2024-03-28 07:16 م

تجنيد الأطفال في الحرب بين الواقع و التجريم

2016-10-15
بقلم: الدكتورة صديقي سامية* 
عرفت موجة تجنيد الأطفال في صفوف تنظيم داعش انتشارا واسعا في الآونة الأخيرة خصوصا في الدول التي تعاني من ويلات الحروب كسوريا والعراق، في زمن تحولت فيه النزعات المسلحة إلى محيط يتم فيه إقحام الأطفال بغض النظر عن طبيعته البيولوجية و الاجتماعية، ومن الأمور التي ساهمت إلى زيادة تجنيد الأطفال واستغلالهم بشكل مفرط في النزعات المسلحة ازدهار تجارة الأسلحة بمختلف أنواعها بسبب توافر أكوام المخزون منها نتيجة لانتهاء الحرب الباردة حيث انتشرت الأسلحة الرخيصة وخفيفة العمل في زيادة استغلال الأطفال وتجنيدهم ، إضافة إلى تزايد المستمر لنزاعات المسلحة الداخلية التي تقوم على أساس قومي أو ديني أو قبلي، والتي أثرت بشكل ملحوظ على الأطفال وإجبارهم على الانخراط في أعمال العدائية خصوصا و أن الأطفال الذين نشئوا في ظل بيئة يسودها العنف سينظرون إليه على أنه نمط حياة دائم،والتحكم بهم في معظم الأحيان أسهل من التحكم بالراشدين لأن الأطفال يقومون بالقتل دون خوف ويطيعون الأوامر دون تفكير. يكون تجنيد الأطفال في التنظيم المسلح إما طواعية من قبل أطفال وجدوا ضالتهم في دار الأيتام أو أطفال ولدوا لإرهابيين أجانب أو أطفال أخذوا عنوة من أهاليهم، كما أن أطفال من العائلات الغنية تكون مستهدفة خصوصا الذين يعانون من مشاكل نفسية وفراغ عاطفي، مما يسمح بغسل أدمغتهم بكل سهولة لاسيما و أن التنظيم المسلح يبدع بشكل فائق بعملية تجنيد الأطفال عن طريق سياسة التغرير بالأطفال من أجل استمالهم عن طريق التقرب منهم وتوزيع الهدايا عليهم، وسماح لهم باستخدام أسلحتهم و اللعب بها، كما يستعمل سياسة التجويع و الترغيب و الإغراء الأهالي بإعطائهم مبالغ مالية مقابل إرسال أولادهم إلى الجحيم وبذلك أصبح تجنيد الأطفال مهنة ترتزق منها العائلات في الحروب مقابل أجر يدفع من داعش ،ما يلفت للانتباه أن هناك تجنيد إلكتروني عن طريق استغلال مواقع التواصل الاجتماعي حيث يقوم التنظيم المسلح ببث فيديوهات أو نشر مبادئهم العقائدية في الجهاد، وحث الأمهات على تنشئة أولادهم على هذه المبادئ داعشية ، وتشجيعهم على ممارسة ألعاب رياضية قتالية لتعويدهم على التحمل الصعاب وتحسين قدرتهم على رمي و استعمال السلاح، إضافة إلى هذا يقوم التنظيم المسلح بصدقات وهمية مع الأطفال عبر وسائل التواصل الاجتماعي واختراق حساباتهم ومعرفة أرقام هواتفهم السرية أين يتم تهديدهم و إرغامهم على انضمام في صفوفهم،كما أن الألعاب الإلكترونية و البلايستيشن لم تسلم من استغلال التنظيم المسلح عن طريق تعديل الألعاب حسب أهوائهم بما يجلب انتباه الأطفال عن طريق تصميم شخصيات و إضافة أصوات وتبديل الشعارات و الأعلام و السيارات، وبالتالي يصممون اللعبة بالطريقة التي يريدونها حتى يتأثر الطفل بها. يعمل التنظيم المسلح على خلق إرهابي منذ نعومة أظافره وفق مناهج علمية حيث يتم تلقين الأطفال وزرع في عقولهم أفكار أصولية عن الجهاد حسب معتقداتهم من أجل حصد بأخير جيلا إرهابيا قادر على مقاومة من صناعة داعشية،يقوم جهاده على أساس الفكر التكفيري الدموي للمحافظة على استمرارية الولاء لأنظمتهم المزعومة،و بعد ذلك يخضعون إلى عمليات تدريبية عسكرية شاقة دون رأفة ولا شفقة لتعلم أساسيات وفنون القتال حسب أيديولوجية التنظيم ،إضافة إلى ذلك يقوم التنظيم المسلح إلى أخذ الأطفال إلى مسرح القتل لمشاهدة سيناريو من إخراج التنظيم المسلح فيما يخص طريقة الذبح وقطع الأشلاء إربا وإرغام الأطفال على حملها وتنكيل بها والتقاط صور معها، ومما لاشك فيه أن تكرار هذه المشاهد أمام أعين الأطفال ترسخ في أذهنهم هذه الصور التي يرونها ومع مرور الوقت يستوعبوا الأطفال هذا العنف و يصبحوا أمرا طبيعيا بالنسبة لهم،وبعد انتهاء من تدريب الأطفال وغسل أدمغتهم على جهاد من قبل التنظيم المسلح يصبح الأطفال جاهزين للعمل في العمليات القتالية إما يكونون وقود لعمليات التفجيرية نظرا لسهولة تحركهم وانتقالهم، أو إشراكهم في العمليات اللوجيستية لنقل المؤن أو وضعهم في نقطة التفتيش و الجوسسة ، أو توكيلهم للقيام بمهمة الحراسة الشخصية مرتدين الزي الداعشي وبحوزتهم الأسلحة. إن تجنيد الأطفال في النزعات المسلحة يعتبر جريمة حرب وفقا للفقرة (ب)و (ه) من المادة 8 من نظام المحكمة الجنائية الدولية التي أكدت على أن تجنيد الأطفال دون الخامسة عشر سنة من العمر إلزاميا أو طوعيا في القوات المسلحة أو استخدامهم للمشاركة فعليا في أعمال الحربية سواء كان ذلك في النزعات المسلحة الدولية أو الداخلية، وعليه فإن نظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لم يعرف الطفل بصفة صريحة، ولكن يستشف من (ب)و (ه) من المادة 8 أنها تعتبر الطفل كل من لم يبلغ السن خمسة عشر سنة كاملة، كما اعتبرت أن تجنيد الأطفال سواء كان ذلك طوعية بإرادتهم أو بإجبارهم عن طريق إكراههم بالقوة للانضمام إلى القوات المسلحة النظامية و غير نظامية، ويستوي أن تكون مشاركتهم بصفة مباشرة بحمل السلاح وهذا يعطهم صفة مقاتل،أو يكون اشتراكهم بطريقة غير مباشرة بالقيام بعمليات التخريبية و الاستخبارات ويشترط أن ترتكب أفعال تجنيد الأطفال في إطار خطة أو سياسة عامة أو ارتكابها في نطاق واسع سواء في النزعات الدولية أو الداخلية،باعتبار أن أعمال تجنيد الأطفال بمثابة انتهاكات جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني ، والسن المحدد للطفل في نظام المحكمة الجنائية الدولية هو نفسه السن الذي حددته الفقرة 2 من المادة 77 من البرتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف 1949 ولكن نظام روما الأساسي لم يولي عناية خاصة للأطفال البالغين في السن ما بين 15 سنة و 18 سنة مثل ما هو مقرر في البرتوكول المذكور، وذلك بإعطاء الأولوية لمن هم أكبر سنا بمعنى أن الطفل الذي يبلغ عمره سبعة عشر سنة يجب تجنيده قبل الطفل الذي عمره ستة عشرة سنة، وهو ما أخذت به المادة 38 من اتفاقية حقوق طفل 1989 غير أنها حددت سن تجنيد الأطفال بخمسة عشر سنة ، لكن ما يلفت الانتباه أن هناك التناقض واضح في هذه الاتفاقية لأن مادتها الأولى عرفت الطفل بأنه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه، ثم طلبت من الدول عدم تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة في قواتها المسلحة مما يعني أن الطفل ما بين سن الخامسة عشرة والثامنة عشرة، مسموح بتجنيده في القوات المسلحة للدول الأطراف رغم أنه مازال طفلا وفقا لتعريف المادة الأولى لسن الطفولة بغض النظر عن كيفية تجنيد الأطفال و المهام التي يقومون بها فالأطفال الجنود هم ضحايا و مشاركتهم في النزاع يترتب عنه آثار خطيرة بالنسبة إلى صحتهم الجسمية والنفسية، وغالباً ما يكونون خاضعين لضروب الأذى ومعظمهم يواجهون الموت والقتل والعنف الجنسي بل إن كثيرا منهم يجبرون على ارتكاب هذه المجازر لدرجة أن بعضهم يعاني من آثار سيكولوجية خطيرة في الأجل الطويل، ومن ثم فإن عملية إعادة دمج هؤلاء الأطفال تمثل أمرا بالغ التعقيد،و من أجل الحد من جريمة تجنيد الأطفال لابد على الدول و المنظمات الدولية و المجتمع المدني القيام على نشر ثقافة السلام عن طريق التثقيف في مجال السلام خصوصا ما يتعلق بتوعية الأسر حول خطورة الأسلحة الصغيرة و الأسلحة الخفيفة، كما يجب على الأمم المتحدة أن تقوم بتكريس تطبيق القانون الدولي الخاصة بالأطفال ضحايا النزعات المسلحة وحل المشاكل الدولية وفق معايير قانونية و موضوعية، و الأهم من ذلك مساءلة مرتكبي جريمة تجنيد الأطفال وتسليط أشد العقوبات عليهم حتى يكونون عبرة لمن تسول له نفسه على ارتكاب مثل هذه الجرائم.
* محللة وباحثة في القانون الدولي و العلاقات الدولية