2024-04-24 12:31 ص

العلاقات المصرية الايرانية...السهل الممتنع!

2017-03-03
بقلم: إيهاب شوقي
العلاقات المصرية الإيرانية، تلك الأمنية التي يتمناها جماهير المقاومة والتي من فرط أهميتها اصبحت خطا من الخطوط الحمراء الدولية لما لها من نتائج وتداعيات تغير مجريات التوازن الإقليمي ولا نبالغ ان قلنا الدولي. والمقصود هنا بالعلاقات هي العلاقات المصرية مع النظام الثوري الإيراني، فقد كانت هناك علاقات وثيقة مع نظام الشاه لم ينتج عنها الا التفريط وخدمة مصالح الغرب والكيان الصهيوني. بالطبع قمة ما يبتغيه المقاوم ان يرى علاقات وثيقة بين نظام مقاوم وثوري في مصر مثل نظام ثورة يوليو بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر ونظام ثوري ايراني، الا ان المفارقات المحزنة لم تجمع بين الثوريين هنا وهناك، فقد وجد نظام ايراني يعادي مصر الثورة وعندما قامت الثورة الايرانية وجدت نظاما مصريا معاديا لثوريتها!!! الا ان مصر بحكم موقعها وبصرف النظر عن نظامها فإن مجرد وجود علاقات بينها وبين ايران الثورة هو امر جد خطير على الرجعية العربية ومصالح الغرب والامريكان والصهاينة. لا نعتقد اننا نركب متن الشطط عندما نستنتج ان هناك "فيتو" امريكي صهيوني على هذه العلاقات وان هناك مؤامرات واستراتيجيات احكمت للحيلولة دون وجود مجرد تقارب! من الملموس ان عمليات التفريق بين البلدين قامت على اعمدة رئيسية يمكن ان نرصد منها ما يلي: اولا: التفريق الوجداني باستغلال التكفير و الثقافة الوهابية التي كفرت الشيعة وبالتزامن مع دمج السياسة بالدين روجت الدعاية ان ايران دولة مذهبية شيعية طائفية لتصبح المحصلة لدى الجماهير ان ايران كافرة والهدف هو قطع الطريق على اي تعاطف جماهيري معها. وبلا شك اصبحت هذه الفزاعة التكفيرية تلاحق كل انصار وجود علاقات حتى مجرد طبيعية مع دولة رئيسية بالإقليم، حتى ولو بدوافع برجماتية. ثانيا: اختلاق عداء مصالح، عبر استخدام ورقة القومية العربية كحق يراد به باطل، وذلك بتشويه القومية عبر الترويج لها بأنها عرقية عربية لا فكرة وحدوية منفتحة على التنوع وتحريف اهدافها النبيلة باعتبارها تكتل في مواجهة الهيمنة بتحويلها الى عنصرية تخدم اهداف الهيمنة وتضطهد ابناءها ممن لهم مذاهب او افكار مخالفة للشكل العنصري المزيف للقومية. والهدف بالطبع هو زرع عداء قومي مفتعل بين قومية عربية وقومية فارسية لوضع بعد مضاف وجيه للعداء والتفريق. بلا شك ان الاوقح من ذلك هو ماذهب اليه السعوديون عندما صدرت فتاوى مثل عدم جواز الدعاء لحزب الله في اطار الصراع والحرب مع العدو الصهيوني باعتباره حزبا كافرا ولم يفت الفتاوى وشروحها ان الامريكان والصهاينة اهل كتاب، باعتبارهم لم يكفروا اهل الكتاب واعتمادا على الذاكرة المفقودة للجماهير! ولا شك ان بعض الدعاوى لا تقل وقاحة عن هذه الفتاوى مثل وجود اطروحات بعثية عراقية متطرفة تحت عنوان ان الصراع مع ايران صراع وجود لا حدود!! على غرار التعبير الشهير الذي استخدمه الزعيم عبد الناصر وصفا للصراع مع الصهاينة. ثالثا: اختلاق نظريات لقيطة ومتهافتة للأمن القومي العربي تحذر من المطامع الاستعمارية التوسعية الفارسية وخطورة ايران على الامن القومي العربي، والتمادي في تجزئة نظرية الامن بتضخيم عناوين مثل امن الخليج وكأن الوطن العربي الكبير قد اختزل في امن دول الخليج، وهو ليس مستغربا بعد سيطرتها بالمال على المنظمات العربية مثل جامعة الدول العربية حتى اصبحت مرادفا لمجلس التعاون الخليجي! رابعا: الدعاية المكثفة وشراء الاقلام والصحف والفضائيات للترويج لهذه الفزاعات الدينية والقومية والأمنية. المحصلة ان هذا الاستهداف للعلاقات وقطع الطريق عليها اخترق بعض النخب من غير التكفيريين او المرتزقة واصاب الكثيرين بارتباك وغابت الموضوعية كضحية لهذا التكثيف. العلاقات المصرية الايرانية هي ضحية ايضا لغياب الرصانة في التعامل معها سواء من بعض الاطراف المناصرة لها وبعض الاطراف الرافضة والمعادية. فلنكن صرحاء ومنصفين عندما نقول ان بعض الجماهير المقاومة اساءت ولو بغير قصد لفرص التقارب ووفرت بعض الذرائع لاعداء العلاقة، حيث صورت بعض الجماعات وبعض الاقلام ان انتماءاتها ليست لاقطارها وانها تتلقى اوامرها (وهو غير حقيقي) من طهران وان مشروعها هو تنصيب "الولي الفقيه" في اقطارها، مما استدعى صورا للتنظيمات العابرة للاوطان وفيما نتصور انه اصبح عبئا على ايران وانها غير سعيدة بهذا. كما تصور البعض واقتنع فروج مناخا مفاده بأن مجرد عودة العلاقات المصرية الايرانية ستنخرط مصر بمحور المقاومة وينشب صراعا فوريا وتعلن الحرب مباشرة على الصهاينة مما ازعج بعض السياسيين وحتى الجماهير التي لا تتصور حربا وسط ظروف اقتصادية غاية في التدهور، وهو يوفر ايضا ذرائع للمتملصين من اقامة العلاقات. من زياراتنا لايران نكاد نجزم بأن المتنفذين هناك يتعاملون مع مصر بغاية الحساسية والحرص وان الهدف الرئيسي لديهم هو علاقات طبيعية وان الهدف ليس تنظيما معينا او اسما بعينه وانما الدولة والكيان المصري، وهو ما يفسر انفتاح ايران على التقارب منذ عهد الرئيس السابق مبارك مرورا بالاخوان ووصولا للنظام الحالي. وما نجزم به ايضا في مصر من خلال مراصد متعددة ان الورقة الطائفية او الصراع القومي (العربي – الفارسي) المفتعل ليس هو الحائل بين عودة العلاقات، ولكن هناك تخوفات حقيقية لدى بعض الشرفاء من انصار عودة العلاقات من تناقضات فرعية قد تظهر لا تتجاوز نطاق التحفظ الى نطاق الرفض ولا تتعدى نطاق التنافس الاقليمي الى نطاق الصراع. ما الذي يمنع عودة العلاقات اذن ولا سيما ان المشتركات بل وضرورات المصالح والمصير أكبر كثيرا من عناصر الخلافات؟ لم نرى تدخلات ايرانية ضارة كما اضرت مصر تدخلات الاتراك والقطريين بشكل معلن والسعوديين بشكل مستتر وان كان مفضوحا. لم نرى ايران منبرا لاعداء النظام ولم نراها حتى وصفت ما حدث بمصر على انه انقلاب كما تصفها بعض الدول والتي لا توجد محاذير وفزاعات وقيود على المصالحة معها! الغريب ان البعض استخدم عودة العلاقات كمناورات او ما يشبه "كيد النساء" او كمحاولات ابتزاز، ثم نراهم يعودون سريعا الى قواعدهم بعد انقضاء الغرض. شعبيا ليس هناك اي محاذير برغم تأثرات بعض القطاعات بالدعايات الوهابية الا ان الجماهير المصرية ليست طائفية او عنصرية وفي وجدانها عدو واحد هو العدو الصهيوني والذي لا يكاد يخلو بيت مصري من وجود اسير او شهيد او مصاب او محارب في قائمة الاقارب والمعارف. ان محاولات شراء المصريين لم تفلح كما لم تفلح محاولات عقابهم. وان عودة العلاقات في حد ذاتها ضربة لمصالح الاستعمار، ناهيك عن تطويرها الى تنسيق وتحالف وردع للصهاينة الذين ينتهكون حرمات المصريين في سيناء ونظرائهم وزملائهم من التكفيريين. ان تجاوز الفيتو الامريكي على هذه العلاقات هو تجاوز للازمة المصرية ولو كانت حسابات مصر تصب في ان حمايتها ستكون على يد اعدائها فهي حسابات تقود للانتحار. ونحن نلمس تقاربا وتصالحا مع الاتراك فنحن نرفضه مع اردوغان ولكن لا بأس من اي تصالح اقليمي والخط الاحمر الوحيد هو العدو الصهيوني. ولكن الأولى هو التصالح مع ايران لان المعنى المباشر لمجرد وجوده وتدشينه هو ان القرار اصبح مستقلا وكفى بهذا بداية لتجاوز المحنة المصرية.