي الى الدرجة التي أصبح يؤرق مضاجع الولايات المتحدة التي صالت وجالت في العالم دون رادع منذ مطلع تسعينات القرن الماضي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك جمهورياته والمنظومة الاشتراكية. السعودية ارادت أن تلعب نفس الدور القذر الذي لعبته في منتصف الثمانينات خدمة لأسيادها في البيت الابيض والذي لعب دورا أساسيا في عملية الانهيار للاتحاد السوفياتي. ولكن هذه المرة انقلب السحر على الساحر وانخفضت إيرادات آل سعود من النفط بشكل حاد مما أضطرهم الى مد اليد على الصناديق السيادية لأول مرة في تأريخهم الأسود وبلغ العجز في الميزانية الى ما يقرب من 140 مليار دولار أمريكي ان لم يكن أكثر من ذلك. تعبير البقرة الحلوب الذي أطلقه ترامب على السعودية ليس بالجديد فلقد سبق وأن استخدمه نائب رئيس أحد الشركات التي أرسلت الى السعودية عام 1973 بهدف "تحديث" السعودية ونقل البلد من العصور الوسطى الى دولة حديثة باستخدام شركات أمريكية حصرا في جميع المجالات لبناء بنية تحية متكاملة لبلد لم تكن تملك حتى الوسائل لجمع القمامة التي كانت ترمى بالشوارع حتى في وسط الرياض وتترك لتأكلها الأغنام كما جاء في "Confession of an Economic Hitman" للكاتب جون بيركنز وهو أحد الذين ساهموا في وضع المخططات لبناء هذه البنية التحتية. عملية نهب الإيرادات النفطية السعودية وتأبيد تبعيتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية والإدارية بدأت بشكل مكثف عام 1973 بعد الحظر النفطي السعودي ضد الولايات المتحدة وأوروبا على أثر حرب اكتوبر. شكل هذا الحظر وتداعياته على الاقتصاد الأمريكي نقطة تحول في السياسية الخارجية الامريكية تجاه السعودية حيث أدركت الولايات المتحدة أن السعودية بدأت تلعب دورا على الساحة العالمية وكذلك الأهمية الاستراتيجية للمملكة للاقتصاد الأمريكي. ومن هنا دأبت الولايات المتحدة مباشرة بعد انتهاء حرب أكتوبر بفتح مباحثات مع السعودية كانت تهدف الى تحقيق هدفين أساسيين: أولهما هو ضمان تدفق البترول الى الأسواق العالمية بأسعار مناسبة لإقتصاديات الدول الغربية وعلى أن تعمل السعودية على زيادة انتاجها من النفط وضخه الى هذه الاسواق في حالة ما إذا قامت دولة أو دول منتجة للنفط بعملية حظر نفطي جديد لاي سبب من الأسباب وثانيا العمل على عودة الجزء الأكبر من الإيرادات المالية النفطية الى أمريكا لشراء السندات وايداعات في البنوك الامريكية الى جانب استثمارات في قطاعات اقتصادية أمريكية الى جانب شراء الأسلحة الامريكية. بمعنى تدوير العائدات النفطية الى جيوب الاحتكارات الامريكية. وفي مقابل ذلك تقوم الولايات المتحدة بتقديم الدعم الكامل لآل سعود وحمايتهم الشخصية وضمان بقاءهم في السلطة في السعودية وتقديم كل الدعم السياسي لهم في المحافل الدولية. هذا بالإضافة الى التدخل العسكري المباشر إذا اقتضت الضرورة لحماية المملكة من أي تهديد أو عدوان خارجي أو أية أخطار داخلية تهدد حكمهم للبلاد. الى جانب ذلك تقوم الولايات المتحدة ومن خلال وزارة المالية الامريكية بالإشراف الكامل على ابرام العقود بين شركات أمريكية والسعودية في جميع المجالات لبناء بنية تحتية للسعودية في مجالات عدة من محطات لتوليد الطاقة الكهربائية الى محطات لتحلية المياه الى شبكات طرق وجسور وشبكات أنابيب بترول، وشبكات الاتصالات، وبناء المطارات والموانىء والمدارس والمستشفيات، وقطاع لتقديم الخدمات، ومجمعات سكنية للأيدي العاملة المستوردة من الخارج الى جانب الطواقم الهندسية والفنية والخبراء الأمريكيين ورجال الاعمال والشركات الامريكية التي ستقوم بالإشراف على تحويل السعودية الى دولة حديثة!!!! . وهذا يذكرنا بقول الشاعر نزار قباني "لبسنا ثوب الحضارة والروح جاهلية". الى جانب كل ذلك بيع السعودية أسلحة خفيفة وثقيلة وارسال المدربين والمستشارين العسكريين وابرام عقود الصيانة لمدة تصل الى خمسة وعشرون سنة قابلة للتجديد. بمعنى أن الولايات المتحدة أخذت على عاتقها بناء دولة سعودية بالمنظور والنمط الأمريكي بأموال طائلة سعودية من خلال شركات أمريكية حصرا كوسيلة لتدوير معظم العائدات المالية النفطية الى الولايات المتحدة بالإضافة الى جعل السعودية معتمدة كلية على الولايات المتحدة من الألف الى الياء. المستغرب في كل الاتفاقيات والذي لا يستطيع الانسان استيعابه لغرابته أن كل الأرباح التي تحققها السندات التي من المفترض أن تكون ملك السعودية ستبقى في الخزينة الامريكية وتقوم وزارة المالية الامريكية التصرف بها بما ترتئيه للعمل في السعودية فهي تقوم باستئجار الشركات والخبراء الأمريكيين كما يحلو لها وتوكلهم بالعمل في مشاريع في السعودية التي تعتبرها ضرورية. بالإضافة الى أن كل هذا يتم بمعزل عن الكونغرس ولا يحق له المسألة أو التدخل بالامر. بمعنى ان الأموال السعودية ستبقى رهينة الخزانة الامريكية ولا يحق للسعودية التصرف بها الى الابد. وتجدر الإشارة هنا الى أنه وفي عهد أوباما عندما أثيرت مناقشة تفعيل قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" أو ما يعرف بقانون "جاستا" الأمريكي في الكونغرس وذلك لرفع الدعاوي على السعودية من قبل أهالي اللذين قضوا نحبهم في العملية الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر(2001) وتحميلها المسؤولية عن الحادث المروع، عندها هددت السعودية وتوعدت بسحب احتياطات مالية واستثمارات وبيع السندات تصل الى ما يقرب من 700 مليار دولار. عندها أوعزت الولايات المتحدة أنه وبحسب القانون الأمريكي يحق للرئيس أن يجمد أرصدة دول أو مستثمرين (بمعنى الاستيلاء عليها بالمعنى القانوني) إذا ما رأى ان سحبها قد يهدد الامن القومي الأمريكي. وكان هذا تهديد مبطن للسعودية فيما إذا ما أقدمت أو فكرت على اتخاذ اية خطوة في هذا الاتجاه. والان ها هو الكونغرس وقد أجاز تفعيل قانون "جاستا" ولن يتواجد أوباما ليستخدم حق النقض "الفيتو" ضد القرار، وتمت اجازته بعد يوم من انتهاء زيارة ولي ولي العهد السعودي وتقديم مراسيم الولاء والطاعة للإدارة الجديدة فماذا سيفعل آل سعود الان؟ ولماذا لم نسمع التهديدات السابقة؟ هنالك العديد من العائلات قد رفعت الدعاوى على السعودية بالإضافة الى العديد من الشركات الامريكية التي تدعي انها تضررت بفعل الحادي عشر من سبتمبر ويطالبون بتعويض قد يصل الى ثلاثة مليارات دولار. ولا شك أن الإدارة الامريكية ستتخذ هذا ذريعة لمزيد من حلب السعودية فأغلب الظن أن تقوم الإدارة الامريكية بعمل صفقة خارج الإطار القانوني والقضائي تقوم بها السعودية بدفع التعويضات بالمليارات كما سبق وأن دفع القذافي في حادثة لوكربي. وفي النهاية نقول انه طالما بقيت السعودية البقرة الحلوب التي يدر ضرعها الدولارات والذهب للولايات المتحدة فان آل سعود سيبقون تحت الحماية الامريكية وسيحظون بدعم الإدارة الامريكية وعندما يجف ضرعها سيذبحون كما قال السيد ترامب. وهذه حقيقة يعرفها أصدقاء أمريكا وأعدائها وعلى رأسهم آل سعود.