2024-04-25 06:32 م

قرار مجلس الامن الدولي والموقف المصري المتأرجح

2016-12-24
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
قامت مصر بسحب مشروع القرار الذي قدمته يوم الجمعة 22 ( ديسمبر) الى مجلس الامن الذي يدعو إسرائيل الى " وقف فوري وتام لكل أنشطة الاستيطان في الأرضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية" باعتبار ان هذه المستوطنات غير شرعية في نظر القانون الدولي وبغض النظر عن تلك التي أقيمت بموافقة الكيان الصهيوني أو عدم موافقته وعلى ان هذه السياسة الاستيطانية تعرض للخطر حل الدولتين. ولقد اثار قرار السحب حفيظة كل من فنزويلا والسنغال وماليزيا ونيوزيلندا الأعضاء الغير دائمين في مجلس الامن وطالبت هذه الدول السفير المصري لدى الأمم المتحدة بتقديم الأسباب لسحب هذا القرار من التصويت عليه وعلى انها تمتلك الحق في إعادة طرحه على مجلس الامن في حالة عدم تقديم أسباب مقنعة لسحب مشروع القرار. وهو ما تم فعلا حيث اعادت هذه الدول باستثناء مصر الى طرح مشروع القرار للتصويت عليه في المجلس حيث صوتت لصالحه 14 دولة من دول المجلس الخمسة عشر وامتنعت الولايات المتحدة عن التصويت. وتبين لاحقا ان مصر قامت بسحب مشروع القرار نتيجة للضغوطات التي تعرضت لها من قبل الكيان الصهيوني الذي عملت جميع أجهزته السياسية والدبلوماسية دون انقطاع لمنع عرضه على مجلس الامن والتصويت عليه. ولا نستبعد أن تكون قد قامت بعض الدول العربية الخليجية مثل السعودية وقطر والامارات بالضغط على الرئيس المصري لسحب مشروع القرار. ولعل المكالمة الهاتفية التي اجراها الرئيس الامريكي ترامب الذي لم يتسلم مهام منصبه بعد مع الرئيس السيسي هي ما دعت السيسي لإعطاء الأوامر بسحب مشروع القرار. وبحسب بعض المصادر جاء سحب القرار بعد اتفاق الجانب الأمريكي والمصري على أهمية "إتاحة الفرصة للإدارة الامريكية الجديدة للتعامل مع القضية الفلسطينية لتحقيق تسوية شاملة". وإذا كان بالفعل ان سحب القرار جاء بناء على هذا فهذه حقيقة ليست فقط موقف مؤسف من قبل السيسي ولكنه موقف يدلل على مزيد من الارتهان على المواقف الامريكية الداعمة للكيان الصهيوني والتي غضت الطرف عن كل الممارسات الصهيونية العدوانية وعمليات تهويد الأراضي الفلسطينية دون ان تتخذ اية مواقف عملية ضد هذه الممارسات بل على العكس من ذلك كانت تقوم بحماية هذا الكيان وسياساته الفاشية والعنصرية من اية ادانة أممية في مجلس الامن ومؤسسات الأمم المتحدة والحافل الدولية، وتنصب نفسها للدفاع عن هذا الكيان العنصري. ولا بد لنا من أن نذكر هنا بالمواقف التي أطلقها الرئيس ترامب اثناء حملته الانتخابية من نقل السفارة الامريكية الى القدس. الى جانب ذلك فقد تم تعيين سفيرا أمريكيا الى دولة الكيان الصهيوني المعروف بتأييده الكامل لحركة الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة وهو المحامي ديفيد فريدمان وقد شغل منصبا رفيعا في رابطة أصدقاء مستوطنة بيت إيل في الولايات المتحدة. القرار المصري بسحب مشروع القرار تحت حجة واهية تدلل ان المواقف المصرية ما زالت مواقف متأرجحة ولم تثبت بشكل نهائي فما زال التذبذب هو سيد الموقف ومصر السيسي لم تحسم أمرها بعد. وأملنا ان تتم عملية الانفصال والانفصام التام مع المحور الرجعي العربي المتصهين والذي يعمل على تدمير الامن القومي العربي وتدمير الهوية والقومية العربية ويعمل جاهدا ومن خلال وسائل الاعلام الأخطبوطية التي يمتلكها أو يسيطر عليها على كي الوجدان العربي ويسعى الى التطبيع مع العدو الصهيوني وحرف بوصلة الصراع في المنطقة العربية والاقليم. هذا الى جانب الاعتداء العسكري المباشر أو الغير مباشر على الدول العربية الوطنية من ليبيا الى سوريا الى اليمن والى مصر حيث دفعت مئات المليارات لتدمير مقدرات هذه الدول البشرية والعسكرية والاقتصادية وارثها الحضاري والثقافي والإنساني. لا شك ان هنالك بوادر قد ظهرت مؤخرا تدلل على إمكانية حدوث تحولات جذرية في المواقف المصرية فيما يدور على الساحة العربية والاقليم من انتهاكات صارخة وهمجية وبربرية تقودها الولايات المتحدة بالاعتماد على ادواتها واذنابها في المنطقة وخاصة في ليبيا وسوريا واليمن والعراق. وبمجرد تناقل بعض وسائل الاعلام عن تواجد قوات مصرية في سوريا للمشاركة في مكافحة الإرهاب على الأرضي السورية تجدد الامل عند الكثيرين من أن مصر سائرة في تبوء المكانة والموقع الإقليمي والدولي الذي تستحقه وتعود لدورها وفعلها وتأثيرها على مجمل الاحداث في المنطقة لصلح الامن القومي العربي والاصطفاف مع المحور المعادي للإمبريالية الامريكية وأذنابها في المنطقة. نحن بينما نوجه الشكر والعرفان الى الدول التي قدمت مشروع القرار الى مجلس الامن وبغض النظر عن تحفظنا على بعض ما جاء به لا بد ان نسجل امتعاضنا من الموقف المصري ورضوخه للضغوطات والاملاءات لسحب القرار الغير مبرر. ولقد اتى التصويت بأغلبية الدول بمجلس الامن ليدلل على ان الكيان الصهيوني أصبح بكلام مسؤول إسرائيلي" دولة منبوذة" من قبل المجتمع الدولي. وهذا بحد ذاته من المفترض أن يجعلنا أكثر جرأة في طرح القضية المركزية العربية الا وهي القضية الفلسطينية في المؤسسات الدولية دون وجل وتردد والاستجابة للضغوطات والاملاءات وعمليات الابتزاز والارتهان لمواقف الولايات المتحدة التي لم تقف يوما الى جانب قضايانا العربية المحقة أو الرضوخ الى مشيئة البترودولار المتصهين الذي يعمل على تصفية القضية الفلسطينية لصالح حليفهم "الاستراتيجي" الجديد القديم الكيان الصهيوني. ومن الناحية الأخرى يجب أن لا نبالغ في النجاح الذي حققه مشروع القرار في مجلس الامن لصالح القضية الفلسطينية. ويجب علينا أن ندرك انه على الرغم من أهمية العمل السياسي والدبلوماسي والدعائي على الساحة الدولية ومؤسسات الأمم المتحدة، فان الوقائع الميدانية على الأرض هي العامل الأهم في تحقيق الإنجازات الكبرى. قد يريد لنا البعض التغني بهذا النجاح لغاية الثمالة لكي يقنع العديد من شعبنا بصواب توجهاته من أن النضال السلمي فقط (بالرغم من قمع أجهزته الأمنية للمظاهرات المنددة بالاحتلال وممارساته) ومسار أوسلو المشؤوم والتنسيق الأمني مع سلطات الكيان الصهيوني وطريق المفاوضات هو الطريق الاوحد للحصول على حقوقنا الوطنية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. ولنا في تأريخ الشعوب وحركات التحرر الوطني في العديد من بقاع العالم دروسا يجب ان نعيها للاستفادة منها الا وهي ان كافة اشكال النضال بما فيها الكفاح والمقاومة المسلحة هي الطريق للتحرير وليس سياسة الاستجداء والتوسل على اعتاب البيت الأبيض.