2024-04-20 04:13 ص

الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية السعودي لبغداد !!

2017-03-03
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية السعودي الى بغداد بعد قطيعة استمرت أكثر من عشرين عاما وضعت تساؤلات كثيرة عن أهداف هذه الزيارة وربما عن توقيتها بالتحديد. فهذه الزيارة تتزامن مع تحقيق الجيش العراقي والقوى الامنية والقوى العشائرية والحشد الشعبي إنجازات كبيرة على طريق تحرير مدينة الموصل المعقل الرئيس لتنظيم داعش في العرق وتضييق الخناق على عناصره في الاحياء الغربية منها التي انسحبت اليها جميع قطاعاته من المسلحين من المناطق الأخرى مع تقدم الجيش العراقي والقوى الأمنية الأخرى. عمليات تحرير الموصل تم تأجيلها المرة تلو الأخرى من قبل "المستشارين العسكريين الأمريكيين" الذي وصل عددهم الى أكثر من 5000 خبير ومستشار وقوات خاصة ..الخ بحسب الإحصاءات الرسمية، وذلك لتهيئة الأوضاع وضمان طريق مفتوحة وآمنة لانسحاب مسلحي التنظيم الى داخل الأراضي السورية بمعداتهم الثقيلة أو على الأقل تهريب قيادات الصف الاول للتنظيم وضمان بقائهم لجولات أخرى حسب الطلب، وبذل المحاولات لإبعاد مشاركة الحشد الشعبي في عملية التحرير، الى جانب الاتفاق على مرحلة ما بعد تحرير الموصل. فالبعض كان يود ان توضع الموصل تحت حماية دولية لحماية أهلها وكأن أهلها ليسوا بالعراقيين وتصوير أن القوى الاتية لتحرير الموصل بما فيها الجيش العراقي ربما تقوم بارتكاب مجازر بحق المدنيين في المدينة. وكان من أكبر الداعين "لحماية السنة" في الموصل هما السعودية وتركيا. فالسعودية كانت تدعو الى إقامة كيان سني مستقل عن الحكومة المركزية بينما تركيا سعت لفرض نفسها بالقوة للمشاركة في تحرير الموصل بحجة حماية السنة في المدينة. كلاهما كان يسعيان الى تأجيج الحرب المذهبية والطائفية في العراق على مدى سنين ولم يدخل السرور الى قلوبهم عند تحرير الفالوجة دون وقوع النزاع المذهبي ومشاركة مكونات المجتمع العراقي في عملية التحرير. وكلاهما سعيا الى عدم تكرار هذه التجربة في تحرير الموصل خوفا من سقوط مشروع الفتنة التي سعيا الى تنفيذه في العراق ومن ثم الى سوريا ومن بعدها اليمن. والزيارة تأتي بعد زيارة مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى الى السعودية من وزير الدفاع ورئيس المخابرات المركزية الأمريكي والسناتور ماكين المعروف بعدائه للأنظمة الوطنية التي لا تدور في فلك الولايات المتحدة في المنطقة والعالم أجمع والذي شارك شخصيا في سياسة تغيير الأنظمة كما كان الحال في أوكرانيا 2014 بالانضمام الى المحتجين وحثهم على مواصلة الاحتجاج لحين اسقاط نظام ياكونوفيتش الرئيس المنتخب السابق لأوكرانيا. وهو أيضا الذي دخل الى الأراضي السورية بطريقة غير شرعية وأجتمع بقيادات مجموعات مسلحة من ضمنهم البغدادي الذي ترأس تنظيم داعش وتعهد بإمدادهم بالسلاح وتقديم كل الدعم لهم . وهذا الحشد الأمريكي قد قام أيضا بزيارة تركيا والاجتماع مع الرئيس أردوغان. وهذه الجوقة الامريكية لا تأتي الى المنطقة لتوزيع الحلوى أو للمساهمة والعمل على استقرار المنطقة، بل تأتي لإدامة الصراعات الدموية في المنطقة وتدمير مقدراتها وخلط الأوراق مرة أخرى وللحفاظ على أمن الكيان الصهيوني بالدرجة الأولى. الزيارة تأتي ضمن فترة زمنية يبدو فيها ان تركيا أردوغان قد عادت وانقلبت مرة أخرى عن تفاهماتها والتزاماتها مع روسيا وإيران حول الازمة السورية وضرورة عمل هذا الثلاثي روسيا إيران تركيا سويا على تهيئة الأجواء على الأرض من وقف الاعمال العدائية بين المجموعات الإرهابية التي تقع تحت سيطرة تركيا على الأقل والجيش السوري وحلفاءه وهذا ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر الاستانة مؤخرا. وهنالك مؤشرات واضحة في هذا الاتجاه من التصريحات المعادية لإيران التي أطلقها أردوغان أثناء زيارته الأخيرة لدول الخليج من السعودية وقطر والبحرين وكذلك رئيس وزراءه. هذا بالإضافة الى تخفيض مستوى الحضور الرسمي التركي الى مؤتمر الاستانة الأخير ودخول مدينة الباب السورية بعد التفاهم مع تنظيم داعش على الانسحاب من المدينة كما كان الحال سابقا عندما انسحب التنظيم من مدينة جرابلس ضمن مسرحية مكشوفة بالترتيب والتنسيق الكامل مع المخابرات التركية وأجهزتها الأمنية. كل هذه الدلائل تبين أن هنالك طبخة جديدة في المنطقة تدار من قبل السعودية وتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة الامريكية. هنالك حديث يدور حول ارسال قوات أمريكية راجلة الى سوريا والعراق أيضا وحديث مرة أخرى يدور حول انشاء مناطق آمنة في الشمال والجنوب السوري واستعداد السعودية بارسال قوات سعودية للمشاركة في "تحرير" الرقة ودفع تكاليف انشاء المناطق الامنة التي بحسب دراسات أمريكية سابقة تبلغ تكلفتها الشهرية مليار دولار. وبالتالي الذي يبدو أن هنالك عملية إعادة بعث الحياة مرة أخرى في تحالف دول إقليمية مع الولايات المتحدة على الأرض هذه المرة وخاصة بعدما فشلت المجموعات الإرهابية في تحقيق حلم اسقاط الدولة السورية وتفتيت الوطن السوري، وهو ما اتضح جليا بعد استعادة حلب الى الوطن الام من ايدي المجموعات الإرهابية التي قدم لها كل الدعم المالي والعسكري والسياسي واللوجيستي والإعلامي..الخ. الذي يبدو أن هنالك دولا عربية وإقليمية وبالتحديد تركيا وإسرائيل تحت المظلة الامريكية تسعى الى إقامة حلف على شاكلة حلف بغداد سيء الصيت للعمل سويا على إبقاء وادامة الصراعات والعدوان المباشر والغير مباشر على الأنظمة والدول الوطنية. ولم يعد خافيا على أحد أن السعودية ستشكل احدى رؤوس هذا التحالف لما لها من هيمنة على الدول الخليجية وقدرتها وخبرتها في استخدام المليارات من البترودولار لشراء بعض الأنظمة أو ابتزاز الأخرى بالتهديد بسحب دعمها المالي أو الاستثمارات في هذا البلد أو تلك وبشكل فج ووقح بعد ان سقطت ورقة التوت كما يقولون وأصبح اللعب على المكشوف. ويكفي أن نشير هنا الى أن مشروع القرار الأخير الذي قدم الى مجلس الامن الدولي لفرض عقوبات جديدة تحت البند السابع على سوريا على خلفية اتهام الجيش العربي السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المعارضة المسلحة بالرغم من عدم تقديم أي دليل على ذلك كانت الدول الراعية لمشروع القرار هي إسرائيل والسعودية وقطر والامارات. ولقد جوبه هذا القرار من قبل روسيا والصين بفيتو مزدوج مرة أخرى في مجلس الامن. ومن هنا لا نستبعد أن الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية السعودي التي جاءت بدون مقدمات وبعد قطيعة دامت أكثر من عشرين عاما وضمن ما يدور في المنطقة وخاصة بعد رجوع حلب الى الوطن السوري، وقرب الانتهاء من معركة تحرير الموصل، بالإضافة الى مشاركة الحشد الشعبي في المعارك وخاصة في قطع الطريق على جحافل التنظيم للدخول الى سوريا بعد ان سيطر على المناطق الحدودية وأغلاقها وكذلك التنسيق الأمني بين القيادة السورية والعراقية الذي تجلى في الفترة الأخيرة بدخول مقاتلات عراقية لضرب جحافل داعش وطرق امدادها من داخل الأراضي السورية، والتصريح الواضح لوزير الخارجية العراقي بأن ما يضر بأمن بسوريا يضر بأمن العراق وبالتالي العزم على ضرورة التنسيق بينهما في مجال مكافحة الارهاب. نقول ان هذه الزيارة لم تأتي كزيارة بريئة ولتهنئة القيادة العراقية على قرب تحرير الموصل بل أتت في محاولة لشراء القيادة العراقية ومحاولة ابعادها عن ايران وسوريا ولا شك ان هنالك الكثير من المغريات المالية قد قدمت لهذا الخصوص. نحن لن نستغرب ان يكون هذا هو الهدف الرئيس من الزيارة فالمتتبع للسياسة الخارجية السعودية يدرك ان الهبات والمعونات والرشاوي وصفقات الأسلحة بالمليارات لكسب التأييد للمواقف السعودية أو عدم الوقوف ضد سياساتها الداخلية أو الخارجية كانت وما زالت هي الطريقة الرخيصة التي تستخدم لشراء الذمم. فكم من مرة حاولت السعودية شراء الموقف الروسي تجاه سوريا على سبيل المثال؟ وكم من المليارات دفعت لفرنسا هولاند من خلال صفقات أسلحة فرنسية حتى تقف فرنسا ضد توقيع الاتفاقية مع ايران حول برنامجها النووي؟ ولماذا دفعت السعودية للسيد عمر موسى خمسة ملايين دولار بعد أن أتم خدمته في منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية؟ ولماذا هددت السعودية دولة عمان بعدم دفع المعونات التي يقدمها لها مجلس التعاون الخليجي عندما لم تصوت عمان لصالح المشروع الذي تقدم به الملك عبدالله آنذاك والداعي الى الوحدة الاندماجية لدول الخليج؟ ولماذا قطعت المعونات الخليجية وبالتحديد السعودية عن الأردن الذي يحاول ان يخرج من الدائرة التي نقلت الارهاب الى أراضيه؟ ولماذا سلط السيف على رقبة مصر وتهديدها بسحب كل المعونات والمشاريع التي وعد بها من قبل السعودية؟