2024-04-20 05:14 م

الدكتور والسيد: جاهزون للحرب، لا تخطئوا مجدداً.

2017-02-23
بقلم: سمير الفزاع
بصرف النظر عن المبررات التي يفسر بها البعض الإحتلال التركي للأراضي السورية شمال مدينة حلب، إلا أن المشهد السياسي-العسكري في تلك المناطق المحتلة، وتحديداً في مدينة الباب يوضح الكثير من خلفيات ومسببات هذا الغزو لمن يريد. كلنا يتذكر التصريح الشهير للرئيس بشار حافظ الأسد حول "دفن أحلام أردوغان في حلب"، ويبدو بأن "الأسد" لم يكتفي بدفن أحلام أردوغان هناك؛ بل هو يعمل –إن إستمرت أحلام أردوغان وتخادمه مع مشروع غزو سورية- على تجميد فدفن المستقبل السياسي لأردوغان وحزبه في مدينة "الباب". على العكس مما أراد أردوغان، تحول غزو مدينة الباب إلى أزمة جديدة تنضم إلى أزماته المستعصية، ونقطة إستنزاف إضافيّة تستهلك نزعاته الإمبراطورية وأحلامه العثمانية ومشاريعه الصهيو-إسلاموية وحملاته الدعائية... وأحدث ميادين الإشتباك التي تظهر عجز حلف النيتو أولاً، وتركيا ثانيا. بعد الأخطاء الكارثيّة –سياسيّة وعسكريّة- التي ارتكبتها حركات إنفصاليّة كرديّة، وبداعي محاربة نزعاتها الإنفصاليّة وإرهاب داعش، حاول أردوغان –بعض أهدافه من الغزو- نقل أزماته الداخليّة إلى سوريّة. ولكنّ سوريّة تمكنت من مفاقمة مشكلاته وتعميق جراحه؛ بل وجعلت من هذا الغزو سكيناً تضعه على عنق أردوغان وعنق داعش. عقب تحرير حلب، وإنقلاب المشهد الإستراتيجي لصالح الدولة السوريّة وحلفائها، أصبح حلف الحرب على سوريّة أمام الخيارات الأسوأ: إما تحسين شروط التفاوض ولو من موقع المهزوم، بإدامة الحرب على سوريّة عبر أدوات الغزو الإرهابي التي ثبت فشلها الكارثي بعد إنهيارها الدراماتيكي في شرق مدينة حلب، خصوصاً وأنّه تمّ تجهيزها هناك بكافة مستلزمات المواجهة لأشهر طوال إن لم يكن سنوات... أو اللجوء إلى سيناريو "الجيوب الإستراتيجية" والتي تقوم على الإحتلال المباشر لدول وكيانات حلف العدوان لبقع جغرافيّة محددة، ولكنها ذات طبيعة مفتاحيّة، تتيح السيطرة عليها ميزة الإشتراك برسم المستقبل السياسي-العسكري لسورية وعموم المنطقة... أو الإنهيار الكلي لمنظومة العدوان على سورية، أنظمة وكيانات وتشكيلات أمنية وسياسية ومالية وإعلاميّة... والتسليم بإنتصار سوريّة وحلفائها، دون التوصل إلى تفاهم لإدارة الإقليم والعالم. حاول أردوغان أن "يُطوّر" غزوه المحدود واحتلال مدينة جرابلس إلى مستوى "الجيب الإستراتيجي" عبر السيطرة على مدينة الباب كخطوة أولى، ليحقق عدة أهداف دفعة واحدة، منها: شوكة مسمومة في خاصرة مدينة حلب. تحويل المدينة إلى "ملجأ" لعشرات أو مئات ألآف "السوريين" من المؤيدين لتوجهات أردوغان التوسعيّة. بناء معسكرات لإستجلاب وتدريب وتسليح الإرهابيين من سورية وبقيّة العالم، لتشكيل جيش مواز للجيش العربي السوري. تحويل المدينة من مركز لمنطقة أوسع متخمة بالسكان والإرهابيين إلى منطقة آمنة محظور الطيران فيها عند أول حادث حقيقي أو مفتعل تجاهها. منصة لتحقيق الأهداف السياسية والعسكرية في شمال وشرق سورية، مثل تشكيل حكومة هناك سيعترف بها الكثير من الدول. إقامة قاعدة كبرى للجيش التركي وأدوات غزوه المسماة درع الفرات على الأراضي السوريّة بشكل يؤهله لتنفيذ غزو عسكري مباشر آخر نحو حلب أو غيرها، بالتزامن من غزو جديد للكيان الصهيوني نحو الأراضي اللبنانية، وصلت الإستعدادات له إلى المراحل الختاميّة. على نحو مفاجيء، وبدلاً من توسيع دائرة الأمان حول حلب في الريفين الجنوبي والغربي، تقدم الجيش العربي السوري وحلفائه نحو مدينة الباب، وخلال أيام معدودة تمكنوا من تطهير عشرات القرى، ليُصدم أردوغان ومن خلفه بتمركز الجيش وحلفائه على مشارف مدينة الباب. بكل أمانة وشفافيّة، وعلى الرغم من أن الجيش العربي السوري وحلفائه لم يدخلوا الباب حتى اللحظة، إلا أنهم: بالحضور المادي للجيش وحلفائه على مشارف الباب، والقصف الجوي الروسي "الفريد" والمتعمّد لأحد مواقع الجيش التركي الذي لامس "حلماً" خطيراً... تمكنوا من تحقيق عدة أهداف هامة جداً منها: منع جلب المدنيين وتجميع الإرهابيين في مدينة الباب. وأد فكرة المنطقة الآمنة "للمدنيين" والملاذ الآمن للإرهابيين. القضاء على إحتمالات التسلم والتسليم بين داعش وأردوغان كما حصل في جرابلس. إنهاء أي حلم أردوغاني بالتوسع أكثر في الأراضي السورية، وإدخال أردوغان والجيش التركي وأدوات غزوه من جهة وداعش من جهة ثانية، في حرب تستنزف الطرفين. سحب المزيد من أدوات الغزو الإرهابي من ريفي حلب الجنوبي والغربي، وهو ما يستفيد منه جيشنا اليوم إثر تقدمه نحو أرياف جنوب-غرب حلب. منح الوقت اللازم للجيش العربي السوري كي يتقدم على جبهة تمتد من تادف حتى دير حافر وصولاً للخفسة -مصدر مياه حلب- كمرحلة أولى، في موقف قتالي يتشتت فيه "الحشد الداعشي" بين عدة ميادين مستعصيّة إستنزافيّة: دير الزور، محيط كويرس، تدمر... ومدينة الباب. قتل فكرة العمل العسكري الصهيوني-التركي- بالتحالف مع الرجعية العربية وبعض الدول الغربية في الشق السوري كما قتلها في مهدها السيد حسن نصر الله في الشق اللبناني. بعد أكثر من مئة يوم من معارك الكرّ والفرّ بين داعش والغزو التركي وأدواته الإرهابيّة، وبعد أن حرّر الجيش العربي السوري وحلفائه أكثر من خمسين بلدة وقرية في الريف الشرقي لحلب، وتآكل قواها في محيط تدمر وثغرة جبل الثردة في دير الزور... وبعد تدخل مدير CIA، ثمّ السيناتور الأمريكي جون ماكين، والكثير من المال... حصل الإتفاق، وبدأت داعش بسحب ما تبقى من إرهابييها من المدينة!!! صحيح بأن إحتلال الباب أمر محزن وطنيّاً ونفسيّاً، ويبعث على القلق والتحسب سياسيّاً وعسكريّاً، لكنّ الإنجازات أكبر بكثير من الخسائر، خصوصاً وأن داعش تمثل إحتلالاً لا يختلف كثيراً عن الإحتلال التركي. ختاماً، عندما يتحدث السيد حسن نصر الله عن إستهداف الباخرة التي تحمل "الأمونيا" لكيان العدو الصهيوني على أي نقطة من السواحل الفلسطينية، وليس مجرد حاويات تخزينها في حيفا... يعني بأن طرطوس واللاذقية باتت أكثر من آمنه، ورُحلّت "الياخونت" إلى لبنان لـ"تضبط" حركة سواحل فلسطين... ثم يطور ردعه ليطلب من كيان العدو تفكيك مفاعل ديمونه، وصولاً إلى ذروة التهديد بأن لا خطوط حمر أو تدرج بالتصعيد يمنع قصف هذه الأهداف مجتمعة في أي مواجهة قادمة... وفي المقلب الآخر كان الإعلام الحربي يبث صوراً للعميد سهيل الحسن وهو يتنقل بطائرته متفقداً خطوط وجبهات القتال من مشارف الباب وحتى دير حافر... متكأً على أذرع جيشنا وحلفاءه وسطوة الأس-300 والـ400، بعد تصريح "الأسد" حول تحرير آخر شبر في سورية من الإرهابيين... إنّه التحدي لكل قوى وجحور العدوان من واشنطن مروراً بأنقرة وحتى تل أبيب... صواريخنا ستطالكم في البر والبحر والجو، وهذه مروحياتنا، لا أكثر، ترسم حدود المعركة في وجه مناطقكم الآمنة، فمن يجرؤ على إستهدافها، وفتح أبواب المواجهة الكبرى، فليفعل. تأكدوا، خلف أبواب الباب سينتهي أردوغان وأحلامه وأدواته... كما مات شارون وأنتهت أحلامه وأدواته خلف أسلاك بوابة فاطمة... ليست نهاية التاريخ، ولكنها بداية لتاريخ جديد.