2024-04-17 02:31 ص

إسرائيل و«ترامب».. البحث عن المخلص

2017-01-21
د. عبد العليم محمد
تتطلع إسرائيل بفارغ الصبر إلى بدء ولاية «ترامب» الأولى والإدارة الأمريكية الجديدة باعتباره «المخلص» و«المنقذ» من القضية الفلسطينية التى حظيت بمواقف جديدة من الولايات المتحدة الأمريكية فى نهاية ولاية «أوباما» الثانية وتحظى بتعاطف دولى يقلق إسرائيل حتى ولو توقف عند الحدود الدنيا الرمزية والأخلاقية.

تريد إسرائيل من إدارة «ترامب» الجديدة مساعدتها فى الإبقاء على القضية الفلسطينية فى الحدود المسموح بها إسرائيليا وضمن الأفق والرؤية التى يتبناها اليمين الإسرائيلى المتطرف، أى إنهاء حل الدولتين وضم الكتل الاستيطانية أو ما يعادل 60% من مساحة الضفة الغربية وبقاء القدس غير مقسمة وعاصمة أبدية وموحدة لإسرائيل وشطب قضية اللاجئين من جدول الأعمال والإبقاء على الكيان الفلسطينى ممثلا فى «جيوب» معزولة وكانتونات ممزقة الأوصال وغير متواصلة جغرافيا ومحاطة بالسيادة الإسرائيلية من كل جانب، ولا يهم بعد ذلك المسميات أن تكون هذه الجيوب أو الكانتونات دولة أو دويلات، فالمسمى هو الحق الوحيد الذى تتركه إسرائيل للفلسطينيين بالإضافة إلى الاعتراف بها كدولة يهودية. ما تطلبه إسرائيل فى الواقع من إدارة «ترامب» أو ما تتطلع إليه هو باختصار مساعدتها فى الإجهاز على القضية الفلسطينية وتعاونها لطمس معالم هذه القضية، وهذا المطلب يعنى من بين أشياء كثيرة أنها أى إسرائيل تقر بعدم قدرتها منفردة على إنجاز هذه المهمة، وهى التى لم تدخر وسعا فى استخدام كافة الأساليب العسكرية والأمنية والتخريبية لوأد القضية الفلسطينية وتنغيص حياة الشعب الفلسطينى تحت الاحتلال من خلال الحصار والمعابر والحواجز وقيود الانتقال، وقد استعانت السلطات الإسرائيلية فى ذلك بمخزون الممارسات الاستعمارية فى كافة أشكالها وميراث المؤسسات الاستعمارية العنصرى والقانونى والمادى والمعنوى فى التنكيل بأصحاب الأرض أى الشعب الفلسطينى وتجليات مقاومته العسكرية والمدنية للاحتلال منذ بدء النكبة وحتى الآن، إلى الحد الذى رأى أحد المؤرخين الجدد الإسرائيليين «بنى موريس» «أن الخطأ الذى ارتكبته إسرائيل فى عام 1948، هو أنها لم تقم بما فيه الكفاية للقضاء النهائى على الشعب الفلسطينى».

لم تترك إسرائيل أسلوبا لكسر إرادة الشعب الفلسطينى إلا واستخدمته، أثناء الانتفاضة الثانية تواترت فى هذه الفترة الممارسات الإسرائيلية لجنود الاحتلال للتصويب على عيون الفلسطينيين وعلى أرجلهم وأيديهم لكسرها والتسبب فى إصابات تحدث لأصحابها «عاهات مستديمة» وكان يبدو ذلك للكثيرين كما كانت إصابات عادية فى توقيت التوتر والمواجهة، إلى أن كشفت إحدى منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية ومن خلال تتبع وحصر هذه الحالات وتحليل ملابساتها وظروفها وتواترها وانتظامها، كشفت عن أن ذلك سياسة مقصودة لتعويق أكبر عدد من أبناء الشعب الفلسطينى إعاقات دائمة، حتى لا يتمكنوا من المشاركة فى الانتفاضات ومقاومة الاحتلال والاحتجاج ضد استمراره وبقائه. القوة التى تستخدمها إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى لا تستند إلى رسالة إنسانية أو أخلاقية ولا ترتكز على مبدأ إنسانى أو قيمة إنسانية بل هى قوة عارية وغاشمة، قد يرتد استخدامها على صاحبها من جراء التداعيات والآثار التى تلحق به أو الاستجابات النوعية التى يولدها استخدامها، فالضعف لا يخلو من قوة أيضا خاصة إذا ما استند على رسالة فحواها التحرر والحرية والحق وهنا يمكن القول إن ذلك يمثل قوة الضعف والضعيف، أى إيمانه بحقه وقضيته واستعداده الدائم والمتجدد للتضحية من أجل إثباته وتحقيقه حتى لو أعوزته الوسائل والقوة فى مواجهة المحتل والغاصب.

تريد إسرائيل من الإدارة الأمريكية الجديدة أن تساعدها فى تحقيق مهمة إنهاء القضية الفلسطينية أو وذلك أضعف الإيمان أن تحظى بدعمها لاستكمال هذه المهمة وتوفير غطاء سياسى ودولى لإسرائيل يمكنها من إتمام هذه المهمة، رغم وعى إسرائيل باستحالتها وأن المجتمع الدولى والشعوب العربية لن تسمح بذلك ولن تقف مكتوفة الأيدى إزاء هذا الأمر.

والاستحالة هنا أى استحالة تصفية القضية الفلسطينية ليس مجرد صفة أخلاقية مرتبطة بطبيعة القضية الفلسطينية منذ نشأتها، أو كمعطى ارتبط بهذه القضية منذ بدايتها، بل الاستحالة تعنى قدرة الشعب الفلسطينى وإمكاناته النضالية المختزنة والتى يخرجها إلى حيز النور فى الظروف والتوقيت الملائم هى الخبرات التى تحصل عليها الشعب الفلسطينى فى مجرى نضاله ضد الصهيونية وإسرائيل وتتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل وساهم كل جيل فى تطويرها وأقلمتها مع المتغيرات والمستجدات، الاستحالة تكمن فى التجربة التاريخية التى عاشها الشعب الفلسطينى فى النكبة والمنفى والهوية والكيانية التى تشكلت فى أحشاء هذه التجربة التاريخية. فمنذ عام 1948 وحتى الآن لم يتوقف الشعب الفلسطينى عن ابتكار وتبنى مختلف الأساليب لبعث قضيته وهويته، فولدت حركة المقاومة الفلسطينية فتح فى عام 1965 ونشأت منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعى وحيد للشعب الفلسطينى، ومن الأردن إلى بيروت إلى تونس وانتفاضة الشعب الفلسطينى فى 1987 فى الداخل وكذلك انتفاضة عام 2000 وغيرها مما يعجز عن هذا المقال عن الإفاضة فيه، دلالة ذلك كله، هو قدرة الشعب الفلسطينى على التجدد والتجديد الذاتى واستيعاب المتغيرات وابتكار ما يناسبها من أشكال النضال والكفاح.

حاولت إدارة «أوباما» فى أيامها الأخيرة إنقاذ إسرائيل من نفسها عبر تحميلها مسئولية تعثر عملية السلام، والسؤال هو هل يستطيع «ترامب» أن يقوم بعملية إنقاذ عكسية لإسرائيل؟ أى دعمها فى تعويق عملية السلام والإمعان فى التنكر لحقوق الشعب الفلسطينى وحل الدولتين، وهذا فى حد ذاته تعميق للمأزق الإسرائيلى.
المصدر/ صحيفة "الاهرام"