2024-04-25 11:48 ص

الوحدة.. لماذا؟، وبماذا؟

2017-02-03
بقلم: السيد شبل
الأساس في الوحدة هو حيازة القوة، وتحقيق مصلحة أفضل للجماعة المتوحّدة.. مصلحة في التصدي لقوى النهب الخارجية، وفي اقتسام الثروات، وتشاركها، وتحسين توظيفها وإدارتها، في هذا السياق يأتي الحديث عن الوحدة العربية، لكن كأي وحدة، هناك "مقوّمات" تدفعها، أو "مثبطات" تعيقها، يعني، مثلا دعاة الوحدة السياسية بين كندا والولايات المتحدة، يتحدثون عن وحدة اللغة (رغم وجود مقاطعة مثل كيبك تتحدث الفرنسية -لاحظ ذلك-)، والمزاج النفسي والسلوكي المشترك بين مواطني البلدين، وعدد المواطنين الأمريكان ذوي الجذور الكندية، والعكس، والشراكات الاقتصادية القائمة بين البلدين على نطاق واسع.. وهكذا (هذه كلها مقوّمات)، تساعد على تحقيق "الوحدة" التي تضمن مصالح الناس، وتحقق لهم حياة أفضل، وتجعلهم رقم أقوى في سياق التحدي العالمي ضد أي طرف راغب في النهب أو التهديد. بالانتقال للوطن العربي، ساق طابور من الأساتذة، عشرات المقوّمات، مثل اللغة الواحدة، والأرض الجغرافية المتصلة بلا عوائق حادّة، والثقافة الواحدة، والتاريخ المشترك، والمنطقة المتلاقحة منذ قديم الأزل (التي يتحرك ساكنوها ذهابا وإيابًا فيها، المصريون القدماء، مثلا، على الأغلب قادمين من شرقي أفريقيا -العربية اليوم-، ودخلوا مصر من ذات المدخل، الذي ستعبر منه قبائل عربية مستقبلا، بين قفط والقصير، وكانوا يسمونه طريق الأجداد، وهم أقارب بهذا الترتيب، دمًا، لأهل شمالي وشرقي أفريقية، وأقرب العناصر لهم اليوم -بحسب جمال حمدان- قبائل البجا في حلايب وشلاتين)، والدين الغالب على سكان المنطقة، تشابه أو اقتراب الملامح (الشكلية)، اقتراب المزاج النفسي والسلوك المعيشي خاصة بين أهل الجزيرة العربية كمنطقة، الشام كمنطقة، شمال أفريقيا كمنطقة، وشرقي أفريقبا كذلك (مع وجود كباري "مزاجية" بين هذه المناطق، كـ مصر، والعراق). كل ما سبق، وهناك أكثر، هي "مقوّمات" تدفع نحو الوحدة (لها مردود إيجابي، لا وجود هنا لأي نفَس شوفيني).. وتساعد نحو تحقيق تكتل، يقوّي شوكة هذا الشعب في التصدي لخصومه وأعدائه، وتحقيق قدر أعلى من السلم والأمان الإنساني، وتحيطه بغلاف يساعده على استكمال مراحل تطوره.. هل نعارض توسيع الوحدة أكثر؟، أبدًا، لو أمكن، فعلى الرحب، لكن هنا، لن تجد "مقوّمات" تساعد، بذات الدرجة، وأهمها "اللغة"، أول مقوم من مقومات الوحدة، ستكتشفه في حال سافرت إلى الخارج (وستعرف معنى الغربة في مناخ غير عربي، وسيصير العربي بالنسبة لك هدية من السماء).. لذا يمكن تأسيس أشكال أخرى من الوحدة، تكون أخف، (وحدة تعاون، وحدة تضامن، وحدة عمل) وكلما أمكن تعزيزها، فيجب تعزيزها، مثلا، في تقارب العرب مع الإيرانين والأتراك، أو مع أفريقيا (غربي القارة ووسطها)، يحقق مصالح واسعة للجميع، فكل تبريد للخلاف بين هذه الشعوب، وتقارب بينهم، واتصال أوسع، مصلحة للإنسانية، وحماية لها من أي تهديد خارجي.. وتقوية لشوكتها في العالم.. وهكذا.. يستمر المنوال، من الأقرب للأقرب، وممن تتوافر معه مقوّمات أكثر للأقل، بما يضمن في الختام مصلحة عامة أفضل (طبعا، دون رومانسية فارغة، تسقط المقوّمات إسقاطا تامًا). طبعا، موضوع الوحدة ذاته، وكيف تتم؟، لا بد لها أن تكون شعبية، وتكون ثمارها شعبية، وتكون الحكومة التي تديرها منحازة للشعب وتخطب مصلحة أغلبيته الكادحة (بما يعني أنها ليست ناهبة في ذاتها، تريد توسيع مساحة المنهوب، أو رجعية على أي مستوى!)، لأن حكومة استبدادية وناهبة بهذا الشكل، ستستجلب انقلابا شعبيًا عليها (انقلابًا سياسيًا واجتماعيُا بالحقيقة) لكن سيترجم على أنه انقلاب على (الوحدة نفسها).. كما جرى مثلا مع الثورة المهدية، ضد الحكم المصري التركي المشترك، والذي سلّم السودان (حتى قبل احتلال مصر، وفي دليل على حجم ضعف خديوي مصر قبل الاحتلال) لغوردون باشا، وهو قائد عسكري انجليزي، ليديرها من سبعينيات القرن الـ 19، فثار السودانيون عليه، وقتلوه في 1885. والثورة كانت تحررية ووطينة تماما، لدرجة أن المهدي (قائد الثورة) كان يريد الاحتفاظ بغوردون، لمبادلته بالزعيم أحمد عرابي بعد أن أجهضت ثورته، وتم كسر جيشه على يد الاحتلال الإنجليزي، والخديوي، وعملاء الاحتلال (الذين صاروا كبار الإقطاعيين مستقبلا).. لكن "ثورة المهدي" تم ترجمتها على أنها نزعة انفصالية، وهي أبعد ما تكون عن ذلك بالحقيقة، فهي كانت ثورة على وضع خاطيء فقط، وضد سلوكيات الضباط الأتراك الخاطئة في التعامل مع السودانيين، والمظالم التي تسببوا فيها، وضد ضعف خديوي مصر (إسماعيل) لدرجة أن حاكم السودان كان "جوردون"، وأن الحملة التي أخضعت السودان للاحتلال الإنجليزي مرة ثانية (مع تبعية اسمية لمصر)، هي حملة "كيتشنر" في 1898، كان أحد المشاركين فيها هو "تشرشل"، وكان يتحدث عن إعادة احتلال السودان، وليس احتلال للمرة الأولى (بالمناسبة في هذه الحملة تم إخراج جثمان المهدي، من قبره، وإهانته، وحرقه، واللعب بجمجمته!)! ولتجنب هذا لا بد أن تكون الوحدة بدعم شعبي وقناعة شعبية، على أن تستخدم القوة، في حمايتها مستقبلا، ضد من يتآمر عليها، من أطراف داخلية، قطعًا ستكون مدعومة من أطراف خارجية!.