2024-03-28 11:29 ص

قراءة في العدوان الأخير على سوريا من قبل الكيان الصهيوني

2017-03-24
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني 
ما زالت ردود الفعل والتحليلات تتوالى على الغارات التي نفذتها أربعة طائرات إسرائيلية في عمق الأراضي السورية في محيط مدينة تدمر وتصدي منظومة الدفاعات الجوية السورية بإطلاق ثلاثة صواريخ أرض جو على الطائرات مسقطة طائرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة واصابة أحدها مع أن المصادر الحكومية للكيان الصهيوني لم تعترف بذلك. هذا الاهتمام الإعلامي الذي فاق المعتاد يأتي على خلفية نوعية الجغرافية السورية التي استهدفت بالإضافة الى نوعية الرد السوري. لأول مرة منذ بدء الحرب على سوريا تقوم الطائرات الإسرائيلية بضرب مواقع الجيش في العمق السوري في المنطقة التي يحارب فيها الجيش السوري تنظيم داعش الإرهابي مما طرح العديد من التساؤلات عن فحوى وأهداف هذا الاستهداف حيث أن معظم الإستهدافات الإسرائيلية ولغاية الان كانت تتمحور على المناطق الحدودية في الجولان المحتل لدعم المجموعات الإرهابية في تلك المنطقة على أمل إقامة شريط حدودي تسيطر عليه هذه المجموعات على غرار جيش لحد جنوبي لبنان. وبالتالي وبغض النظر عن الادعاءات الإسرائيلية عن سبب هذا الاعتداء السافر فانه لا يمكن رؤيته الا أنه دعم واضح لتنظيم داعش الإرهابي لأنه هو المستفيد في تلك المنطقة وخاصة وأن التنظيم أصبح في وضع لا يحسد عليه سواء في سوريا أو في العراق. ولكن بالتأكيد ان هذه نظرة ضيقة للغاية فالدور الإسرائيلي في الساحة السورية والاعتداءات بين الحين والأخر وان بدا للبعض على أنه دور منفرد وربما انتهازي، الا أنه يجب أن ينظر اليه ضمن الدائرة الأكبر والأشمل وهي المخططات والاستراتيجية الامريكية في المنطقة ككل وليس حصرا بسوريا، بالضبط كما كان الحال عندما شنت إسرائيل عدوانها على لبنان عام 2006 بهدف ضرب المقاومة اللبنانية والتي كانت حربا أمريكية بالوكالة. ولا بد هنا للإشارة الى المناخ العام على الساحة السورية وربما للمنطقة التي تم فيها هذا الاعتداء السافر والتعدي على سيادة الدولة السورية ووحدة أراضيها. أن التصعيد من قبل الكيان الصهيوني الأخير يأتي متزامنا مع الانجازات الكبيرة والمتسارعة التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه على الأرض في الفترة الزمنية القصيرة وذلك بعد تحرير حلب. كما ويأتي أيضا في الفترة التي يتم الحديث فيها عن تأكيد وجود تحالف خليجي بزعامة السعودية وإسرائيل وتركيا تحت المظلة الامريكية وبتدخل مباشر من قبل قوات هذه الدول في الحرب الكونية الدائرة على الأراضي السورية الى جانب المجموعات الإرهابية المدعومة من هذه الأطراف، تحت حجة محاربة الارهاب في سوريا. فعمليات الانزال قبل أيام معدودة لما يقرب من 500 عنصر من قوات المارينز الامريكية حول الطبقة في سوريا والقريبة من الرقة المعقل الرئيس لتنظيم داعش انما تأتي ضمن محاولة قطع الطريق على تقدم الجيش العربي السوري لتحرير الرقة. ولقد سبق هذا الانزال ومنذ فترة بسيطة بضعة مئات من الجنود الأمريكيين بعتادهم الكامل واليات العسكرية الى منبج وذلك لمنع دخول قوات الجيش السوري من دخولها بعد الاتفاق مع الاكراد في تلك المدينة. وأتت هذه الغارات متزامنة مع الهجمات المكثفة وبأعداد كبيرة للمجموعات الإرهابية المدعومة من تركيا وقطر والسعودية وعلى عدة محاور وعلى امتداد رقعة جغرافية واسعة للأراضي السورية بهدف تبديد الجهود العسكرية للجيش العربي السوري وحلفاؤه على الأرض واستنزاف قدراتهم القتالية. فجأة أوقفت المجموعات الإرهابية الاقتتال فيما بينها وتوحدت جهودها في قتال الجيش العربي السوري وحلفاؤه على عدة محاور فكانت أن تجدد الاقتتال الشرس على جبهة جوبر والقابون القريبة من العاصمة دمشق كما أن هنالك اشتباكات عنيفة في شمال حماة وهنالك أخبار عن التحضير لشن هجمات على منطقة اللاذقية وجسر الشغور. ونحن نتحدث هنا عن أعداد كبيرة للمجموعات الإرهابية التي على ما يبدو أنها زودت بالعتاد والمال كما هو الحال لفيلق الرحمان الذي تسلم خمسة ملايين دولار من غرفة عمليات الموك حديثا لتفعيل الجبهة الجنوبية. هذا النشاط المكثف للمجموعات الإرهابية من النصرة وأحرار الشام وهيئة تحرير الشام وجيش الإسلام وبقايا الجيش الحر يطرح العديد من التساؤلات عن أهداف الدول المحركة والداعمة لهذه المجموعات الإرهابية وخاصة تركيا والسعودية. ويجب أن لا ننسى أن كل هذه الهجمات تأتي ونحن على أبواب مؤتمر جنيف الذي من المفترض أن يناقش الحرب على الارهاب وهو ما تصر عليه الدولة السورية الى جانب الحل السياسي بما يتضمن الانتخابات والدستور وتشكيل الحكومة التي تشرف على الانتخابات. ونحن لا نرى كيف سيتم مناقشة الحل السياسي وما هي الفائدة من ذلك قبل ان يتم القضاء على الارهاب على الأراضي السورية وعلى ضرورة تضافر الجهود لتحقيق هذا الغرض. بعض المجموعات المسلحة التي حضرت اجتماعات الآستانة ها هي تقاتل الى جانب النصرة القاعدية والمصنفة دوليا على أنها منظمة إرهابية فكيف يكون ذلك وما هي جدوى هذه المؤتمرات؟ من الواضح ان الدول المحركة لهذه المجموعات الإرهابية لا تؤمن بالحل السياسي ومن ثم أوعزت للمجموعات الإرهابية التي تدعمها أن تصعد من عملياتها ضد الجيش العربي السوري وحلفاؤه لتوظف اية مكتسبات على الأرض على طاولة المفاوضات ان تم ذلك. هذه القوى لم تتعظ على ما يبدو مما حصل في حلب وهي ما زالت مصرة على "اسقاط النظام" في سوريا مثلها مثل الولايات المتحدة. ومن هنا نرى تضافر وتكامل الدور الاسرائيلي مع هذه الطروحات والجهود في عمليات التصعيد العسكري على أمل تحقيق شيء على الأرض. من الواضح أن التصعيد هو سيد الموقف حاليا وعلى أن الوقائع على الأرض هي التي ستحدد سوريا المستقبل ومسار العملية السلمية وليس مؤتمرات جنيف أو الاستانة وخاصة وأن تركيا وهي الدولة الضامنة لهذه المجموعات الإرهابية وما زالت تراهن عليها لتحقيق بعض المكاسب عندما يأتي الحل في سوريا. تعامل الدفاعات الجوية السورية مع الطائرات الإسرائيلية المعتدية وذلك بإطلاق الصواريخ عليها تؤكد على أمرين بالتحديد أولهما أن سوريا تمتلك من المنظومات الصاروخية الدفاعية الاستراتيجية القادرة على التصدي وبشكل فعال للطيران الإسرائيلي الذي اعتقد ولفترة طويلة ان باستطاعته التحليق في الأجواء السورية دون رادع أو دفع ثمن ذلك. هذا بالإضافة ان هنالك قرار سياسي سوري بالرد على هذه الغطرسة والعنجهية الإسرائيلية. وثانيا أن قوانين اللعبة قد تغيرت كلية فمن الان وصاعدا على إسرائيل أن تحسب حساباتها لأي اعتداء جديد لان الجيش العربي السوري وان كان مشغولا بقتال المجموعات الإرهابية وعلى امتداد الجغرافية السورية فان هذا لن يشكل عائقا له بالرد وبقوة على هذه الخروقات الإسرائيلية. بالإضافة الى هذا فان الدولة السورية وحلفاؤها على الأرض بهذا الرد الحاسم فانهم يريدون توجيه رسالة واضحة الى الحلف المعادي الإسرائيلي السعودي التركي والامريكي أننا جاهزون لأي تصعيد مهما كانت خطورته أو حجمه وبالتالي فان احتمال اندلاع حرب شاملة في المنطقة يبقى مفتوحا. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا الى أي مدى يريد المحور المعادي أن يذهب في عدوانه على الدولة السورية مع تواجد فعلي على الأرض لقوات أمريكية وتركية واحتمال ان ترسل الدول الخليجية أيضا قوات على الأرض وهو ما أثاره وزير الخارجية السابق كيري وعندها صرحت السعودية الغارقة في المستنقع اليمني على انها على استعداد لإرسال قوة عسكرية سعودية "لمحاربة" داعش في الأراضي السورية على ان تكون هذه القوات ضمن قوات التحالف الدولي الذي تترأسه الولايات المتحدة. الحرب الكونية على سوريا مرشحة من الانتقال من حرب بالوكالة الى حرب تقودها دول العدوان بجيوشها على الأرض وهنالك بوادر على الأرض، وهذا الاحتمال قائم ولا يجب التقليل من شأنه. الاحتكاك سواء على الأرض أو الأجواء الذي ولغاية الان يسير بإيقاع منضبط الى حد ما قد يولد في لحظة ما بشكل مقصود أو غير مقصود الشرارة التي ستشعل الحرب على كافة الجبهات والذهاب الى المجهول. السيد ليبرمان وزير الحرب للكيان الصهيوني بعد حادثة التصدي للعربدة الإسرائيلية ووصول صاروخ سوري الى داخل فلسطين المحتلة مما استدعى تشغيل منظومة صواريخ السهم الإسرائيلية التي تصدت لأحدى الصواريخ السورية وسقوط بقايا الصاروخ الإسرائيلي في منطقة الاغوار الأردنية مما اثار ذعر المستوطنات اليهودية في تلك المنطقة هدد بتدمير أنظمة الدفاع الجوية السورية في حال اعتراضها لطائرات إسرائيلية. هذا التهديد الذي أطلق للاستهلاك المحلي ولطمأنة الجمهور الصهيوني لن يثني عزيمة الدولة السورية في التصدي. إسرائيل ارادت ان تختبر جدية الارادة السياسية والعسكرية السورية بإرسال طائرة بدون طيار في منطقة الجولان المحتل فقامت وسائل الدفاع الجوية السورية بإسقاطها. الرد الروسي على ما فعلته إسرائيل كان باستدعاء السفير الإسرائيلي في موسكو الذي سمع بحسب السيد الجعفري ممثل سوريا في الأمم المتحدة من أنه سمع كلام "من قاع الدست" بمعنى ان كان الى حد كبير تهديدا واضحا للكيان الصهيوني بهذا الخصوص. على كل حال نقول إن ما فعلته أو ما ستفعله إسرائيل لن يكون الا ضمن الدور المرسوم اليها من قبل الإدارة الامريكية ولا يخرج عن الاستراتيجية الامريكية في المنطقة ككل وان بدا للبعض أن إسرائيل تتصرف بشكل فردي هكذا يجب أن تفهم الأمور.