2024-04-18 03:07 م

مصر فى معادلة العلاقات الإسرائيلية الأمريكية الجديدة

2017-01-15
طارق فهمي
على الرغم من الرهانات الأمريكية والإسرائيلية فى مراكز صنع القرار وصنع السياسات العامة على تغيير محتمل فى معادلة مصر ــ الولايات المتحدة ــ إسرائيل، إلا أن أغلب التقييمات الاستراتيجية الإسرائيلية الأمريكية تصب فى إطار وجود تيار يرى مصر دولة محورية فى الشرق الأوسط، وأن استقرارها هو استقرار لمنطقة لا تزال تشهد حالة من عدم الاستقرار، وأن أغلب أنظمة الحكم فى المنطقة تعانى حالة سيولة غير واضحة المعالم أو التوجهات.

كما أنه وعلى الرغم من اجتهاد البعض بالتأكيد على أن أولويات السياسة الأمريكية الجديدة فى الشرق الأوسط، ومهامها واستراتيجيتها المرحلية قد تتغير، وعلى الرغم من إشارتهم البديهية لغلبة السياسة الداخلية على السياسة الخارجية، وعلى أن المؤسسات الأمريكية هى التى توجه وتدير وتحكم وأن الرئيس ليس وحده وكلام نظرى يعلمه كل من درس النظام السياسى الأمريكى منذ سنوات طويلة، فإن وقائع جديدة ستتشكل على الأرض تشمل الأطراف المصرية والإسرائيلية والأمريكية فى المرحلة المقبلة.

أحدد بعض النقاط التالية:

1 ــ يشير الواقع إلى أننا أمام رئيس ظاهرة وإدارة جديدة بشخوصها بصرف النظر عن الاجتهادات التى سيقت حول الخلفيات الفكرية والعقائدية لأغلب عناصرها. ولعل فى تعيين بعض الأسماء ما يكشف عن بعض التوجهات. فمن المحتمل أن يكون الفريق المعنى بالتعامل مع الجانب الفلسطينى والتفاوض إلى جانب «ديفيد فريدمان» هو «جايسون غرينبالت»، وهو صديق مقرب للسفير ديفيد فريدمان، كما أن غرينبالت هو من كتب خطاب ترامب فى أيباك فى مارس الماضى، هذا إضافة لشخصيات أخرى مثل «كيليان كونواى» وغيرها. بالتالى فإن القضية الراهنة مرتبطة بالحاجة للمعلومات الجديدة عن عناصر الإدارة وتوجهاتها وأفكارها ومدى استعانتهم بدراسات أو تقييمات أو مراكز البحوث التى يتعاملوا معها على عكس ما كان موجودا فى إدارات سابقة، وهو ما تعكف إسرائيل فى الوقت الراهن على التعامل معه والاشتباك معه برؤية يصيغها مركز هرتسليا تحديدا وسيكون على رأس أولويات مؤتمره القادم.

2 ــ ستتحرك الحكومة الإسرائيلية من منطق الرئيس دونالد ترامب والقائم على تقليل فرص التدخل المباشر والعاجل فى المنطقة وترك الجانبان لتسوية أوضاعهما. بالتالى من المستبعد أن يقدم الرئيس ترامب على تعيين مبعوث سلام مبدئيا أو يدعو لمؤتمر دولى أو يكلف الخارجية الأمريكية ببدء جولات تفاوض على غرار ما فعلت الإدارات السابقة على رغم من كل ما قيل. ولعل ما صدر أخيرا من الكونجرس وتصويت 342 عضوا للتنديد بقرار مجلس الأمن الخاص بالاستيطان؛ والذى صدر نهايات العام، ما يؤكد على هذا التوجه واتفاق العديد من قادة الحزبين الديمقراطى والجمهورى المؤيدون للاستيطان الإسرائيلى فى الضفة، بمن فيهم زعيم الأغلبية فى مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل. كما سيسعى أعضاء مجلسى النواب والشيوخ، على مدى المائة يوم المقبلة، معاقبة الأمم المتحدة وحجب التمويل الأمريكى، الذى يشكل 22% من ميزانيتها السنوية؛ وينص مشروع القانون على عدة احتمالات عقابية للأمم المتحدة إلى جانب حجب التمويل الأمريكى، مثل الانسحاب من العضوية فى عدد من وكالات الأمم المتحدة أو تمرير تشريعات لحماية المستوطنين، الذين يحملون الجنسية الأمريكية، وقد يتضررون من هذا القرار.

***

3 ــ لا أتوقف على الرهانات المطروحة بالنسبة لنقل العاصمة أو عدم نقلها، والأغلب أنها ستنقل وستتحول القنصلية فى القدس لسفارة، ولكن أتوقف عند المخطط الإسرائيلى لتوظيف الفترة الأولى من حكم الرئيس ترامب للعمل على تنفيذ المشروعات الخاصة بالاستيطان، بل التخطيط لتحقيق أغلبية سكانية فى القدس الكبرى والتى تضم 10% من أراضى الضفة، وذلك ضمن مخطط تهويد القدس 2020؛ والساعى لزيادة عدد اليهود ليصل إلى 88% من سكان القدس وتحويل السكان العرب إلى 12%، والتعجيل بإتمام أغلب مشروعات الاستيطان لمنع التواصل الجيواستراتيجى بين الأراضى الفلسطينية لمنع قيام دولة فلسطينية على الأرض، وبهدف فصل الضفة عن وسطها، وهو هدف سيتطلب ضم مستوطنة«معاليه أدوميم» إلى إسرائيل واقامة خط سكة حديد يربط القدس بالكتل الاستيطانية الكاملة. ويعتبر ذلك الهدف مقدمة استراتيجية لضمها إلى إسرائيل التى شيدت 3 كتل استيطانية تحيط بالقدس من الجنوب والشرق والغرب (غوش عتصيون تضم 14 مستوطنة ومعاليه أدوميم تضم 8 مستوطنات وجعفات زئيف تضم 5 مستوطنات). من ثم سيكون الأولوية لبناء 7100 وحدة سكنية فى القدس وربط مستوطنة (إيه وان)، وهى الموجودة بين القدس وأريحا والتى تضم وفق المخطط 3000 وحدة سكنية وعشرة فنادق ومنطقة صناعية.

4 ــ يمكن الإشارة لوجود عدة توجهات إسرائيلية استشرافية تجاه التعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة.

التوجه الأول: الانتظار لحين بدء حوار استراتيجى مشترك، وهو ما يعطى الفرصة لإسرائيل لطرح الرؤية الجديدة وعدم الدخول فى إشكاليات فرعية، وقد عكفت إسرائيل طوال الأسابيع الأخيرة بإعداد تقييمات سياسية واستراتيجية للتعامل مع تطورات المشهد القادم. وقد تم ذلك عبر فريق عمل أعده رئيس الوزراء نتنياهو وشاركت فيه الخارجية وأجهزة المعلومات، وسوف يتضح نتاج هذا التخطيط فى أول لقاء رسمى بين نتنياهو وترامب فى مارس المقبل مع انعقاد مؤتمر ايباك السنوى والذى سيشارك فيه رئيس الوزراء الإسرائيلى وكبار المسئولين فى البلدين.

التوجه الثانى: رفض الحكومة الإسرائيلية مناقشة فكرة حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة ثنائية القومية مع السعى للحصول على مساعدات جديدة من الإدارة الأمريكية تتجاوز حصول إسرائيل على 38 مليار دولار لمدة عشر سنوات؛ حيث تخطط إسرائيل ومن داخل لجان الكونجرس لزيادة المساعدات إلى 65 مليار كحد أدنى للقيام بتطوير إمكانياتها الاستراتيجية وخصوصا فى مجال التصنيع العسكرى، وعلى الرغم من حصولها أخيرا على طائرة إف 35، والتى حققت بها تفوقا عسكريا شاملا فى الشرق الأوسط. التوجه الثالث: القيام بإجراءات انفرادية استباقية على أرض الواقع وهو ما يمكن أن يُفعِّل إجراءات الاستيطان والضم كأولوية أولى فى إطار الدعوة ليهودية الدولة بصورة حاسمة، وسوف يزايد الائتلاف الحاكم على تنفيذ الاستراتيجية الإسرائيلية على الأرض. وفى حال الاختلاف بشأنها قد يتعرض الائتلاف للتفكك، ودعوة رئيس الوزراء الإسرائيلى لإجراء انتخابات جديدة للتسريع بتنفيذ المخطط الموضوع، وقد بدأت بالفعل المزايدات الحزبية للاستعداد لكل البدائل والخيارات المطروحة.

5 ــ إن الاطلاع المباشر لما يجرى فى إسرائيل فى الوقت الراهن يشير إلى أن مراكز صنع القرار وبيوت الخبرة مثل هرتسليا والأمن القومى والسادات بيجين تعد عدتها لاستثمار وصول إدارة ترامب للحكم، ومن ثم تتحدث عن الفرصة الذهبية المتاحة أمام إسرائيل لتنفيذ مخططاتها ليس فقط إزاء ملف الاستيطان أو القدس والأمم المتحدة، وإنما فى إقرار الحقائق على الأرض والتخلى رسميا عن فكرة حل الدولتين بصورة كاملة مما يؤكد على هذا النهج الاستباقى لإسرائيل.

6 ــ السؤال كيف يمكن لمصر الدخول فى سياق هذه التوجهات والتعامل معها بما يحقق المصالح المصرية؛ هناك عدة سيناريوهات مطروحة:

الأول: يرى أن على مصر تطوير علاقاتها الاستراتيجية مع إسرائيل عبر آلية مصرية أمريكية إسرائيلية لمواجهة المخاطر الاستراتيجية المشتركة. ويأتى ذلك فى إطار فكرة سبق أن طرحها الجانب الإسرائيلى منذ سنوات فى إنشاء مركز مشترك للتعامل مع الأزمات والتنبؤ بها واتساقا مع مبادرة السلام بين مصر وإسرائيل واعتمادا على مناخ العلاقات الراهن.

الثانى: القبول المصرى المشروط بطبيعة التعامل مع الجانبين الإسرائيلى والأمريكى وفى ظل التقييمات الوطنية المصرية التى تضع حساباتها بصورة شاملة، وهو الأمر الذى قد يتعارض مع بعض الأطروحات الأمريكية، ولكن هذا السيناريو قد يضع مصر فى حالة صدام مبكر مع الإدارة الأمريكية الجديدة فى ملفات ثنائية أو إقليمية وهو ما يتطلب تدوير للحركة المصرية وخياراتها وتهميش مساحات التجاذب عبر سياسة أكثر واقعية.

الثالث قيام مصر بتنمية علاقاتها مع الولايات المتحدة من منطلق استراتيجى بالتنسيق مع إسرائيل من جانب والأردن من جانب آخر فى إطار مخطط أمريكى لبناء شراكة على أسس جديدة تضم مصر والأردن وإسرائيل، وهو الأمر الذى يعطى لمصر دورا حيويا ومباشرا وإن كان الأمر سيحتاج لترتيب الحسابات والتقييمات الموضوعة، وليس فقط القبول بالإطار الاستراتيجى التى ستعمل فيه العلاقات المصرية الأمريكية الإسرائيلية.