2024-03-29 02:42 م

نفير عاجل للمقاومة

2017-02-18
بقلم: إيهاب شوقي
المتأمل للصراعات السياسية لا بد وان يلحظ ان الصراعات لاتحل وانما تخضع لمفهوم الادارة. وادارة الصراعات لها اكثر من طريقة، تارة عبر العصا وتارة عبر الجزرة، وتارة عن طريق المساومات، والهدف الرئيسي هو المصالح وتقاس كفاءة الأسلوب عن طريق ايهم اقل كلفة واكثر جلبا للمصلحة. هذا في السياسة، وفي المبادئ والايدلوجيات، تكون المعارك صفرية لابد وان تنتهي بانتصار طرف على الاخر انتصارا شاملا وهو ما يعرف بالصراع الوجودي، وهذا لا يمنع من وجود ادارة مرحلية للصراع. مايهمنا هو ان نشخص الصراعات تشخيصا سليما، فلا نقع في خطيئة التشخيص الغير متسق مع الواقع لانه يقود لنتائج كارثية. فالصراع مع العدو الصهيوني هو صراع وجودي وعندما تخضع ادارته لمنطق التوازن والحفاظ على المصالح المشتركة والكلفة القليلة والغنيمة الأكبر، فهو عبث وانتحار لان هذا العدو لا يفكر الا في القضاء على اعدائه ويدير معركة صفرية وان تظاهر مرحليا بغير ذلك. الحاصل انه يراد للأمة ان تقع رهينة التشخيص المغلوط، وان يبتعد عن ذهنها ووجدانها الجمعي حقيقة "وجودية الصراع" دون ان يقال لها ان هذا استسلام وانبطاح وعار كبير، ويراد لها ان تخضع لمتلازمة نفسية تسمى "متلازمة ستوكهولم" مضمونها التوحد مع المعتدي والوقوع في غرامه كبديل نفسي عن المقاومة. هنا يتم تضخيم قدرات العدو وتحقير القوة الذاتية ومهاجمة المقاومين الذين يذكرون المفرطين بعارهم فتتم شيطنتهم ونزع شعبيتهم حتى لا تلتف حولهم الجماهير وتتورط انظمة التفريط والعمالة. الجديد حاليا هو الإعلان عن الخيانة والتفريط دون خجل او تواري، بل ووصف هذا العار بأنه تعقل وحكمة وحنكة وواقعية والتمادي في اختلاق التبريرات لدرجة تصبح معها المقاومة هي الخطيئة والجنون والخيانة ايضا!!! كيف تطورت الأمور ووصلت لهذا الحال البائس؟ نستطيع ان نقول انها مرت بمفاصل رئيسية قلبت الاحوال والقيم وعكست الامور بهذا الشكل المخزي والمثير للعجب. ابرز هذه المفاصل يمكن رصده بالسماح للنخب تحت بند حرية التعبير ان تروج للتفريط، وان يسمح لفقهاء السلاطين وكتاب وصحفيي القصور الملكية والرئاسية بالجهر بالخيانة، وان تكون المنابر والعناوين الرئيسية للجرائد الرسمية مرتعا للأفكار الصهيونية المكتوبة باللغة العربية بنكهات محلية. هذا بلا شك انتشر بعد "معاهدة السلام" والزيارة المشؤومة للقدس المحتلة والتي قام بها الرئيس المصري انور السادات والتي لها جذور سابقة لكنها كانت متوارية ولم تجرؤ على الاعلان عن نفسها. هذه الجذور لم تكن متعلقة بالسادات وحده وانما ببذور طابور خامس عميل في كل الاقطار كان ينتظر اشارة البدء في قطره حتى يعلن عن نفسه ويروج للمهانة ويزايد على المقاومين والشرفاء. لا بد وان نعترف بشجاعة بأن الصراع الوجودي مع الصهاينة لم يعد وجوديا في وجدان قطاعات عريضة من الجماهير والتي رأيناها منشغلة بهموم اخرى حتى في ظل القصف على غزة او لبنان، بل وليس بهموم اخرى فقط بل ربما بمباراة لكرة القدم تتزامن مع غارات صهيونية. لا نريد ان ننفي ان هناك بالمقابل قطاعات لازالت مهمومة، ولكن فكرة انقسام الشعوب لقطاعات متباينة الرؤية والمشاعر تجاه قضية مركزية ووجودية هي كارثة في حد ذاتها! العبث الرئيسي كان في وجدان الأمة وثوابتها وتم تركيز الحرب النفسية على هذا الوجدان الجمعي ولا شك وان اعمق مستوى في الوجدان عو الدين، فكان التركيز منصبا على تشويه مفهومه وجوهره واستخدامه كأداة تقسيم وتفتيت بدلا من حقيقته كأداة للوحدة وتجاوز الخلافات والانتماءات الضيقة. لم تكن صور الوحدة الاسلامية المسيحية جزءا من الدراما قط ولكنها كانت واقعا وكان الجنود المسلمين بجوار اقرانهم المسيحيين في المعارك تجمعهم القضية، والان لا قضية ولا معركة واصبحت الصور الفوتوغرافية والتليفزيونية مجرد نفاق بصري لواقع بائس هشمه التكفير. ولم يكن زواج السني من الشيعية او العكس حكايات تقال للاطفال قبل النوم بل كانت واقعا، والان تبعث باستفتاءات لمشايخ السلاطين حول ذبيحة الشيعي ل اكلها حلال ام حرام!!! هذا الواقع البائس هو الارضية الخصبة لاحتلال الامم وهو ما نراه واقعا في كل التسويات واتي تسعى لتقاسم النفوذ كلفظ مهذب لتقاسم الغنيمة واحترام الحدود الامبراطورية الاستعمارية الجديدة. والحكام العرب لا مشكلة لديهم ان يكونوا مجرد ولاه على غرار ولاة المماليك او العثمانيين تحت امرة اي خليفة عثماني او بيزنطي، والمهم بالنسبة له هو الولاية وغنائمها. الشرعية لا زالت تعطى من واشنطن ومن مؤسسات المال الكبرى عبر عامودين رئيسيين هما الاقتصاد الحر والحفاظ على امن الكيان الصهيوني، ومن يحافظ على ثبات هذين العامودين هو رئيس شرعي وهو ما فقهه حكام العرب واعتبروه حنكة وخبرة ودراية بالسياسة متجاهلين الشرعية الشعبية ومتناسين ان قوانين النظام الدولي واسسه تتغير وان لا بقاء الا للقوي، حتى وان شنت عليه الحروب فهو الاكثر امنا ورسوخا ممن ينتظر القتل وتداعي وانهيار المنسأة من يديه ليخر ساقطا. الامور لم تعد تقاس بالعقود حاليا او حتى السنوات بل بالشهور، والشهور القليلة القادمة هي شهور حاسمة في بنية النظام العالمي الجديد التي تتشكل والتي ستشهد تحالفات تقليدية متصارعة على رجل العالم المريض الجديد وهو الامة العربية. وما يصعب الامور هذه المرة هو اختفاء الفلسفات والايدلوجيات وبالتالي ستكون التحالفات والصراعات اكثر حدة لان المصالح وحدها هي الحاكمة. من الواضح ان قرارا دوليا اتخذ في دهاليز اجتماعات النظام العالمي السرية في نادي روما الفكري ومؤتمرات ميونيخ للامن وبلدربيرغ بالتصعيد بغرض المساومات وتقاسم النفوذ ولا خيار امام الامة الا المقاومة للحفاظ على حد ادنى من الاستقلال والا ستصبح ولايات محتلة. اما كيف ستكون المقاومة وسط هذا الزخم من الخيانة المعلنة ووسط الحرب بالوكالة عن القوى الكبرى والصهاينة، فهو امر في غاية الصعوبة ويحتاج جهدا كبيرا من كافة اطياف المقاومة ووحدة فيما بينهم اولا لصياغة منهج لنشر ثقافة المقاومة وانقاذ الشعوب وهو امر لن يكون مجديا لو اعتمد على خطط طويلة او متوسطة المدى. ولا نعتقد ان المرحلة الحالية يمكن الاكتفاء فيها بالاعلام او مراكز الدراسات ولكنها تتطلب الى جانبهم اساليب اخرى اشبه بحملات طرق الابواب لتنبيه الجماهير لما يحاك لهم. نعم الامر جد عاجل وخطير ويحتاج تحرك فوري واعتماد خطط قصيرة الاجل لانقاذ مايمكن انقاذه وهو قدر المقاومة ونظنها على قدر المسؤولية.