2024-04-24 03:15 ص

منذ متى يحتاج الدفاع عن الوطن الى ترخيص؟

2017-03-13
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
الوحشية التي تعرض لها أبناء شعبنا في فلسطين المحتلة خلال مشاركتهم في الوقفة الاحتجاجية أمام محكمة رام الله للاحتجاج على محاكمة الشهيد باسل الاعرج ورفاقه أوضحت مرة أخرى الى أي مدى يمكن لهذه القوى الأمنية التي تربت على أيدي الجنرال الأمريكي دايتون والمخابرات المركزية الامريكية أن تقف ضد شعبها وخاصة عندما يتعلق الامر بمقاومة الاحتلال من قبل الشبان الذين ندروا حياتهم للدفاع عن القضية وتقديم أنفسهم قرابين على مذبح الحرية والكرامة. قوات الكيان الصهيوني واجهزته الأمنية والاستخباراتية تصول وتجول وتعتقل وتقتل بدم بارد كل المقاومين الشرفاء وتقوم بالتصفيات الجسدية الميدانية للنشطاء من المتظاهرين والمحتجين دون أن تحرك هذه القوى الأمنية "الفلسطينية" ساكنا فهي قوى أمنية أبعد من أن تكون فلسطينية لأنها ببساطة لا تدافع عن أمن الشعب الفلسطيني. بل وفي كثير من الحالات تقوم اما بتمرير المعلومات الاستخباراتية عن المقاومين وأماكن تواجدهم لسلطات الاحتلال أو بالاشتراك الفعلي في القبض على رجال المقاومة وتعذيبهم في سجون "السلطة" الفلسطينية. وهذا ليس تجني أو تأليف ولكنها الحقيقة المرة للأسف. وكم من مرة تعرضت جموع المحتجين والمتظاهرين الى الاعتداء والضرب المبرح للنشطاء في شوارع رام لله أو غيرها من المدن في فلسطين المحتلة من قبل قوى الامن الفلسطيني. الصور والمشاهد التي نقلتها وسائل الاعلام تعيد لنا مشاهد ما كانت تمارسه ديكتاتوريات دول أمريكا اللاتينية ضد اية حركة احتجاجية. وأحيانا لا بد للمرء العادي البسيط مثلنا أن يتساءل إذا كان هذا الاجرام الذي ترتكبه القوى الأمنية الفلسطينية التابعة للسلطة بحق المواطنين المحتجين وهي لا تملك مقومات الدولة (ولن تملكها الا في الفانتازيا) فماذا سيكون الحال فيما إذا ما امتلكت سلطة فعلية وأصبح لها دولة؟ عندها الله يعين شعبنا على هذه الالة القمعية التي لن تتوانى عن عمل أي شيء. "خطيئة" الشهيد باسل الاعرج ورفاقه وغيرهم من الشهداء والمناضلين اللذين لاحقتهم أجهزة السلطة الأمنية أو القابعين في غياهب سجونها أنهم أحبوا الوطن الام فلسطين الذي غاب عن الكثيرين ممن التصقوا بالسلطة طمعا في المنصب والمال والامتيازات والمحسوبيات والحياة المترفة وما أكثرهم للأسف الشديد نقولها بمرارة. خطيئة هذه الكوكبة كغيرها من كواكب الشهداء لم يرتضوا ان يكونوا جزء من جوقة المنتفعين والسماسرة والطفيليين والمصفقين، ولم يسعوا الى منصب أو منفعة أو مصلحة ذاتية ولم يفقدوا بوصلة الصراع وبقيت بندقيتهم مصوبة نحو العدو الصهيوني. التنسيق الأمني هو البقرة المقدسة التي تصر السلطة الفلسطينية عدم المساس بها، وهي بهذا تضرب بعرض الحائط قرارات كل المؤسسات الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطيني وقرارات الاجماع الوطني الفلسطيني. وللتدليل على مدى أهمية هذا التنسيق للكيان الصهيوني وأمنه فان ليبرمان وزير خارجية الكيان عندما نادى بقطع كل الاتصالات والاجتماعات مع السلطة الفلسطينية استثنى منها تلك الخاصة بالتنسيق الأمني. ومع كل إشارة أو تصريح لمسؤول فلسطيني من هنا أو هنالك أن "كل الخيارات " مفتوحة بما فيها وقف التنسيق الأمني تخرج علينا الولايات المتحدة وتهدد السلطة بوقف الدعم المالي عنها وتجويعها وتسلط بعض الدول العربية وخاصة الخليجية منها للمشاركة في هذا التهديد. لم يسلم الصحفيين والمراسلين من الاعتداءات والضرب المبرح مما يجعلك ان تتساءل من الذي يعطي الأوامر لهذه الفئة المتوحشة التي تنهال بالضرب على من تعتقله في وسط الشارع دون حياء أو وجل أو الشعور بالإحراج وهذه القوى الامنية تدرك جيدا أن هنالك من يقوم بتصوير اعتداءاتهم الوحشية. الذي يبدو ان السلطة الفلسطينية أو السيد دانتون قد منحهم الحصانة القضائية كتلك الحصانة التي تطالب بها الولايات المتحدة لجنودها المتواجدين على غير أراضيها والذين يرتكبون المجازر. نحن لا نرى أي تفسير للامعان في هذه الوحشية أمام عدسات الكاميرات دون رادع أخلاقي على الأقل. ولقد اتخذت نقابة الصحفيين الاضراب عن نقل اية أخبار رسمية عن قوى الامن والشرطة الفلسطينية الى أن يتم التحقيق في قضية الاعتداء على الصحفيين وكان الاجدر ربما مقاطعة نقل اية أخبار رسمية عن السلطة الفلسطينية لان قوى الامن من المفترض أن تكون تابعة للسلطة الفلسطينية وتأتمر بأوامرها اليس كذلك؟ واليوم يتم الاعتداء على المتظاهرين والمحتجين في مخيم الدهيشة من قبل رجال الامن الفلسطيني. اعتداء تستخدم فيه القنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي كما أوردته وسائل الاعلام الفلسطينية. ولن نستبعد أن يخرج علينا اليوم أو غدا تصريحات من السلطة الفلسطينية أو المقربين منها بالقول إن هنالك جماعة من المندسين في هذه التظاهرات التي أرادت أن تجير الاصطدامات مع قوى الامن لبعض المآرب السياسية أو الحزبية أو التنظيمية وأن تقوم بنشر الفوضى. هذا هو منطق السلطات القمعية التي لا تحتمل الرأي الاخر أو المعارض للمسار السياسي الاستسلامي الذي تتبناه القوى المتواجدة على رأس هرم السلطة الذي تتحفنا ليلا ونهارا بالقول اننا سنحرر بلادنا "بالعقل والمنطق" لا بالمقاومة والسلاح وهي تحرم حتى الانتفاضة والعصيان المدني، أو قول أحد جهابذة السلطة أننا الان قد انتقلنا الى مرحلة النضال السياسي والدبلوماسي بتوجهنا الى المحافل الدولية ولا ندري على ماذا سيتمخض به عقل الفيلسوف في المستقبل وإذا ما كنا عندئذ سنبدأ مرحلة جديدة من "النضال" على كوكب آخر أم ماذا. خلاصة القول نقول واهم كل ما زال يتأمل في أن تعود السلطة الفلسطينية الى "رشدها" أو أن تقتنع بأن شرعيتها تستمد فقط من شعبها في الداخل والخارج بالتصاقها بهذا الشعب العظيم المقاوم ومشاركتها له على الأرض في الدفاع عن حقوقه، وعلى أن لا تنظر الى الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس ترامب ودعوته للرئيس أبو مازن لزيارة واشنطن على أنه اعتراف بشرعية السلطة. أسفي على "سلطة" تحاكم شهداء الوطن والقضية على حيازتهم لأسلحة غير مرخصة. والسؤال الذي يجب أن يطرحه كل مواطن حر شريف منذ متى يحتاج المناضلين والمقاومين الى الحصول على رخصة للدفاع عن الوطن وكرامته؟