2024-04-20 01:24 م

أين "صواريخك" يا أسد؟.

2017-01-17
بقلم: سمير الفزاع
بعد الغارة الأخيرة للكيان الصهيوني على مطار المزة قبل أيام، ظهرت دعوات متعددة لرد مباشر وعلني على هذا العدوان المتكرر، مصدر بعض هذه الدعوات من قلوب وعقول وطنية، وأغلبها مشبوه في الحدّ الأدنى، وعدو شامت في أغلب الأحيان. من الطبيعي أن يطالب المواطن السوري برد فعل يتناسب مع هذه الإعتداءات المتكررة لكيان العدو، من منطلق العداء لهذا الكيان أولاً، ولكونه يحتل أرض سورية... وصوناً للكرامة والسيادة الوطنيتين. هنا لن أتوجه بشكل خاص لهذا المواطن؛ بل سأخاطب تلك الزمرة من القوادين الذين يتباكون على سيادة سورية، وحرمة أراضيها. * دموع تذرف، لكن لماذا؟ بين التهليل والتكبير والترحيب... بغارات العدو الصهيوني، والتباكي على سيادة سورية وحرمة أراضيها، لنسأل، لماذا لا ترد سورية على الغارات الصهيونية بشكل واضح مباشر، وتكتفي بردود غير مباشرة أو غير علنية حيناً ومؤجلة أحياناً أخرى؟: 1- يعلم الجميع بأن سورية تعيش حالة من الحصار البحري والبري والجوي، فرضته جامعة الدول العربية منذ سنوات، وتنفذه الدول العربية والنيتو ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، بناءاً على هذه الحقيقة، لنسأل: * هل تملك سورية من النفط ومشتقاته ما يكفي لخوض حرب مع كيان العدو في ظل هذا الحصار؟ من يسيطر على حقول النفط والغاز السورية؟ كيف سيكون حال جيشنا لو شُدد هذا الحصار العربي-الغربي؟ ألن تقف دباباتنا في الطرقات، وترقد طائراتنا في مهاجعها؟ من أين تأتينا شحنات النفط التي تسمح لجيشنا بالحركة وشعبنا بالحياة؟. * هل لدى سورية إحتياط كاف من القمح والدواء لخوض هذه الحرب، مع التأكيد على ضرورة إفتراض بأن العدو سيقوم بضرب الموانئ السورية خلال المعركة؟. 2- يدعوا هؤلاء إلى ردّ سوري واضح ومباشر، لكن ماذا عن ماء العاصمة التي يقطعها حلفائهم من "المعارضة المعتدلة" منذ 20 يوماً على الأقل؟. والأمر ذاته ينطبق على حلب، المدينة الثانية في سورية. وتجدر الإشارة هنا، بأن الجنرال "غورو" عندما غزا دمشق سلك ذات الطريق الذي تجري فيه مياه الفيجه، وأحفاده يحاولون اليوم إركاعها بالعطش. 3- لندقق أولاً بالجهات التي "تطالب" بالرد، وغالباً ما تتندر على إجراءات الدولة السورية: مسئولون وقنوات تلفزيونية وصحف ومحللون وناشطون... يرتبطون بشكل وثيق بالحرب على سورية، ويشاركون في الوقت نفسه بالحرب الضروس ضد الدولة السورية عبر أدوات الغزو الإرهابي مثل النصرة وداعش وغيرهما. 4- قبل عدوان تموز 1967، مارست نفس الأنظمة الأمر ذاته مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، عندما ضغطت عليه سياسياً وإعلاميّاً وشعبياً لإغلاق مضائق "تيران" بوجه الملاحة البحرية الصهيونية، وتلك المتجهة إلى ميناء إيلات، لم يكن سبب تلك الدعوات الحرص على فلسطين وقضيتها، ولا نخوة بوجه "تساهل" ناصري مع العدو الصهيوني... بل لجر مصر إلى حرب لم تستعد لها عسكرياً، وغير قادرة على خوضها مع تفكك محيطها العربي...فكان ما أرادوا، ويحاولون اليوم تكرار ذات السيناريو مع سورية الأكثر تعقيداً من الحالة المصرية. 5- قبل أسبوع تقريباً، تحدث البنتاغون عن عملية خاصة ضد قيادات لداعش غرب مدينة دير الزور، أدت لمقتل عدد من قياداته وعناصره وأسر آخرين... والغريب في الأمر أن هذا البنتاغون "أخطأ" قبل أشهر عندما قام بقصف مواقع للجيش العربي السوري وحلفائه في جبل الثردة، ليس في غارة عابرة؛ بل بسلسلة غارات وتمشيط ناري إستمر من 45-90 دقيقة!. يحق لنا أن نسأل، هل قامت واشنطن وحلفائها بعملية خاصة ضد قافلة قيادية لداعش أم قامت بإنزال لهذه القيادات ذات الخبرات القتالية العالية مع مرافقيهم، وبعدتهم وعتادهم، ليبدءوا معركة السيطرة على دير الزور، والتي "للمصادفة" إنطلقت بعد يومين فقط من هذه "الغارة" الأمريكية؟. وهل يمكن لسورية تنفيذ رد صاروخي محدود على قد يتدحرج لحرب مفتوحة مع هذا الحضور الأمريكي "الثقيل" فوق الأراضي السورية؟. وماذا لو تقدمت داعش إلى قلب مدينة دير الزور خلال الحرب مع الكيان الصهيوني، هل سيهب الجيش العربي السوري لإنقاذ المدينة أم سيتابع حربه مع كيان العدو؟. 6- لأشهر، ضج العالم بتصريحات منسوبة لسياسيين وإعلاميين بأن داعش صنيعة النظام السوري، دون أدنى إعتبار لتصريحات نائب الرئيس الأمريكي بايدن، وهيلاري كلنتون وزيرة خارجيته وآخرين، حول مسؤوليّة واشنطن وحلفائها عن خلق داعش ودعمها... إلى أن جاءت تصريحات كيري التي سربتها صحف أمريكية لتقطع الشك باليقين:"رأينا أن قوة داعش كانت في تزايد وكنا نعتقد أن الأسد كان مهدداً بالفعل... نحن نعلم أن داعش كان يكبر، وكنا نتابع. اعتقدنا أننا بذلك نستطيع حمل الأسد على التفاوض، وبدلاً من أن يفاوض حصل على دعم من بوتين". وكيري هذا صرح قبل ستة أشهر فقط بأن "الأسد هو من صنع داعش". يثبت هذا النّص كما غيره من النصوص والوقائع، بأن ما يسمى معارضة معتدلة أو مجموعات إرهابيّة، ليست إلا أدوات إرهابية تؤدي وظيفة مزدوجة: غزو سورية، والضغط على قيادتها... لتحقيق هدف واحد: إخضاع القيادة السورية لأوامر واشنطن. وينطبق الأمر ذاته على النصرة والجيش الحر وغيرهما، لنتذكر أن بضعة ألآف من هؤلاء تمت معالجتهم في مشافي الكيان الصهيوني... وسيكون هؤلاء وغيرهم، جيش واشنطن وتل أبيب في أي معركة مرتقبة مع كيان العدو الصهيوني، فأي حكمة وراء الإنجرار إلى هذه المعركة؟. 7- يقارن البعض بين ردّ الفعل الميداني والمباشر لحزب الله تجاه أي عدوان صهيوني على كوادره أو على الأراضي اللبنانية، وبين الرد السوري المؤجل أو غير المباشر والمعلن. سألفت نظركم هنا إلى عاملين فقط: * أثبتت حرب تموز 2006، بأن سورية كانت القاعدة الخلفية الحقيقية لحزب الله في حربه، سياسياً وعسكرياً ولوجستياً وشعبياً... بينما لا يوجد لسورية -حتى الآن- أي عمق حقيقي في جانب واحد على الأقل من تلك الجوانب. * حزب الله، مقاومة شعبية تعتمد على نمط الحروب اللامتماثلة –حرب العصابات- فلا قواعد واضحة، ولا معسكرات ثابتة، ولا قطاعات مدرعة ومطارات... بعكس واقع الحال في سورية، والتي تقاتل بجيش نظامي كلاسيكي، وهذا يحتم توفير عنصرين حاسمين: سلاح جو مقتدر، وشبكة دفاع جوي فعالة. هنا لا بد من التذكير بوقائع تثبت قطعيّاً، أن ما نواجهه ليست سوى أدوات غزو إرهابية، وزيف أي حديث عن معارضة، من بوابة إستهداف محطات الرصد المبكر وشبكة الرادارات والدفاع الجوي السورية، وهذا عدد من المواقع التي دمرت كليّاً أو جزئياً في القطاع الجنوبي-الغربي فقط، إستناداً لمعلومات عسكرية موثقة: * ريف دمشق : كتائب الدفاع الجوي في: المليحة، الحجر الأسود، مطار مرج السلطان، العتيبة، أوتايا... الكتيبة الفنية في الافتريس، وإدارة الدفاع الجوي في المليحة. * القلمون : كتائب الرادار في: القلمون الشرقي، دير عطية... . كتائب الدفاع الجوي في: جبعدين، الضمير... . * الغوطة الغربية : كتائب الدفاع الجوي في: خان الشيح، الكسوة... . * درعا و السويداء : ألوية وكتائب الدفاع الجوي في: النعيمة، إبطع، السهوة، خربة غزالة، علما، الشيخ مسكين، الثعلة، الدور، صيدا... إلى جانب إستهداف إدارات الرصد والإستطلاع ومكافحة التجسس كما حصل في فرع سعسع للأمن العسكري، ومركز الرصد المتطور في جبل الحارّة. * ختاماً: بصرف النظر عما جرى في قاعدة "حيتسور" الجوية الصهيونية، وما دار حوله من معلومات صحفيّة، في لقاء له مع صحيفة صنداي تايمز، 3/3/2013، وتعقيباً على غارات صهيونية مماثلة، ردّ الرئيس بشار حافظ الأسد على السؤال التالي للصحيفة: ما هي رسالتك إلى إسرائيل بعد غاراتها الجوية التي شنتها على سورية؟ هل ستردّون؟ وكيف ستردون على أي هجمات مستقبلية تشنها القوات الإسرائيلية، خصوصاً وأن حكومتها قالت إنها ستفعل ذلك مرة أخرى إذا دعت الحاجة؟ قائلاً: "لقد ردّت سورية في كل مرة، لكن بطريقتها، وليس بالمثل، والإسرائيليون وحدهم يعرفون ما نقصده، أي كيف كان ردّنا". وعندما سألته الصنداي تايمز: هل لكم أن تتوسعوا في ذلك؟، أجاب: "نعم، الرد لا يعني صاروخاً بصاروخ أو رصاصة برصاصة. لا ينبغي أن يكون ردنا معلناً بالضرورة؛ والإسرائيليون وحدهم يعرفون ما أعنيه". ثم سألت صنداي تايمز: لكن لا تستطيع أن تخبرنا كيف؟. وردّ الأسد: "نحن لا نعلن ذلك". أثق بهذا الرجل، وأصدق ما يقول، وأعلم يقيناً بأنه لم يقُل كلمته بعد تجاه هذا العدو، وإن كان قد جَهّز بيئة فنائه... لذلك إستهدفوه، وما زالوا يستهدفونه... وليس هناك أصدق مما قاله كيري:"اعتقدنا بذلك نستطيع حمل الأسد على التفاوض" والمقصود بكلمة "يفاوض" أن يستسلم، ولكنه لم يفاوض ولم يستسلم؛ بل صبر لينتصر، ولن يكتمل النصر إلا بزوال هذا الكيان من جذوره، وتلك هي كلمة الأسد المنتظرة، ولها يدخر صواريخه.