2024-03-28 10:48 م

الغرب وصنوق الارهاب الاسود

2017-03-15
بقلم: علي قاسم 
لم يكن موقف الدول الغربية في مجلس الأمن الذي حال دون إصدار المجلس لمجرد بيان رئاسي يدين ما حصل من عمل إرهابي في دمشق، لم يكن، خارج سياق المتوقع بالمعنى الفعلي، وإن كان كافياً ليعيد طرح الكثير من الأسئلة المؤجلة حول العلاقة التي تربط تلك الدول بالإرهاب من جهة،  والأسباب والمبررات الحقيقية لذلك الموقف الذي يجهض مهمة مجلس الأمن في الحد الأدنى من جهة ثانية، خصوصاً أن الجريمة الإرهابية ليست حدثاً منفصلاً عن كل ما تشهده المنطقة وسورية على وجه التحديد.‏  فالواضح أن الصندوق الأسود الذي يحفظ كل أسرار العلاقة الغربية بالإرهاب ومنتجاته، وما أفرزته من تنظيمات وما استنسخته من أسماء وهيئات وأشباه هيئات، لا يزال على حاله، ولم تسمح جميع المتغيرات الدولية وكل التطورات المتسارعة، ومختلف الجرائم الشنيعة التي يرتكبها الإرهاب في إخراج ما فيه أو في الحد الأدنى الإضاءة على بعض ما فيه، رغم أنه بالأدلة والقرائن بات معروفاً للجميع، وربما لم يكن الأمر يحتاج إلى هذا الموقف كي يتيقن الجميع من ذلك.‏  الأهم، أن ما بات مطروحاً لم يعد يقتصر فقط على الأسباب والموجبات والعوامل التي تحول دون ذلك، حيث ثبت بالفعل أن ما يجري يأخذ سياقاً مختلفاً أبعد من حدود البحث في أحجيات تلك العلاقة.. وصولاً إلى الرسائل المتعددة التي أرادت أميركا ومن معها في الغرب وما بعده في تسطيرها سياسياً بعد أن باتت المنظومة الأخلاقية موضع تساؤل مرير على مختلف الأصعدة، وفقدت إلى حد بعيد كل مبررات التعويل عليها ومنذ زمن بعيد.‏  فتوقيت الموقف والحدث كانا كافيين لحسم ما تبقى من أوهام حول هذه المسألة، وأن الانهيار المريع فيها لا يعود فقط إلى الحالة الوظيفية التي تعتمدها في العلاقة مع الإرهاب، بل هي أيضا جزء من سياق مشهد غربي يريد أن يتعمد الإبقاء على تلك العلاقة داخل الصندوق ذاته، مع إحكام مطبق للإغلاق وبحيث تكون أي محاولة لكشف ما بداخله أو لمعرفة ما يجري في كواليس المشهد الغربي غير قادرة على تعديل المشهد.‏  الأخطر ما يتم تداوله في نطاق الدفاع عن الموقف أو لتبرير ما يصعب تبريره، فيما الأسباب والدوافع التي قدمت تبدو أكثر إدانة للموقف، خصوصاً حين تأتي في سياق يدرك الغرب- قبل غيره- أنه لا يمكن تبريره ولا تصح معه المحاججة تحت أي عنوان كان، وأن العمل الإرهابي لا مصلحة لأحد بالتستر عليه، أو حماية مرتكبيه، أو محاولة التغطية على داعميه، أو من أجل عدم إحراج مشغليه، لأنه حين يستهدف المدنيين وتكون غايته إيقاع أكبر قدر منهم يصبح خطراً على الجميع وليس هناك من هو بمأمن منه.‏  الأهم أن هذا الموقف لن يضيف الكثير إلى الحصيلة النهائية، فحتى لو وافق الغرب على البيان الرئاسي وأدان العمل الإرهابي لن يغير شيئاً في واقع الأمر، ولا يشكل تحت أي عنوان جاء أو ما يمكن اعتباره إضافة من أي مستوى، باعتبار أن المسألة لا تتعلق بإدانة لا تقدم ولا تؤخر، بل بمضمون الرسالة التي يريد الغرب أن يقدمها داخل مشهد لم يعد يتسع للمزيد من فائض النفاق الغربي على وقع الكثير من تجارب باتت أمام مجهر المجتمع الدولي.‏  فإدانة لفظية حتى لو كانت على مستوى وثيقة ذات طابع معنوي تبقى دون أي تأثير ما دام الرهان الغربي قائماً على الحالة الوظيفية للإرهاب، التي تشكل جوهر العلاقة القائمة، وربما جوهر أسرار الصندوق الأسود للإرهاب الذي يحتوي على الكتلة الصلبة من المعطيات الفاضحة لتلك العلاقة، وهي تشكل في نهاية المطاف المضمون الحقيقي للممارسات الغربية بمستوياتها المختلفة.‏  وبالتالي لم نعد أمام حالة استثنائية أو موقف لا يعكس الواقع، بل أمام الحقيقة التي شكلت في الدور والمنحى الحدث الفعلي لكثير من التطورات التي نشهدها، بحيث تبدو أي محاكاة خارج ذاك الإطار مجردة من أي دلالة أو معنى، بحكم ما بات أمراً واقعاً في العلاقة المشبوهة للغرب بذلك المنتج الذي تدفع البشرية ثمناً باهظاً له، والذي يشبه منتجه ومموله وكل من يقدم الدعم والحماية له، وهو منتج حاقد على البشرية وعلى كل ما له علاقة بالفهم الإنساني للعلاقات الدولية.‏  a.ka667@yahoo.com