2024-04-20 01:12 ص

القرار التنفيذي الرئاسي الأمريكي بشأن الهجرة واللاجئين...تصويب البوصلة

2017-02-03
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
ما زالت ردود الفعل المحلية والدولية الشعبية والرسمية تتوالى على القرار التنفيذي الرئاسي الذي صدر عن البيت الأبيض بشأن "حماية الامة من دخول الإرهابيين الأجانب الى الولايات المتحدة" والذي بموجبه يحظر على مواطني سبعة دول وهي اليمن وسوريا والعراق وايران والصومال وليبيا والسودان من المسلمين دخول أراضي الولايات المتحدة لمدة تسعين يوما بالإضافة الى تعليق استقبال اللاجئين السوريين الى أجل غير مسمى. فقد عمت المظاهرات والاحتجاجات العديد من المدن الرئيسية في الولايات المتحدة وما زالت هذه الاحتجاجات الشعبية مستمرة ليومنا هذا دون انقطاع. كما أدان القرار بشأن منع السفر من والى الولايات المتحدة وزراء عدل 16 ولاية أمريكية. ولقد قام الرئيس ترامب بإقالة القائمة بأعمال وزير العدل بالوكالة والمسؤول عن الهجرة والجمارك لرفضها تنفيذ المرسوم الرئاسي بشأن الهجرة. ولقد امتدت الاحتجاجات الى العواصم الأوروبية وقد أجبر البرلمان البريطاني على سبيل المثال وتحت الضغط الشعبي وبعد تجميع ما يقرب من مليوني توقيع على عريضة احتجاج على سياسة البيت الأبيض تجاه الهجرة واللاجئين العنصرية ومنع الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي ترامب الى بريطانيا. وكذلك قام البرلمان الأوروبي لمناقشة ابعاد هذه السياسة واتخاذ موقف أوروبي منها، وقد وصل الحد بمسؤولين أوروبيين على تصنيف الولايات المتحدة كدولة من الدول التي تهدد الاتحاد الأوروبي حيث أضيفت الى القائمة التي تضمنت روسيا والصين والدولة الإسلامية (داعش). لا بد للإنسان المتابع أن يثمن هذا التضامن الذي تبديه الشعوب الأوروبية وقسم كبير من الشعب الأمريكي مع المهاجرين واللاجئين من الدول التي طالها القرار التنفيذي الرئاسي العنصري في جوهره لأن الدول المشمولة بهذا القرار هي دول ذات أغلبية مسلمة. ولم يخفي الرئيس ترامب كراهيته للمسلمين والصاق تهمة الارهاب بهم وضرورة ملاحقتهم ..الخ، تلك السياسة الخرقاء والتي تدل على نوع من الحقد الدفين والعنصرية في أوضح تجلياتها والتي من ِشأنها تعميق الهوة والشرخ في المجتمع الأمريكي كما يدلل استطلاع رأي أجري مؤخرا في الولايات المتحدة. ففي استطلاع الرأي هذا تبين ان 49% من اللذين شملهم الاستطلاع يؤيدون سياسة ترامب تجاه المهاجرين واللاجئين بينما رفضه 41% منهم. وأن 53 % من النواب الديمقراطيين يرفضونه رفضا قاطعا مقابل 51% من الجمهوريين المؤيدين له. ما يجب أن يدركه السيد ترامب أن المجتمع الأمريكي هو مجتمع من المهاجرين واللاجئين أصلا ولا أحد يستطيع أن يدعي أنه أمريكي الأصل اللهم الا من ينحدرون من الأصول الهندية السكان الأصليين لأمريكا أو من تبقى منهم بعدما قام المستوطنين البيض على كافة مشاربهم من ارتكاب أكبر مجزرة تاريخية في العصر الحديث حيث ابيد الملايين منهم وتم الاستيلاء على أراضيهم عنوة. والمجتمع الأمريكي ومنذ ذلك الحين أصبح وما زال هذا المجتمع قائما على المهاجرين واللاجئين الذين قدموا من كافة انحاء العالم والذي قامت على اكتافهم بناء أمريكا بكل ما تملكه من قدرات علمية وتكنولوجية واقتصادية وسياسية ..الخ. وحتى لا نذهب بعيدا فان ترامب ينحدر من أم اسكتلندية وأب الماني وكلاهما مهاجران. ويجب الا ينسى السيد ترامب أيضا التاريخ الأسود للمستوطنين البيض في الجنوب اللذين من خلال تجارة العبيد استقدموا الالاف المؤلفة من اللذين اختطفوا من عدة دول أفريقية للعمل في المزارع تحت ظروف همجية لا تمت الى الانسانية بأية صلة، والتي ما زال العديد من هؤلاء الذين يدعون "الاستثنائية" و "العظمة" و "الديمقراطية" و "القيم" الامريكية ينكرون هذه الحقبة التاريخية ويعملون على طمس معالمها ويقفون ضد إقامة أي نصب تذكاري في الولايات الجنوبية خاصة لإحياء ذكرى من قتلوا بدم بارد من السود من قبل الشرطة البيض أو عصابات Ku Klux Klan. وبالعودة الى ردود الفعل حول القرار نود أن نشير الا أنه بالرغم من تعرض الكثيرون لهذا القرار الذي ينضح بالعنصرية الا أن النسبة الأكبر لم تتعرض الى الجوهر والأسباب الكامنة وراء الهجرة وظهور الاعداد الكبيرة الغير مسبوقة من المهاجرين والنازحين واللاجئين في السنوات الاخيرة الماضية واكتفى العديد من المحللين والمعلقين عن قصد أو غير قصد على تناول افرازات الجوهر لحرف الأنظار عن الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة وتسليط الأضواء على من تسبب في هذه الكارثة الإنسانية بكل أبعادها وبهذا الحجم الغير مسبوق. الارهاب الذي يريد السيد ترامب حماية الولايات المتحدة منه هو الارهاب الذي ولدته التدخلات العسكرية الامريكية المباشرة أو الغير مباشرة عن طريق الأدوات في منطقتنا وغيرها. المجموعات الإرهابية القاعدية والتي خرجت من رحمها داعش لم تكن تتواجد في العراق على سبيل المثال قبل الغزو العسكري المباشر للقوات الامريكية عام 2003 للعراق والتي أرجعت العراق من دولة متقدمة في العديد من المجالات العلمية والتكنولوجية والطبية..الخ الى ما يشبه كيان في العصر الحجري وإقامة نظام طائفي مذهبي عرقي مقيت ما زال العراق يعاني منه الى يومنا هذا. تنظيم القاعدة في العراق والذي ترأسه أبو مصعب الزرقاوي الذي انتقل من أفغانستان لحين مصرعه بغارة أمريكية على مخبئه في العراق اتى مع قدوم جحافل القوات الامريكية الغازية عام 2003 ومن التنظيم اتى البغدادي الداعشي الذي نصب نفسه خليفة المسلمين وكذلك الجولاني الذي ترأس جبهة النصرة القاعدية الذي ذهب ليقاتل في سوريا ضمن مخطط تغير "تغيير الانظمة" الأمريكي المنشأ والمنحى. وكل هذه التنظيمات مصدرها تنظيم القاعدة في أفغانستان الذي أشرفت على نشؤه وتدريبه وتسليحة كل من المخابرات المركزية الامريكية والمخابرات الباكستانية بدعم مالي كبير من آل سعود واغنياء الخليج لمحاربة الوجود السوفياتي آنذاك في الثمانينات من القرن الماضي وتغيير النظام الحضاري في أفغانستان. هذه السياسة التي اتبعتها الإدارات الامريكية المتعاقبة من جمهوريين وديمقراطيين منذ عقود من الزمن هي التي أدت الى تدمير أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا واليمن وغيرها من الدول التي شملها القرار الرئاسي والتي أدت الى عمليات نزوح لم يسبق لها مثيل وشكلت الموجات البشرية من اللاجئين والمهاجرين والنازحين. وبدلا من تدارك المشكلة عن طريق العمل على حل النزاعات بالطرق السلمية ووقف التدخل العسكري المباشر أو الغير مباشر عملت الولايات المتحدة وعن طريق ادواتها في المنطقة وعلى رأسها السعودية وقطر والامارات وتركيا على تأجيج الاقتتال وسمحت لأدواتها بتجنيد وتدريب وتسليح الارهاب الذي جند من ما يقرب من ثمانين دولة بحسب أجهزة الامن والاستخبارات الغربية وزجهم في الاتون العراقي والسوري وأصبحت ليبيا على سبيل المثال ومع غياب السلطة المركزية مرتعا للمجموعات الإرهابية والمصدرة للإرهاب بحسب الطلب لمن يدفع الثمن المناسب. وانتشر الارهاب في المغرب العربي وسيناء مصر وقوية شوكة بوكو حرام في نيجيريا والتي بايعت تنظيم الدولة الإسلامية للبغدادي كما قوية المجموعات الإرهابية في الصومال. وقفت الدول الغربية الأوروبية وغيرها والولايات المتحدة موقف الداعم في اغلبها وان أخذت بعض هذه الدول موقف المتفرج أو غض النظر على تنقل مواطنيها للقتل في سوريا أو العراق والانضمام الى المجموعات الإرهابية مثل النصرة وداعش. لم تحرك هذه الدول ساكنا لأنها دخلت ضمن مظلة "تغيير الأنظمة" الأمريكي لا بل وسمحت للناتو ان يشكل اليد الضاربة لهذه السياسة كما حصل مباشرة في أفغانستان وفي ليبيا عام 2011 . لم تبدأ هذه الدول بالتحرك الا عندما بدأ الارهاب يدق أبوابها في فرنسا وألمانيا ولوكسمبرج بعد أن فات الأوان. وكان من الطبيعي أن تنتج هذه التدخلات السافرة وحجم الدمار الذي أحدثته على المستوى البشري والمادي من تدمير البنى التحتية موجات كبيرة من النازحين واللاجئين واللذين استغلت بعض الدول مثل تركيا هذه الظاهرة لتهدد بها الامن الأوروبي وتبتز دول الاتحاد الأوروبي ماديا وسياسيا بفتحها الحدود لعبور مئات الالاف من النازحين واللاجئين والمهاجرين ليس فقط من الدول في المنطقة بل أيضا من الدول الافريقية التي نهبت مقدراتها من قبل الشركات العالمية والدول الامبريالية الة جانب تأجيج الصراعات العرقية بها التي أدت الى نشوب حروب أهلية بها أكلت الأخضر واليابس. والغريب في الامر ان الدول التي عملت وما زالت تعمل على تصنيع الارهاب والفكر الظلامي الوهابي الذي يحلل قتل الغير مسلما كان أم مسيحيا في المنطقة وغيرها ويشجع على تدمير معالم التاريخ الحضاري للدول كما حصل في العراق وسوريا واليمن، هذه الدول مثل السعودية راعية الارهاب والفكر الظلامي ليس في منطقتنا فحسب بل في ارجاء المعمورة عن طريق فتح المدارس الدينية وارسال الائمة لنشر الفكر الوهابي في العالم هذه الدول مثل السعودية وقطر والامارات تركت ولم يشملها القرار التنفيذي الرئاسي خوفا على المصالح الاقتصادية وصفقات الأسلحة بعشرات المليارات سنويا والارباح التي تجنيها شركات التصنيع العسكري الامريكي وشركات الطاقة العملاقة. هذا الى جانب أن هذه الدول هي من يدفع فاتورة التدخلات العسكرية الامريكية في الدول التي قد تصل الى أمريكا اللاتينية ,آسيا ولا تقتصر على منطقتنا كما هو الحال في سوريا واليمن على سبيل المثال لا الحصر، وكذلك تدفع لحماية عروشها واماراتها عن طريق صرف المليارات لإقامة القواعد العسكرية الامريكية وغيرها على أراضيها تحت ذرائع واهية. وفقط للتذكير يا سيد ترامب فأن أغلبية من شاركوا في العملية الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر والذي ذهب ضحيتها أكثر من ثلاثة الاف أمريكي كانوا من السعوديين ( 15 سعودي من أصل 19 ممن شاركوا). لا نريد أن نستطرد أكثر من هذا حتى لا نطيل على القارىْ الكريم ولكننا نود أن نؤكد على مرة أخرى على انه مع كامل تقديرنا واحترامنا لكل من وقف في أمريكا أو الدول الأوروبية على وجه الخصوص بالتظاهر والاحتجاجات الواسعة ضد هذا القرار الجائر والعنصري بناء على احترام حقوق الانسان والمعتقدات الدينية والاعتراف والقبول بالتعددية وليس بناء على مصالح سياسية ضيقة واستغلال الحدث لتسجيل نقاط، نعيد ونؤكد على ضرورة توجيه بوصلة الاحتجاجات والتظاهرات بالتصدي الى السياسات الخارجية العدوانية المدمرة التي تنتهجها بلدانهم وكذلك الى جشع الشركات العالمية العابرة للقارات التي تمتص خيرات ومقدرات الشعوب والتي بمجملها أدت الى نشوء مشكلة المهاجرين واللاجئين والنازحين من العديد من الدول على نطاق واسع.
bahij.sakakini@gmail.com