2024-03-29 08:55 ص

الفكر الوهابي المتطرف والتآمر على الأمة العربية

2017-02-02
بقلم: عميرة ايسر
الأمَّة العربية منذ ظهور مصطلح القومية العربية على يد رائد الفكر والنهضة العربية الحضارية في بداية القرن الماضي السيِّد ميشال عفلق،والذي يعتبر مؤسِّس حزب البعث الاشتراكي ابن دمشق الذي ينحدر من عائلة مسيحية ارثودوكسية والذي كان يرى في وحدة الأمة العربية ضرورية إستراتيجية وحيوية،ومهَّمة لغاية الأمن العربي الجماعي والبوابة لبناء عالم عربي متصل جغرافياً ومتكامل حضارياً وثقافياً واقتصادياً وحتىَّ اجتماعياً،الفكر القومي العربي الذي أراد تكوين جمهورية عربية اتحاديَّة تكون جامعة لكل الدُّول العربية وتكون مظلتها الجامعة العربية مع تعديل قوانينها بما يتناسب مع الأهداف الإستراتيجية التي رسمهاَ،ولكن مشروعه هذا أصيب بنكسة حتىَّ قبل ولادته وذلك عند فشل تجربة الوحدة العربية الأولى بين سوريا ومصر.التي وقعت بين الرئيس السُّوري شكري القوتلي والمصري زعيم القومية العربية جمال عبد الناصر ولم تصمد هذه التجربة في ظلِّ الخلافات في وجهات النظر والتوجهات الفكرية والإيديولوجية وكيفية تطبيق الخطط الاقتصادية والسِّياسية لضمان استمراريتها .إذ لم تصمد سوى3 سنوات،إذ أعلنت هذه الوحدة الجغرافية والسِّياسية العربية في22فبراير/شباط1958وانتهت بتاريخ28أيلول /سبتمبر1961،فالفكر العربي الوحدوي القومي التقدمي والذي رعته قيادات عربية تاريخية كالرئيس العراقي صدام حسين والسُّوري حافظ الأسد والجزائري هواري بومدين والمصري جمال عبد النَّاصر كما هو معروف،والذي كان يؤمن إيماناً قطعياً بخلق أمَّة عربية واحدة ذات رسالة خالدة،وفي مقابل هذا الفكر التَّنويري كان هناك فكر ديني ظلامي تكفري وغارق في ميثولوجيا الماضي وتفسيراته المتحجِّرة والمتزمِّتة لدين،وكانت دول الخليج العربي وبالتحديد السعودية أصله منبعه والدَّولة الراعية لها،فالتحالف الاستراتيجي والذي لا يزال مستمراً بين الفكر الاستعماري الغربي الرأسمالي وبين الرجعية العربية الدِّينية التكفيرية في العصر الحديث.فالدولة الوهابية التي تآمرت على الدولة العثمانية لإسقاطها لصالح مشروع سايس- بيكو الفرنسي البريطاني تحت خديعة تاريخية لازالت لها مفاعيل تسري ومفكرون وأبواق دينية إعلامية تنظّر لها وتعمل على تغذيتها وإخراجها من تحت الرَّماد باستغلال ما يعرف بثورات الربيع العربي والتي لا يخفى دور الجهات الأجنبية في دعمها وتمويلها والأهداف الكبرى الرئيسية لها لم تعد تخفى على الدَّارسين والمهتمين بتوجهاتها وتحليل مجريات أحداثها والعلاقات المتشابكة بين فواعلها المختلفة. - الاستعمار البريطاني الذي نجح في خلق دولة دينية في أهم وأطهر وأقدس بقعة لدى المسلمين على وجه الأرض،باستعمال الدَّهاء والحيلة تارةً واستعمال أقوى سلاح عرفته البشرية يوماً وهو "سلاح الدِّين" والذي تمَّ تحريفه واستغلاله إلى أقصى درجة،فقامت بخلق كيانات سياسية في دول الخليج العربي مرتبطة بها وجوداً وعدماً ولها مصلحة إستراتيجية في استمرار دعمها وتقويتها وخاصَّة بعد ظهور الذهب الأسود أو البترول وكذلك الغاز،فعمل البريطانيون على خلق ممالك وإمارات هشَّة وضعيفة وكانت قبائل أل سعود قطاع الطرق والذين لا علاقة تربطهم تاريخياً بأمور الدَّولة والحكم،والبدايات الأولى كانت في خضم أحداث الحرب العالمية الأولى بتوقيع معاهدة دارين أو القطيف والتي أبرمت في26سبتمبر1915وكانت بين عبد الرحمن أل سعود أمير الرياض وبريطانيا ثمَّ سرعان ما تم توقيعها من طرف الملك عبد العزيز والمعتمد السِّياسي البريطاني السِّير "بيرسي كوكس" لينوب عن بريطانيا العظمى فيها،ونصَّت على أن تعترف بريطانيا بأن تكون مناطق الإحساء والقطيف ونجد والجبيل تابعة لأل سعود في مقابل أن يساعدوها على القضاء على ابن الرَّشيد هو أمير "منطقة حائل" والذي كانت قواته تشنُّ حملات عسكرية منظمة على طرق الإمداد العسكري البريطاني في العراق وتعيق تقدمها في الخليج العربي،وتم تعديلها بمعاهدة جدَّة والتي اعترفت فيها بريطانيا سنة1927باستقلال مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها كاملة،لتعلن عن تأسيس المملكة العربية السعودية بصفة رسمية بتاريخ23سبتمبر1932تحت حكم الملك عبد العزيز أل سعود،وذلك بالتحالف مع محمد بن عبد الوهاب رجل الدِّين الذي جاء بمذهب تكفيري متشدِّد وكفَّر كلَّ من يُخالف نظرته الدِّينية أو فلسفته الاعتقادية،وقام الملك عبد العزيز بمشورته بارتكاب مجازر ضدَّ الإنسانية يندى لها الجبين وهي موثقة تاريخياً وبالأدلة،ومنذ تلك الفترة حرصت الدُّول الراعية لها والتي كانت في الأساس بريطانيا ثم انتقل مركز الثقل الاستراتيجي في إدارة اللعبة الدَّولية إلى أمريكا بعد انهيار الدور البريطاني بشكل دراماتيكي عالمياً بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. - وما أعقبها من تحولات جيواستراتيجية في موازين القوى الدولية،وجرى لقاء سرِّيٌ أميط اللثام عنه بعد عشرات السنين بين الملك عبد العزيز أل سعود والرئيس الأمريكي روزفلت على ظهر "السفينة كوينسي"وذلك في البحيرات المرة بقناة السُّويس بعد نهاية الحرب العالمية الثانية كذلك سنة1945،وبما أنَّ أمريكا كما جاء في كتاب "دم ونفط-أمريكا واستراتجيات الطاقة،إلى أين؟ لمؤلفه مايكل كلير،هي أكثر الدُّول استهلاكاً لنَّفط ومشتقاته عالمياً.إذ تحتاج إلى أكثر من20مليون برميل يومياً منه وذلك من إجمالي80مليون برميل يتمَّ إنتاجها يومياً،وبما أنها أمدت حلفائها بحوالي6مليار برميل نفط خلال تلك الحرب العالمية فإنَّ مخزوناتها الإستراتيجية الطاقية كانت شبه فارغة وكان لا بدَّ لها من موارد طاقية أخرى وجدتها في المملكة العربية السعودية في مقابل عقد اتفاق سري يقضي بأن تلعب الرياض دور المنفِّذ لسِّياسة الأمريكية في المنطقة وتزويدها بما تحتاج إليه من النفط والغاز شهرياً،في مقابل عقود تسليحية هائلة و توفير الحماية الغربية الأمريكية لها من الاندثار،ثم بدأت أول بعثة لتدريب القوات السُّعودية الوليدة من طرف الجيش الأمريكي سنة1953بعد أن باعتها واشنطن شحنة أسلحة عسكرية متطورة في ذلك الوقت منها صواريخ باتريوت وهوك والدَّبابات ومقاتلات الشّاه وطائراتF15s،وغيرها وبالتالي أصبحت السعودية تسليحياً وعسكريا واقتصادياً وسياسياً منذ ذلك الوقت تحت النُّفوذ والحماية الغربية الأمريكية وعملت على إحداث الفوضى والحروب والاضطرابات في دولنا العربية. - وذلك من خلال نشر الفكر الوهابي التكفيري وتخصيص مليارات الدولارات لطباعة كتبه الدِّينية وبناء المساجد والمراكز الإسلامية والمراكز الثقافية السُّعودية التي تعمل على تدريسه وتلقينه لطُّلاب ليصبح هؤلاء مرتبطين بها فكرياً وايدولوجياً،وبالتالي تستطيع استدراجهم وتوظيفهم بطريقة غير مباشرة لخدمة المصالح الغربية الاستعمارية وإفشال أية نهضة قومية عربية وحدوية وكان أبرز تلك الأحداث الحرب العراقية- الايرانية1980-1988والتي كانت بتخطيط شيطاني غربي استخباراتي أمريكي لإضعاف كلا النظامين في طهران وبغداد وأمدَّت السعودية ودول الخليج الجيش العراقي في تلك الفترة بأكثر من200مليار دولار وذلك بطلب أمريكي،وعند توقيع العراق لاتفاق إنهاء الحرب مع الخميني،قامت هذه الدول بتخفيض أسعار النفط خدمة لواشنطن وضرباً لعراق الذي هو بلد نفطي بالدَّرجة الأولى،وقامت أمريكا عندها بإغرائه بدخول الكويت سنة1990وتلك غلطته الكبرى وعندها حشدت أمريكا بتمويل خليجي أكثر من60دولة لشنِّ حرب الخليج الثانية أو"عاصفة الصحراء" والذي أرست لإستراتيجية الرئيس الأمريكي هاري ترومان بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وطبَّقها الرئيس الجمهوري رونالد ريغان والذي دخل البيت الأبيض بتاريخ20يناير/جانفي1981إلى غاية20يناير/جانفي1989والتي كانت ترى بأنَّ على الولايات المتحدة الأمريكية التواجد عسكرياً في منطقة الخليج العربي والشَّرق الأوسط لسَّيطرة على منابع الطاقة والممرات البحرية الحيوية الكبرى وضمان أمن إسرائيل،وهذا ما حدث و بتأمر خليجي سعودي واضح،بالإضافة إلى الإرهاب التكفيري والذي غذَّته أفكار التَّيار الوهابي السعودي الرسمي لمهاجمة دول عربية قومية وحدوية كالجزائر ومصر وسوريا والعراق بعد الغزو الأمريكي لها سنة2003في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن الجمهوري أيضا والذي تولى رئاسة البلاد من 20يناير/جانفي2001إلى غاية20جانفي/يناير2009،وقدمت المخابرات السعودية كل الدَّعم والمساندة الممكنة لهذا الفكر الظلامي ودعمت الجماعات الإرهابية التي تعتنقه،وهذا ما سرَّبه موقع ويكليكس في وثائقه التي جاءت في أكثر من2086رسالة سنة2000مسرَّبة من البريد الالكتروني الشخصي لسيِّدة هيلاري كلينتون وزير الخارجية السَّابقة في عهد الرئيس الديمقراطي المنتهية ولايته باراك اوباما،إذ ذكرت صحيفة الاندبندنت البريطانية الذائعة الصِّيت بتاريخ الثلاثاء11أكتوبر/تشرين الاول2016وفي محادثة سريَّة مسرَّبة مع رئيس حملتها جون بوديستا تقول بأنَّ السعودية وقطر تدعمان سراً داعش،وكشفت نفس الوثائق على دعمها لجماعات سنيَّة وهابية تكفيرية متطرفة في كل من سوريا والعراق وليبيا. -ورغم إقرار "قانون جاستا" الذي سنَّه الكونغرس الأمريكي والذي يعطي الحقَّ لضحايا أحداث أيلول/سبتمبر الاسود2001بأنْ يحاكموا المملكة السعودية ويحصلوا على مئات المليارات كتعويضات منها،وكن يبدو أنَّ دونالد ترامب الرئيس الجمهوري الحالي يعرف كيف تدار الأمور في الكواليس،وسيحاول قدر المستطاع إقناع الملك سلمان ببذل مزيد من الجهود لجعل المؤسَّسة الرسمية الدِّينية والمخابراتية تقدم مزيداً من الخدمات المجَّانية له لتنفيذ مخططاته في المنطقة واستمرار ألتآمر على الدُّول العربية الباقية التي لم تصبها شظايا الإرهاب الوهابي التكفيري المتطرف بعد.
*كاتب جزائري