2024-04-19 02:09 م

"العظمة" الامريكية !!!!!

2017-03-11
"العظمة" الامريكية !!!!! الدكتور بهيج سكاكيني كثيرا هي الشعارات والوعود التي أطلقها السيد ترامب أثناء حملته الانتخابية والتي الى حد ما ساهمت في وصوله الى البيت الأبيض. وهنالك من الشعارات التي لعبت على دغدغة الشعور القومي الشوفيني لدى قطاع واسع من عامة الجمهور الأمريكي المهمش اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا والذي في أغلبيته ربما لم يشارك في الانتخابات الرئاسية السابقة لشعوره بأنه ليس جزء هذا المهرجان الخادع الذي يدعى اليه الناخب الأمريكي كل أربعة سنوات من خلال حملة انتخابية وإعلامية براقة لتضفي طابع "العرس الديمقراطي" على هذا المهرجان الذي يساق اليه "القطيع الضائع والمذهول" كما يطلق عليه المفكر الأمريكي تشومسكي للإدلاء بأصواتهم والعودة الى بيوتهم الى ان يدعوا بعد أربعة أعوام من سباتهم العميق أمام شاشات التلفزيون التي تعمل ليلا نهارا على ابقائهم خارج الحلبة السياسية أو فهم حقيقة ما يدور في البلد خوفا من عمليات التحرك للاحتجاج والخروج الى الشوارع للمطالبة بحقوقهم. "لنجعل أمريكا عظيمة" مرة أخرى. هذا احدى الشعارات الجوفاء التي أطلقها السيد ترامب. ومن المؤكد أنه لا يوجد أحد في هذا الكون سيقف ضد شعار أن تكون دولته عظيمة ولكن السؤال الأهم ما هي العظمة المبتغاة لهذه الدولة أو الشعب؟ الدولة العظيمة هي الدولة التي تؤمن لجميع مواطنيها الحياة الكريمة والمستلزمات الأساسية لهذه الحياة خاصة من تعليم وخدمات صحية على وجه الخصوص وأن تكون هذه الخدمات مقدمة من الدولة مجانية ومفتوحة لجميع مواطنيها دون استثناء. والدولة العظيمة هي التي لا يتواجد بها عشرات الملايين الذين يعيشون تحت خط الفقر بينما هنالك حفنة قليلة تمتلك عشرات المليارات من الدولارات. الدولة العظيمة هي الدولة التي تتحكم بالمفاصل الرئيسية باقتصاد البلد وتديره لصالح المواطنين وليس لصالح طبقة طفيلية نهمة ومستشرسة لا تتعدى 1% من السكان لتخزين المليارات من الدولارات كما هو الحال الان في الولايات المتحدة التي يتحكم فيها الاخطبوط المالي والصناعي العسكري وشركات الطاقة والاحتكارات العابرة للقارات. أين هي العظمة الامريكية وأين هي الاستثنائية الامريكية؟ العظمة بمفهوم الطبقة السياسية الحاكمة في أمريكا كانت وما زالت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية الى يومنا هذا تقوم على مفهوم الهيمنة والسيطرة على بقاع العالم مهما بعدت أو قربت هذه البقاع من الحدود الجغرافية للولايات المتحدة. أمريكا لن تكون عظيمة الا عندما تشعر هذه الطبقة بعدم وجود أية دولة او تجمع دولي يقف حجر عثرة في تحقيق مشروعها للهيمنة الكونية. وقد استخدمت وابتكرت وبدلت الولايات المتحدة الأساليب والطرق عبر العقود لتكون الدولة "العظيمة" فمن التدخل العسكري المباشر الى التهديد باستخدام القوة الى استخدام العقوبات الاقتصادية (العدوان الاقتصادي) الى استخدام أدواتها المحلية للانقلاب على الحكومات الشرعية المنتخبة فيما سمي سياسة "تغيير الأنظمة". والان وبعد ما جنته الولايات المتحدة من خيبات عسكرية وخساراتها المادية التي قدرت بعدد من ترليونات الدولارات من تدخلاتها العسكرية المباشرة فانها تنحى الان الى المشاركة جنبا الى جنب مع أدواتها وحلفائها بشرط ان تقوم الأدوات والحلفاء بدفع القسم الأكبر من تكاليف التدخلات العسكرية. وهنالك عدد من الدول وعلى رأسها الدول الخليجية على استعداد ان تدفع فواتير هذه التدخلات. فالسعودية على سبيل المثال لا الحصر أبدت استعدادها لدفع مليار دولار شهريا تكلفة إقامة "مناطق آمنة" أو "مناطق حظرجوي" داخل الأراضي السورية إذا ما قررت الإدارة الامريكية ذلك. السيد ترامب رفع شعار "أمريكا أولا" أثناء وبعد حملته الانتخابية يجب أن لا يفهم على ان ادارته ستلجأ الى سياسة انعزالية وخاصة في سياساتها الخارجية والانكفاء على الداخل الأمريكي. ما يعنيه هذا الشعار على أرض الواقع هو شعار يراد به خدمة العظمة الامريكية هو شعار يراد به الدعوة الى التسلح ومزيد من العمليات العسكرية ومزيد من نشر قواعد عسكرية ومزيد من العمليات العسكرية العدوانية من جانب واحد على المستوى الكوني. واذا لم يكن كذلك فلماذا هذه الزيادة في حجم الدعم المادي للبنتاغون حيث من المتوقع ان تزداد الميزانية المخصصة للجانب العسكري ب 54 مليار دولار سنويا. ومن الملفت للنظر ان هذه الزيادة في العسكرة ستتأتى من تقليص الميزانية لوزارة الخارجية والمساعدات والمعونات التي تقدمها الولايات المتحدة للدول التي تدور في فلكها. بمعنى أن الزيادة في التسلح سيتأتى عن طريق تقليص الدعم للدبلوماسية الخارجية وتغليب العسكرة. الانفاق السنوي العسكري للولايات المتحدة يفوق 600 بليون دولار وهو ما يقرب من نصف الانفاق الحكومي. وهذا الانفاق يفوق إنفاق السبعة دول التي تليها مباشرة بحجم الانفاق العسكري بما فيها روسيا والصين. الانفاق العسكري السنوي لروسيا لا يتعدى الزيادة في الانفاق العسكري الأمريكي المقترح من ترامب وهو 54 مليار دولار كما أشرنا. ولا شك للإشارة هنا الى أن الزيادة في الميزانية لوزارة الدفاع للعسكرة لا تشمل تطوير وتحديث الأسلحة النووية التي تمتلكها الولايات المتحدة والتي قد يتعدى تحديثها وإعادة بناءها الى ترليون دولار. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ماذا يريد ترامب من هذه الزيادة الهائلة في المجال النووي وخاصة وأن الولايات المتحدة كانت وما زالت في جميع المراحل تمتلك ترسانة نووية قادرة على تدمير الكون بأكمله عشرات المرات؟ ومن سيستفيد من هذا السباق النووي المحموم الذي سيعود على الساحة الدولية غير الشركات الكبرى المتخصصة في التسلح في هذا المجال. الولايات المتحدة لا ترضى ولن ترتضي أن تكون على رأس مجموعة الدول التي تمتلك الأسلحة النووية ولن تسمح لغيرها وحتى من حلفائها ان ينافسها على هذا الموقع، بمعنى أنها يجب أن تبقى هي المتفوقة نوويا وعسكريا هذه هي "العظمة" الامريكية . ونحن لسنا بحاجة الى الكثير من العناء أو البحث والتمحيص أو العودة الى الوراء كثيرا لندرك أن هذه الدعوات لمزيد من التسلح النوعي والنووي وبناء هذا الكم الهائل من القدرات العسكرية والتوجه القومي الشوفيني والإستعلائي والغوغائي المتطرف القبيح، واطلاق شعارات "تجديد الروح الامريكية" وعلى أن "فصلا جديدا من الفخر الأمريكي قد بدأ" و " لنعد أمريكا عظيمة مجددا"، لنرى ما يمكن ان يحدث للعالم نتيجة هذه السياسات الرعناء المتغطرسة العنصرية حتى النخاع، فالتاريخ قد قدم لنا نماذجا حية ما زالت محفورة في أذهاننا لما أحدثته من كوارث ومآسي على المستوى البشري والإنساني والحضاري والبيئي من النابوليونية في فرنسا، الى النازية في المانيا والفاشية في إيطاليا واليابان الامبريالية وما فعلته وارتكبته الولايات المتحدة من مجازر دموية في لاوس وكمبوديا وفيتنام. أما الدعوات التي اطلقها السيد ترامب أثناء حملته الانتخابية للرئاسة حول أن حلف الناتو أصبح من الماضي وفي مرحلة موات ...الخ وعلى ان ادارته ستعمل على الانسحاب من هذا الحلف فان ذلك لم يكن الا عملية ابتزاز للدول الأوروبية أن تفي بتعهداتها واسهاماتها المالية تجاه الحلف والتي من المفترض ان تصل الى 2% من الناتج القومي المحلي لكل دولة من دول الحلف. وهي الرسالة التي حملها وزير الدفاع الأمريكي الى شركائه الأوروبيين عندما قال " ان أمريكا لن تستمر في حماية الأطفال الأوروبيين" الا حين ان تلتزم الحكومات الأوروبية بتعهداتها المالية السابقة تجاه الحلف. هذا الحلف الذي كان من المقرر ان ينتهي مع الانتهاء من فترة الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك جمهورياته. الولايات المتحدة هي التي من وقف ضد الغاء الحلف وعملت على بقاءه لتأمين السيطرة على أوروبا كما ودفعت الدول الأوروبية للقبول بضم العديد من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة الى الحلف. وحولت الحلف الى اليد الضاربة العسكرية للولايات المتحدة واستراتيجيتها الكونية بعدما كان نشاطه محصورا ضمن القارة الأوروبية. وعلى الرغم من التهديدات التي أطلقتها إدارة ترامب من أن الولايات المتحدة لن تقوم بشكل اتوماتيكي بالدفاع عن بعض الحلفاء الذين لا يقومون بدفع الأموال المستحقة عليهم للناتو مقابل الحماية الامريكية، فان الحقائق على الأرض تدلل على أن التصعيد الأمريكي العسكري في دول أوروبا الشرقية مستمر تحت غطاء الناتو. فالولايات المتحدة قامت وتقوم بارسال الدبابات والقوات البرية الى بولندا ودول البلطيق ليثوانيا ولاتفيا وأستونيا وتزيد من عدد الطلعات الجوية الاستفزازية بالقرب من الحدود الروسية. الذي انتهى بالنسبة للولايات المتحدة هو الترتيبات القديمة وخاصة على نطاق الالتزامات المالية الأوروبية تجاه حلف الناتو التي تم الاتفاق عليها بعد انتهاء الحرب العالمية والتي بها كانت الولايات المتحدة تتكفل بدفع 70% من المخصصات المالية تجاه الحلف. ترامب بعقليته التجارية يريد لكل دولة أن تدفع أتاوة للولايات المتحدة لتقوم بحمايتها من الأعداء الحقيقيين والوهميين الذين تخترعهم أجهزة المخابرات الامريكية وتهول من خطرهم وسائل الاعلام الامريكية التي تشكل اللسان الرسمي الناطق باسم المجمع الصناعي العسكري الأمريكي وكبار المؤسسات المالية. فالتهديدات الأمنية والحروب تعني إبقاء عجلات مجمعات الصناعات العسكرية بالدوران وتعني العقود التي تبرم بعشرات ومئات المليارات لشراء أسلحة الدمار التي تنتجها هذه المصانع. في النهاية نؤكد أن الولايات المتحدة ترى "عظمتها" في استعراض عضلاتها بالتفوق العسكري والأسلحة النووية وبتوسيع دائرة الهيمنة والسيطرة لتشمل كل بقعة في هذا الكون الفسيح مهما بعدت عن الحدود الجغرافية للولايات المتحدة. "وعظمتها" تعني عدم السماح لأي دولة أو تجمع حتى من الحلفاء أن ينافسها على موقع الريادة والتفوق أو العمل على تغيير النظام العالمي القائم الذي بدأ بالتآكل ومعه بدأت هذه "العظمة" بالتآكل والاهتراء.