2024-04-20 02:15 ص

موجة الشعبوية المتشددة تجاه الهجرة تبلغ أستراليا

2017-02-25
أستراليا. أكثر من ربع سكانها ولدوا في الخارج، ولم تشهد حالة ركود منذ 25 عاما ويعتقد كثيرون أن الهجرة هي أمر بالغ الأهمية للاقتصاد، لكن اليمين المتشدد يمكن أن يقوض نموذج أستراليا.
إنها غرفة للوقوف فقط في حانة بوديرم حيث حشد من 200 شخص يتدافعون لسماع التعنيف الذي تشنه بولين هانسون ضد المهاجرين، والشركات الأجنبية، وإساءة معاملة المزارعين، وما تسميه مخاطر "أسلمة أستراليا". 
هي محاطة بأنصار يرتدون قمصانا وشارات تحمل اسم حزبها ’حزب الأمة الواحدة‘، السياسية المتحمسة ذات الشعر الأحمر تقول إن الناس سئموا من وصفهم "بالعنصرية" للتعبير عما تقول إنه مخاوف مشروعة.
تقول هانسون لصحيفة "فاينانشيال تايمز"، في الوقت الذي يتناول فيه أنصارها شطائر الهمبرجر المصغرة خلال مسيرة "يوم أستراليا" في الشهر الماضي: "يجب أن نضع حدا للهجرة. أريد منع المزيد من المسلمين من الدخول. انظر ما يحدث في إنجلترا، إنها فوضى عارمة، وفي فرنسا. لدينا مناطق محظورة، حيث لا نغامر بالذهاب إلى أي مكان بالقرب منها، لأنها تحت هيمنة المسلمين".
خطاب هانسون ضد الهجرة ومزاعمها المشكوك فيها يشبه خطابات الرئيس الأمريكي ترمب، ومارين لوبن، زعيمة حزب الجبهة الوطنية في فرنسا، ونايجل فراج، الزعيم السابق لحزب الاستقلال البريطاني، الذين استغلوا موجة من السخط الشعبي بين الناخبين البيض، من الطبقة المتوسطة في الولايات المتحدة وأوروبا.
في البلدات الريفية مثل بوديرم في كوينزلاند، وهي ولاية لديها تاريخ محافظ، وحيث الوظائف الجيدة نادرة، الأجور ثابتة وأسعار المنازل عالية، على نحو لا يطيقه كثير من الشباب، رسالتها الشعبوية تلقى صدى لدى الناخبين.
خطاب حزب الأمة الواحدة المتشدد يأتي في الوقت الذي يجذب فيه نظام الهجرة في أستراليا الاهتمام العالمي. الأمم المتحدة ومجموعات حقوق الإنسان انتقدت احتجازها لطالبي اللجوء في جزر جنوب المحيط الهادئ، باعتباره غير إنساني. 
عدم رغبة كانبيرا بتسوية أوضاع "لاجئي القوارب" المذكورين أدى إلى تبادل مكالمات هاتفية غاضبة هذا الشهر بين مالكولم تيرنبول، رئيس الوزراء الأسترالي، وترمب، حول ما إذا كان ينبغي أن يلتزم باتفاق أبرمه باراك أوباما لإعادة توطين 1250 لاجئا في الولايات المتحدة.
يخشى بعض المحللين أن مطالبة حزب الأمة الواحدة الشعبوي ستدفع الأحزاب الرئيسية أكثر إلى اليمين وتقوض انفتاحها أمام هجرة العمالة الماهرة والتجارة الحرة. يقول دانكان ماكدونل، المحاضر في جامعة جريفيث في بريسبان ومؤلف كتاب ’شعبويون في السلطة‘: "هانسون هي جواب أستراليا [على السياسي اليميني الهولندي] خيرت وايلدرز أو مارين لوبن. تريد إعادة أستراليا إلى الخمسينيات. تريد أمة بيضاء حمائية غير ليبرالية".
انتخب أعضاء مجلس الشيوخ الأربعة التابعين للحزب، بمن فيهم هانسون، في الانتخابات الفيدرالية في تموز (يوليو) الماضي، ما منح الحزب بعض النفوذ على التشريعات في برلمان منقسم بفارق ضئيل حيث حكومة الائتلاف بقيادة الحزب الليبرالي تملك أغلبية بنائب واحد فقط. الدعم الشعبي لحزب الأمة الواحدة، مع أنه لا يزال بقاعدة منخفضة جدا، في تصاعد، ومن المرجح أن يفوز بمقاعد في انتخابات الولاية التي تقع في غربي أستراليا الشهر المقبل، وكوينزلاند في وقت لاحق من هذا العام.
عودة ظهور حزب الأمة الواحدة، الذي ظهر أول مرة على الساحة السياسية في منتصف التسعينيات قبل أن ينهار، صدم المؤسسة السياسية في بلد لم يشهد حالة ركود منذ ربع قرن، وحيث الهجرة تتمتع بدعم شعبي واسع. أكثر من ربع سكانها البالغ عددهم 24 مليون نسمة ولدوا في الخارج، ما يجعلها واحدا من أكثر البلدان متعددة الثقافات في العالم.
يقول سيف أوزدوسكي، أستاذ مساعد في جامعة غرب سيدني: "منذ الحرب العالمية الثانية، لم يدمج أي بلد آخر عددا كبيرا من المهاجرين بهذه الدرجة من النجاح بقدر أستراليا. وبمتوسط يبلغ 1 في المائة من السكان سنويا - وهذا رقم هائل. إنه نظام هجرة منضبط للغاية، الذي لا يوفر في البداية الحق في الحصول على الرعاية الاجتماعية، ويعزز الاقتصاد. أنا لا أرى أين المشكلة".

النظام القائم على المهارات
على مدى العقود الثلاثة الماضية، الأحزاب الرئيسة في أستراليا أشادت ببرنامج الهجرة فيها، الذي يمكن الحكومة من انتقاء المهاجرين المهرة، كأساس لنجاحها الاقتصادي. وطرحت كنموذج لتتبعه المملكة المتحدة من قبل أنصار خروج بريطانيا، حتى اكتشفوا أن أستراليا تستقبل مهاجرين لكل فرد أكثر من بريطانيا كل عام.
حكومة تيرنبول من يمين الوسط، التي شعرت بنذير الخطر من حزب الأمة الواحدة، عززت سياسات اللجوء وحماية الحدود المتشددة أصلا.
يخشى نشطاء مناهضة العنصرية أن تغيير اللهجة السياسية يمكن أن يحرض على الكراهية، ويقوض التعدد الثقافي في البلاد. وتخشى الشركات أن أي رد فعل عنيف ضد الهجرة يخاطر بإلحاق الضرر باقتصاد أستراليا، الذي تقلص للمرة الأولى منذ خمسة أعوام، في الربع الثالث من عام 2016.
يقول جيمس بيرسون، الرئيس التنفيذي لغرفة التجارة والصناعة الأسترالية: "الحدود المغلقة تجعل الناس أكثر فقرا. إذا استجبنا للتوترات السياسية بشأن الهجرة باستخدام الأداة الفجة التي تقوم على تقليل حصتنا، فإننا سوف نقيد من قدرة الشركات الأسترالية على التوسع، وبالتالي توفير فرص عمل محلية".
منذ استعمارها في القرن الثامن عشر، تملك أستراليا تاريخا مثيرا للجدل، فيما يتعلق الأمر بالهجرة والعرق. فقد فرضت سياسة "أستراليا البيضاء" في مطلع القرن العشرين لمنع تدفق المهاجرين من آسيا، وعاملت سكانها الأصليين بقسوة، حيث إن كثيرا من السكان الأصليين لا يزالون يواجهون مشاكل مزمنة من البطالة، والإسكان والمشاكل الاجتماعية.
فككت هذه السياسة تدريجيا بعد الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1975 تم إقرار قانون التمييز العرقي، الذي حظر الاختيار المتحيز عرقيا للمهاجرين. 
تسارعت الهجرة خلال طفرة الاستثمار في مجال التعدين في منتصف العقد الأول من الألفية. ويقول خبير الاقتصاد سول إسليك، إن التدفق الثابت من المهاجرين يسهم بنحو ثلث النمو الاقتصادي السنوي في البلاد.
يقول إيان مكاليستر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أستراليا الوطنية: "المستويات العالية من الهجرة وطفرة بناء المنازل ساعدت في إبقاء أستراليا خارج الركود بعد الأزمة المالية العالمية، إلا أن الناس يصبحون أكثر قلقا من الهجرة بسبب الارتفاع الحاد في أسعار المنازل، والاقتصاد الضعيف، والتصور بين بعض الناس، من أن أجزاء من غربي سيدني تصبح مناطق مصغرة من إسلام أباد ".
دراسة أجرتها جامعة أستراليا الوطنية على الناخبين الممثلين في انتخابات عام 2016 أظهرت أن 42 في المائة أرادوا الحد من الهجرة، وأن 32 في المائة أرادوا الحفاظ على المستوى نفسه، واعتقد 25 في المائة أن أستراليا يمكن أن تستوعب زيادة في المهاجرين. 
وفي حين أن 2.2 في المائة فقط من الأستراليين ذكروا أنهم من المسلمين في تعداد عام 2011، إلا أن الموقف من الهجرة الإسلامية هو أكثر سلبية. دراسة أجرتها وكالة نيوزبول هذا الشهر توصلت إلى أن 44 في المائة من الناس سيدعمون فرض حظر على غرار ترمب، على السفر من البلدان السبعة نفسها ذات الأغلبية المسلمة إلى أستراليا.
الحكومة، التي تأتي بعد حزب العمال في استطلاعات الرأي، صعدت خطابها. في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، قال بيتر دوتون، وزير الهجرة، إنه سيعمل على إزالة بعض الوظائف من قائمة الـ 650 مهنة - تراوح بين مهندس معماري وعامل الغاز وجراح القلب - المتاحة لها تأشيرات المهاجرين المهرة.
يحذر تيم سوتبوماسارن، مفوض التمييز العنصري في أستراليا، قائلا: "في الوقت الذي يكون فيه لدى كثير من الناس مخاوف مشروعة حول الاقتصاد والتغيير الاجتماعي، إلا أنه ينبغي عدم تشجيعهم على الاعتقاد أنه يمكنهم بكل بساطة استهداف المهاجرين أو الأقليات لتوجيه اللوم إليهم".
توصل مسح سنوي شمل 1500 شخص أجري من قبل مؤسسة سكانلون في آب (أغسطس) إلى أن تقارير التمييز المستندة إلى لون البشرة، أو الأصل العرقي، أو الدين، ارتفعت بواقع خمس نقاط مئوية لتصل إلى 20 في المائة في عام 2016 - أعلى مستوى منذ عشر سنوات.

تشديد سياسة اللجوء 
أبرم الحزب الليبرالي الحاكم اتفاقا حول ما يفضله الناخبون مع حزب الأمة الواحدة في انتخابات غرب أستراليا المقرر عقدها الشهر المقبل، ما شجع وزيرا من حكومة الائتلاف لأن يقول إن حزب هانسون "يتطور" وإنه "أكثر تطورا بكثير" الآن.
هانسون، التي غادرت المدرسة وهي في الخامسة عشرة من عمرها وأدارت متجرا لتقديم الطعام قبل دخولها حقل السياسة، اقتحمت الساحة السياسية في العام 1996 عندما انتخبت كعضو برلمان، ضمن منصة تحذر من أن أستراليا تتعرض لخطر الاجتياح "من قبل الآسيويين".
وقد اقترحت تشديد قوانين اللاجئين في العام 1998- العام الذي ارتفعت فيه شعبية حزب الأمة الواحدة لتبلغ ذروتها، حيث فاز بتصويت نسبته 20 في المائة، في انتخابات أقيمت في ولاية كوينزلاند. بعد فترة وجيزة، أدى الاقتتال الداخلي المرير إلى إقصاء الحزب كقوة سياسية. وأدينت هانسون بعد ذلك بقضية احتيال في الانتخابات في العام 2003 وحكم عليها بالسجن 3 سنوات. وقد أسقطت الإدانة بعد تقديم الاستئناف.
رئيس الوزراء آنذاك جون هوارد كان قد أرسى في الأصل دعائم سياسة اللجوء السياسي المتشددة في أستراليا، من خلال تعهده في عام 2001 " بأن يحدد من الذي يدخل هذا البلد والظروف التي يتم فيها ذلك". 
أدخلت حكومته تأشيرات حماية مؤقتة لطالبي اللجوء الوافدين بالقوارب، التي تحرمهم من إمكانية الحصول على الخدمات والحقوق وسبل الإقامة المتاحة للأشخاص الذين يلتمسون الحماية، ويأتون من خلال برامج الأمم المتحدة لإعادة التوطين. 
بعد مضي نحو عقدين من الزمن، تطور ذلك التعهد ليصبح حظرا شاملا على أي من طالبي اللجوء الذين يفدون بالقوارب، وتمخض عن ذلك احتجازهم في جزر بعيدة في جنوب المحيط الهادئ.
بالعودة إلى بوديرم، تقول هانسون إن الأحزاب القائمة تتدافع لتحذو حذو حزبها. كما تقول إنه في هذه المرة سيبقى حزبها متحدا للاستفادة من رغبة أكبر حتى لإدخال التغييرات على سياسة الهجرة.
وتضيف: "هذه حركة عالمية جنبا إلى جنب مع انتخاب ترمب وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. الفرق الآن هو أن الناس الذين لم يقدموا لي قط الدعم من قبل أخذوا يؤيدون موقفي الآن. وبإمكانهم أن يروا أن ما قلته آنذاك قد حصل، وبالتالي استعدت مصداقيتي".
عند سؤالها من قبل صحيفة "فاينانشيال تايمز" حول ذكر اسم موقع واحد من "المناطق المحظورة" في إنجلترا - وهو ادعاء انتشر على لسان ترامب خلال حملته الانتخابية - قالت في وقت لاحق موضحة الأمر، من خلال المتحدث الرسمي باسمها، إنها لم تكن تعني قط أن تقول بريطانيا، لكن هانسون متمسكة بادعائها بأنه توجد هناك مناطق محظورة في أوروبا.

ضغوط الجمهور

يقول خبراء الاقتصاد إن دعوة حزب الأمة الواحدة بأن يصل صافي معدل المهاجرين إلى الصفر - سياسة دخول واحد وخروج واحد في المقابل - من شأنها أن تدمر الاقتصاد.
يقول بوب جريجوري، أحد أعضاء مجلس إدارة البنك المركزي الأسترالي سابقا: "إن هذه السياسة لا معنى لها لأنها يمكن أن تمنع سوق العمل من التكيف مع التقلبات في الاقتصاد. يغلب على الناس مغادرة أستراليا عندما يكون الاقتصاد ضعيفا، لكن هذه السياسة يمكن أن تعني أن هذه هي المرة الوحيدة التي سيسمح فيها بالهجرة الداخلة".
إحدى الحجج الرئيسة، المستخدمة من قبل منتقدي موضوع الهجرة، هي أنها تعمل على أخذ فرص العمل من العمال المحليين. مع ذلك، كان صافي الهجرة الداخلة آخذا في التراجع فعليا في أستراليا، منذ أن وصل ذروته في عام 2009، في أوج الأزمة المالية العالمية، بنحو 300 ألف شخص.
مع ذلك، دعوة هانسون باتخاذ سياسات هجرة أكثر تشددا تحظى بشعبية في مناطق فشل فيها الاستثمار في البنية التحتية، في مواكبة أعداد السكان الآخذة في النمو بنسبة تصل إلى نحو 1.5 في المائة سنويا. شهد النقص في المساكن، المتهم من قبل البعض بأنه بسبب الهجرة، ارتفاع الأسعار إلى الضعف في ملبورن وأجزاء من سيدني على مدى العقد الماضي.
حث البنك المركزي الأسترالي هذا الشهر الحكومة الفيدرالية، وحكومات الولايات على الاستثمار في البنية التحتية لتخفيف القيود التي "يمكن أن تتسبب في تقليص الدعم الحكومي المقدم لأعداد سكان آخذة في النمو".
بناء الطرق الجديدة وخطوط السكك الحديدية والمساكن يستغرق وقتا. في حانة بوديرم، يقول الكثير من أنصار هانسون إنهم انتظروا فترة طويلة كافية لكي يستجيب السياسيون لمخاوفهم.
يقول ستيفن فورد، الذي يخطط لترشيح نفسه عن حزب الأمة الواحدة في كوينزلاند: "إن بولين هانسون عاطفية إزاء الاستماع إلى الناس - وهي ليست جزءا من التيار السياسي الذي يحاول كسب الكثير دون بذل أي جهد. سنكون قوة مهمة في عالم السياسة الأسترالية".