2024-04-16 08:04 م

باسل الأعرج: الفدائي الكامل

2017-03-20
بقلم: سيف دعنا
* "في يوم من الأيام، جاءوا وسألونا عمن ينبغي إبلاغه في حال وفاتنا، وحقيقة إمكانية حدوث ذلك صعقتنا جميعا. لكننا أدركنا لاحقاً أنها حقيقة، وأنه في الثورة الحقيقية أنت تنتصر أو تموت".
من رسالة تشي غيفارا في وداع فيديل كاسترو

* "هجم بهم العلم على حقائق الأمور، فباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعَره المترفون، وأنِسوا بما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى".
الإمام علي بن أبي طالب

"تشي غيفارا هو الإنسان الأكثر كمالاً في عصرنا"، ليست عبارة تبجيل أو مديح أو حتى رثاء بليغ صادر عن أحد أهم مفكري أوروبا في القرن العشرين لأحد أعظم المناضلين الأمميين الذين عرفهم العالم على الإطلاق. "الإنسان الكامل" هو توصيف فلسفي لنموذج فريد جداً من الثوار الذين عرفتهم الإنسانية.

فـ تشي غيفارا، يقول جان بول سارتر، "كان مقاتلاً ومُنَظِّراً"، ولم يكن مقاتلاً فقط (أو حتى مقاتلاً عادياً)، أو منظراً فقط (أو حتى منظراً عادياً)، ألهمت تجربته الثورية واشتباكه المباشر النظريات الثورية التي طورها وانتصر بها وتركها لنا من بعده. و"الإنسان الكامل" كمفهوم، وكرؤية فلسفية لدور الفرد في التاريخ، ما كان ليصدر حينها إلا من جان بول سارتر تحديداً (ربما من مارتن هايدغر أيضاً، لكن، وبالتأكيد، ليس من لويس ألتوسير)، ولم يكن ليصدر كذلك إلا في توصيف تشي غيفارا بالذات. فهو يختصر خلاصة مسيرة وعمل ونضال الفيلسوف الوجودي-الماركسي الأهم في مفردة مكثفة جداً تختصر أيضاً تجربة الثائر الجنوبي الأهم في العصر الحديث. فكل مساهمات سارتر الفلسفية والنظرية وحتى الأدبية التي ساهمت في تغيير رؤيتنا للعالم، وكل نشاطه السياسي الطويل واشتباكه المباشر مع السلطة، تجسدت له في تجربة ثائر واحد حينها هو تشي غيفارا.
صحيح أن الثائر الجنوبي الفذ مكّن الفيلسوف الفرنسي حينها من تلخيص، وربما حتى إدراك، جوهر مشروعه الفكري الذي زاوج بين الوجودية والماركسية ونقاشه للحرية الفردية والمسؤولية الاجتماعية وتجربته الطويلة كناشط سياسي بعبارة واحدة: "تشي غيفارا هو الإنسان الكامل". لكن، في عبارة سارتر، الذي يحتل مكانة مهمة جداً ومميزة جداً بين مفكري وفلاسفة أوروبا في القرن العشرين (قارنه شارل ديغول بفولتير حين أمر بالإفراج عنه من الاعتقال) نوع من الحسد والاعتراف الواضح بأن هذه المكانة العظيمة جداً، رغم ذلك، تبهت جداً جداً أمام تجربة ثائر من الجنوب بقامة تشي غيفارا. ففي الوقت الذي كان سارتر يكتب عن الأدب المشتبك والكاتب المشتبك في نصه العبقري "ما الأدب؟"، كان تشي غيفارا يحمل بندقيته ورصاصه ودفتر ملاحظاته أيضاً ويتنقل بها بين الجبال والوديان والغابات من معركة إلى معركة ومن بلد إلى بلد ومن قارة إلى قارة.
لكن فكرة "الإنسان الكامل" ليست جديدة، وفي الحقيقة ليست أوروبية المنشأ على الإطلاق، برغم أنها كانت ولا تزال تكتسب معنى مختلفاً في كل حقبة وكل مكان وبحسب المرجعية الفكرية. وبرغم أن التأريخ للفكرة يسبق الحضارة العربية والإسلامية (المعتقدات الإيرانية الأبستاقية، مساهمات العصر الهيليني، المانوية، المعتقدات السامية المسيحية – انظر هيثم مناع "الإنسان الكامل في الثقافة العربية") إلا أن تاريخنا يتضمن سرديات جاهزة لفكرة "الإنسان الكامل" وهي أساساً على علاقة بـ "الحقيقة المحمدية" ("قطب الأرواح وروح الموجودات" النبي محمد، كما يذكر في بعض الفكر الصوفي). والفكرة تتمحور أساساً حول تصور فلسفي للإنسان ومكانته ووظيفته الكونية، وهوما يستتبع إما إيماناً بحرية الإنسان ومساواة بين البشر أو عبودية وخضوع ولا مساواة ـ لم يكن بلا معنى، إذن، اقتباس الشهيد باسل للإمام الحسين في رسالته من سجون سلطة عباس: "ألا أن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة".
وفي السرديات العربية الإسلامية تكتسب الفكرة معاني مختلفة في الزمان والمكان (وتأثير المرجعيات الفلسفية أحياناً) برغم تأويل الكثير منها لذات المصادر في أحيان كثيرة (سورة الإسراء: آية