2024-03-29 03:15 م

الارهاب المتجدد والمستمر

2017-01-01
بقلم: سركيس ابو زيد
الارهاب مجددا، وليس آخراً، فهو مستمر ومتجدد الأساليب والتوسع، فلا فرق في أي دولة عربية أو غربية أن يضرب، المهم أنه ينفذ ضربته بوحشية خالية من الانسانية حاصداً المزيد من أرواح الابرياء، وسلطات العالم عاجزة عن الحد منه أو القضاء عليه. الإرھاب يضرب في تركيا ومصر والأردن وأوروبا مع اختلاف في الظروف وفي هوية الجهة التي تقف وراءه.

في مصر: قتل 25 شخصا وأصيب 31 آخرون في اعتداء استهدف كنيسة قرب الكاتدرائية المرقسية في حي العباسية وسط القاهرة، مقر بابا الأقباط الأرثوذكس. والهجوم هو الأكثر دموية الذي يستهدف الأقلية القبطية المسيحية في الفترة الأخيرة. وهذا التفجير هو الأضخم الذي يستهدف كنائس منذ تفجير كنيسة القديسين في كانون الثاني من العام 2011، وهو أول هجوم كبير يستهدف كنيسة منذ موجة الإرهاب التي ضربت مصر بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي في 3 تموز 2013، علماً بأن متظاهرين متشددين كانوا هاجموا كنائس خلال تظاھرات مناهضة لعزل مرسي ضمن استهدافهم منشآت الدولة ومؤسساتها.
ويُبرز التفجير على نحو لافت، التطور النوعي في الهجمات الإرهابية في قلب القاهرة، إذ حاكى التفجير نمط الهجمات الكبرى التي انحصرت خلال العامين الأخيرين في نطاق ضيق في محافظة شمال سيناء، بعدما انحسرت الهجمات الكبرى في العمق على مدى عام كامل.
تفجير كنيسة الأقباط في قلب القاهرة جاء بعد يومين على تفجير عند مسجد السلام في منطقة الهرم. وعلى خلفية التفجيرين بدا واضحاً ظهور مجموعات تتبنى العنف المسلح لكنها لا تنطلق من قاعدة «جهادية» قائمة على «أفكار تكفيرية»، بل تسعى إلى التركيز على الطابع السياسي لعنفها المسلح.
ويظهر هذا التطور النوعي في حجم العبوة الناسفة المستخدمة في التفجير، فوفق مصدر أمني تحدث إلى «وكالة أنباء الشرق الأوسط» الرسمية، استخدم في الهجوم عبوة ناسفة شديدة الإنفجار كانت تحتوي على ما لا يقل عن 12 كيلوغراماً من مادة «تي إن تي» شديدة الانفجار. وظهر أن الهدف اختير بعناية وبعد رصد استمر لفترة، فالكنيسة البطرسية ملاصقة تماماً للكاتدرائية المرقسية في العباسية التي تخضع لإجراءات أمنية يصعب اختراقها.‎
هناك اعتقاد راسخ بأن تلك المجموعات مرتبطة بجماعة «الإخوان المسلمين» أو على الأقل ولدت من رحمها، وهو ما بدا واضحاً من اعترافات أعضاء إحدى خلايا «حسم» الذين تم توقيفهم أخيراً، كما ثبت أنهم بغالبيتهم كانوا ضمن المشاركين في اعتصام ميدان «رابعة العدوية» لأنصار محمد مرسي الذي تم فضه في 14 آب 2013.
وليس بعيداً عن مصر ضرب الارهاب المتنقل الاردن، فقد استطاعت مجموعة مسلحة، تنفيذ عملية لافتة في محيط قلعة الكرك، جنوبي الأردن، بعدما شاغلت مركز أمن المحافظة واستدرجت دورية أخرى إلى كمين. الهجوم أسفر عن مقتل عشرة أشخاص، منهم سائحة أجنبية «كندية على الغالب»، وأربعة عناصر أمن.
أوساط مراقبة ترى أن العملية تهدف إلى ضرب السياحة الناشطة في الاردن، وهو قطاع مهم وحساس في ظل انعدام موارد أساسية كثيرة في البلد، ووسط أزمة اقتصادية تلف المنطقة. وكذلك تهدف إلى  زعزعة العشائر الموالية للنظام السياسي الأردني، وبخاصة أن أبناء الكرك معظمهم في القوات المسلحة والأمن العام والدرك.
وترى هذه الأوساط أن هناك تناميا ملحوظا داخل الأردن في التنظيمات الإسلامية المتطرفة والخلايا النائمة الموزعة بين «داعش» و«النصرة»، ولكن تزايد العمليات لا يتعلق فقط بعوامل داخلية، وإنما يعود الى تصاعد المواجهة مع «داعش» في سوريا والعراق. ومع اقتراب وصول الجيش السوري إلى الرقة والجيش العراقي إلى الموصل، فإن التنظيمات الإرهابية ستسعى منطقياً إلى تعويض خسائرها في معاقلها عبر إحداث عمليات إرهابية في مناطق جديدة يكون الأردن أحد أقوى المرشحين لمثل هذه المواجهة.
وعلى الخط الموازي، في تركيا،  فقد حصل تفجير مزدوج في اسطنبول العاصمة الاقتصادية والمكتظة بالسكان. التفجيران حصلا عبر سيارة مفخخة وانتحاري فجر نفسه، والسيارة المفخخة استھدفت حافلة كانت تقل أفراد الشرطة فيما قام انتحاري بعد 45 ثانية بتفجير نفسه في حديقة ماتشكا القريبة من ملعب فودافون أرينا الخاص بنادي بيشكتاش. وقال نائب رئيس الحكومة التركية كورتولموش إن «التفجيرين استُخدم فيهما ما بين 300 و400 كيلوغرام من المتفجرات». ولاحقا، أعلنت منظمة صقور حرية كردستان القريبة من حزب العمال الكردستاني مسؤوليتھا عن التفجيرين.‎
تركيا كانت قد شهدت سلسلة من التفجيرات منذ مطلع العام الحالي، أعلن «داعش» مسؤوليته عن بعضها و«العمال الكردستاني» وحزب «جبهة التحرير الشعبي الثوري» ومنظمة «صقور حرية كردستان» عن بعضها الآخر، وكان أكثرها تأثيرا في إسطنبول التفجير الثلاثي الذي نسب لـ «داعش» واستهدف مطار أتاتورك الدولي في 28 حزيران الماضي وأوقع 47 قتيلا وعشرات المصابين. وجاء تفجيرا إسطنبول بعد أقل من أسبوع من حث «داعش» أنصاره على استهداف المؤسسات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية في تركيا ومصالحها في أنحاء العالم.
وإلى القارة العجوز أوروبا التي ليست بأحسن أحوال استقرارها الأمني، فقد شهدت ألمانيا، اعتداءات متفرقة نفذها أشخاص معزولون، لكنها بقيت بمنأى عن هجمات ضخمة، وتبنى «داعش» في تموز الماضي اعتداءين منفصلين، نفذهما سوري وطالب لجوء يُرجح أنه أفغاني، وأوقعا جرحى. وفي تشرين الأول، انتحر سوري في السجن بعد توقيفه للإشتباه في إعداده لهجوم على مطار في برلين.
ومؤخراً ارتفعت حصيلة عملية الدهس في برلين إلى 12 قتيلا، وأصيب أيضا 48 آخرون على الأقل، جراء قيام سائق شاحنة بدهس حشد شعبي في سوق مزدحمة لأعياد الميلاد وسط العاصمة برلين. وتذكر هذه المجزرة بعملية مماثلة وقعت يوم العيد الوطني الفرنسي في مدينة نيس الجنوبية حين اقتحمت شاحنة الكورنيش البحري موقعة 86 قتيلا.
وأكدت المستشارة الألمانية أنه «اعتداء إرهابي»، مشيرة إلى احتمال أن يكون منفذه طالب لجوء. هذا الاعتداء الإرهابي شكل صدمة للبلاد وحرك الجدل حول سياستها المتعلقة بالهجرة. ويذكر أن سياسة الباب المفتوح التي انتهجتها ميركل إزاء المهاجرين وطالبي اللجوء، والتي أفضت إلى دخول 890 ألفا من هؤلاء البلاد في العام الماضي، قد سببت انقساما حادا في ألمانيا، بينما وصفها منتقدو ميركل بأنها تشكل تهديدا أمنيا. وقد شكلت ضربة جديدة إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تتعرض لإنتقادات مستمرة بسبب سياسة الهجرة المنفتحة التي اعتمدتها في وقت بدأت تستعيد بعض الشعبية.‎
عملية برلين أعادت إلى أذهان الفرنسيين التجربة المرة التي عانوها الصيف الماضي، خصوصا لأن درجة التهديد الإرهابي ما زالت مرتفعة في فرنسا. وتفيد تقارير فرنسية نشرت مؤخراً أنه خلال ليلتين متتاليتن «19 و20 تشرين الثاني الماضي» وضعت الأجهزة الأمنية الفرنسية اليد على خمسة مشبوهين في مدينتي مرسيليا (جنوب) واستراسبورغ (شرق). وبينت التحقيقات التي أجريت معهم لاحقا، وفق مدعي عام باريس للشؤون الإرهابية، أنهم كانوا ينوون تنفيذ عمليات إرهابية كبرى في فرنسا.
وأفاد المدعي العام فرنسوا لامنس، وقتها بأن ثلاثة من الخمسة حاولوا الذهاب إلى سوريا عن طريق قبرص للمقاتلة في صفوف «داعش». وأسفرت عمليات الدهم التي قامت بها القوات الأمنية في المدينتين المذكورتين عن اكتشاف مجموعة كبيرة من الأسلحة والذخيرة وأموال ووثائق تبين مبايعة الأربعة لـ «داعش»، وخصوصا لائحة من عشرة أھداف على رأسها «السوق الميلادية» التي تقام كل عام في جادة الشانزليزيه، التي يؤمها الآلاف من الأشخاص يوميا. ومن الأهداف الأخرى «بارك ديزني لاند» الواقع شرق العاصمة، ومحطة مترو وكنائس. هذا المخطط مرتبط، وفق خبراء فرنسيين، بتطور المعركة ضد «داعش» في سوريا والعراق ودعوات «داعش» لمبايعيها بأن يبادروا إلى القيام بعمليات إرهابية بالوسائل المتاحة. وهي في الوقت نفسه تبرز العجز الكبير للدول العربية والغربية في القضاء عليها إذ إنها أصبحت كالأخطبوط المستشري يمتد إلى كل البلدان دون استثناء ولا تعرف كيف ومتى يضرب، ومطالباً بالمزيد!... فهل هناك حل للإرهاب العالمي؟...ربما!‎