2024-04-16 09:20 م

هل العروبة خيار؟

2017-03-03
بقلم: السيد شبل
أسوأ شيء جرى للعروبة (الشيء القائم على أعمدة، والقادر على لعب دور المادة الصمغية بالمنطقة، بهدف حيازة القوة وتحقيق المصلحة) هو أدلجتها بتكثيف، بمعنى اعتبارها فكرة خاصة بمجموعة من الأفراد، يعتنقوها بعصبية ومثالية، وهذا ليس صحيحًا، لأنها باختصار "واقع" يتنفس، ويفرض نفسه. قبولك من رفضه لا يغير منه شيء. سوريا، مثلا، لو شطبت "عروبتها"، وسمّت نفسها (الجمهورية المكسيكية السورية)، فإن هذا لن يغير موقعها الجغرافي، ولن ينقلها خارج تلك الدائرة العربية المحيطة بها، ويضعها في قارة أخرى ضمن بشر آخرين، ستبقى -فرضا- في ذات موقعها الجغرافي محاطة بذات الأقطار (أيا ما كان حال سكانها، أعجبوا السوري أم لم يعجبوه!)، تغيير "كلمة" أو "آلية سياسية للتعامل" لا يبدّل الواقع في شيء، هو فقط يجعلك عاجز عن التعايش معه على الوجه الصحيح، سوريا لن يتغير لسان سكانها الناطقين بالعربية (إن قررت أن لا تكون عربية)، ولن يتبدل تاريخها (الأموي، أو الغسّاني من قبل، أو المتحد مع مصر لفترات طويلة من الطولونيين إلى الإخشيديين مرورا بالفاطميين وانتهاءا بالأيوبيين ثم المماليك، أو أن الحمدانيين الذين حكموا شمالها وأسهموا بسخاء في تاريخها هم عرب أبناء قبائل جمعوا مع حكمها حكم الموصل بالعراق والجزيرة الفراتية -جنوب شرقي تركيا، بالمناسبة- و.. و.. و..، حتى "الربيع"، وإن وصلها "خريفًا"، فلم يصلها إلا بصفته "عربي"، ولو أردت أن تتعمق تاريخيًا زمن المصري القديم ستجد تحتمس الثالث يطل برأسه موحدًا البلدين بعد أن أدرك ضرورة أن يكون الأمن القومي المصري (عربيًا، بلغة اليوم)، الفينيقون، أنفسهم، لم تنبتهم الأرض الشامية هم وفدوا إليها من الجنوب، وتاريخ العراق القديم -الآشوري والبابلي- متداخل تماما مع تاريخ سوريا، ودمشق كان لها موقعها دوما في هذه الحضارات، خاصة في فترات قوتها ). هذا هو حكم (الواقع) ليس بـ(هوى) طرف، ولن يتغير في شيء إنكارك إياه. مصر "الساداتية" عندما أنكرت عروبتها، بقيت عربية (بمعنى اللسان، التاريخ، والثقافة.. وإلخ، وبمعنى ارتباط مصيرها بارتباط محيطها)، لم يغير الحديث المجتزأ عن "الفرعونية/ كأنها هبطت من السماء، ولم تتفاعل مع محيطها في سياق حضارتها"، لم يغير ذلك من واقع أن مصر مرتبطة رغم أنفها بما يجري في غزة، وأن فوضى ليبيا طعنة في ظهرها، وأن كل حجر يُلقى في السودان له صدى في العاصمة القاهرة، وأن باب المندب أمن قومي، وأن الجماعات الظلامية في سوريا، لو أسقطت دمشق، فإنها تفتح طريقها -حسمًا- للقاهرة، وأن المصري عندما يسافر للعمل في الخليج أو الأردن أو ليبيا -رغم أي شيء- لا يمكن أن يشعر بذات إحساس الغربة الذي يتملّك المسافر إلى أوروبا، ويدفعه سريعًا للبحث عن الجالية العربية في هذا البلد (باختصار.. لم تصبح مصر دولة لاتينية، مثلا، ولن تكون). هذا معناه، أنك لو عاندت مع (التاريخ، والجغرافيا..) فأنت الخاسر، لا أكثر أو أقل، أنت خاسر حتى في زمن (وكل الأزمنة كذلك/حكم الطبيعة) لا يعيش فيه سوى الأقوياء، وأنت لا يمكنك أن تكون قويًا دون اتحاد وتقارب مع محيطك، وها هو محيطك يقدم لكل "عوامل قومية" تساعدك على الاتحاد، -افترض- كان بها مبالغات، و-نتعاطى معك- في أن الخطاب لا يخلو من شعاراتية، أين مصلحلتك؟، الوحدة والتقارب، ومن ثم توظيف هذه العوامل بهدف تدعيم الوحدة (هذه هي خلاصة الفكرة)، كل مواطني دولة يتصورون أنهم قادرون على النجاة، وهم حبيسي حدودهم، يخسرون، انسحابك كمصري من أفريقيا (وهي دائرة أوسع، مع احترام العوامل)، جعلك تجني سدًا بأثيوبيا قد يفرض عليك عطشًا!. سوريا، التي وفد إليها المتطرفون من محيطها العربي (وتشتكي لذلك!)، سيفدون إليها أيضًا في حال، قررت -مجازًا- أنها ليست عربية (لا أحد ينتبه إلى أن الإرهابي العربي لن يردعه انسلاخ سوريا من هويتها، كما بالضبط لم يحفّزه العكس!)، القضية كلها ينظر إليها بالمقلوب، لو كانت السردية كما يجب، لخرجت بنتيجة مفادها، أن دور سوري عربي أكبر، في تغيير محيطها الرجعي (وطبعا هي في حاجة، نفسها، لتحسينات داخلية ثقافية واسعة)، هو فقط ما يضمن لها أن لا تتعرض لموجة إرهابية جديدة (طبعا مع الانتباه للمخطط الخارجي)، يعني، جهد أكبر لسوريا، وانخراط أوسع لها في تثوير جيرانها الخليجيين، ودعم الإطاحة بهكذا أنظمة عميلة ورجعية، هو فقط ضمانة أمنها نفسه، هل وصلت؟. غاية ما في انسلاخ "سوريا" عن "عروبتها" وإنكارها (للعوامل) التي تشكل عروبتها، هو أنها ستفقد أنصارًا، وستقف وحيدة في معركة، أسهم فيها المصريون بإزاحتهم للإخوان في منتصف 2013. الليبيون، أنفسهم، انتخبوا تيارًا (ليس طائفيا، وليس متشددًا.. وأقرب للمدنية والحكم على أساس الوطن والمصلحة) في انتخابات مجلس الشعب الذي يفترض أنه مُشكل للحكومة في منتصف 2014، كمحاولة منهم لدفع بلدهم باتجاه آخر، ولكن تعطلت مجهوداتهم، ولا أحد ينظر إلى الليبيين نظرة تقدير، أو ينتبه لهذه الانتخابات أصلا!. (نقول، مسألة "الأنصار" افتراضًا على المستوى الوجداني، لأنه رغم أنف الكل.. سيتأثر الكل بالكل). -للمناسبة، لا أحد ينتبه إلى أنه كما وفد متطرفون من أقطار عربية (وأجنبية) إلى سوريا، قدّمت أقطار أخرى، كالعراق ولبنان (وهما عربيتين، لمن نسي) عناصر وقوات رديفة للجيش السوري في معركته، وسالت دماء "غالية" و"وفيرة" على الأرض هناك؛ ولولا أن اقتسمت القوى العراقية ذات المعركة مع سورية، في صلاح الدين ونينوى والأنبار..، لما كتب للأخيرة للنصر، والعكس صحيح-. رفضك للواقع، وتهكمك عليه، لا يغير شيء على الأرض، هو فقط يجعلك معرض لأن يصفعك هذا الواقع مستقبلا، فجأة، بسبب تجاهلك إياه. سنوات، وسنوات، شنت أقلام -بأجر وبدون- ارتدت أثواب "ليبرالاوية، وإسلاماوية، ويساراوية"، (ودعمها في مهمتها كثيرا، بالمناسبة، الخطاب القوماوي الشعاراتي، الذي حبس المعاني الواسعة في مقولات مؤدلجة مخنوقة).. شنت هذه الأقلام حربًا على فكرة العروبة، لكن رغم أنف هذه الأطراف تحديدًا تسمّى "الربيع" الجماهيري/الحراكي بـ"العربي"، تقبله؟، ترفضه؟. لكن مصر لم تكن مؤهلة بالتأثر (إلى هذا الحد) بأحد في العالم سوى تونس، لو جرى ما جرى من إزاحة رئيس بذات كيفية إزاحة زين العابدين بن علي في أي بلد آخر، لوجدت له آثار في القاهرة (لا نشطب التأثر الأممي أو العولمي)، لكنها لم تكن لتكون بهذه الكثافة (لماذا بهذه الكثافة؟، للعوامل التي يعددها طابور من الناس في كتبهم). بالمناسبة لم يحشر المسألة "العرقية" في العروبة، إلا متطرف (ملفوظ، إجمالا)، على العكس، (العرقية) كانت في الأغلب حجة المضببين عن رؤية الواقع، وبالتالي رافضي كل ما من شأنه الدفع نحو التقارب والوحدة. لكن على كل "المجموعات الجينية" -ونعتذر مسبقا على الانحدار لهذا- التي حاول كثيرون "توظيفها" مؤخرًا تثبت على العكس أن هذه المنطقة بشقيها الأسيوي والأفريقي، تملك جينين خاصين بها (جي ، إي ثري بي)، تَسمى الأول منها، والذي يتكثف وجوده باليمن بـ"العربي"، فحضر بناءًا عليه الالتباس، والحقيقة أن الجينين معًا، يؤكدان أن المنطقة ذات خصوصية (لأن هذين الجينين لا يتكرران في منطقة بالعالم بهذه الكثافة إلا بها)، وأن عدم وجود الجين "جي" بمصر، مثلا، بكثافة (هو موجود لكن بلا تكثيف)، في مقابل حضور أوسع لـ "إي ثري بي" لا يعني أن مصر صارت "أوروبية" أو "أفريقية تمامًا/جنوب الصحراء" على العكس، هو يحيلك بالضرورة للارتباط بكل ما هو عربي في أفريقيا، من الصومال وحتى موريتانيا، لأن هؤلاء شركاؤك بذات الجين. المسألة كلها، تقدم علمي، يساء توظيفه سياسيًا، ويتم حشر النتائح على اتساع سبل قراءتها في "عناوين" لأغراض مسبقة، ولو كان له عندي داعي، فإنه يؤكد تقارب كل البشر في كل محيط جغرافي، منه مثلا تكتشف قرابة "جينية" مع مواطني إيران وتركيا وأثيوبيا وجنوب أوروبا، يعني مجالك الحيوي الطبيعي كعربي للتحرك، والتضامن، والتآزر (لا التنافس، كضرورة - لأنها بالأساس ليست دعوة شوفينية).