2024-04-24 12:41 م

نتنياهو: العرب معنا... ألقوا سلاحكم!

2016-09-24
بقلم: جان عزيز
كما في كل أيلول وكل جمعية أممية، مذهلاً كان نتنياهو في خطابه في نيويورك قبل يومين. مذهلاً في ناحيتين: وقاحته. وصراحته. صفتان تكاملتا في كل كلمة من كلامه، لتشكلا الدليل القاطع على سفالة السياسة الدولية، وحقارة السياسيين العرب.
النصف الوقح من خطاب نتنياهو، لا بد قبل أن تسمعه، من أن تتذكر أين يقف وإلى من يتوجه. إنها الأمم المتحدة. أي ما تسمى الشرعية الدولية. حاضنة مجلس الأمن والفصل السابع وكل الفصول. إنها «هذا الشيء الكائن في مانهاتن» كما سماها ديغول، الذي غطى قبل أعوام قليلة تدمير بلد كامل اسمه ليبيا. والذي قبلها غطى تجويع شعب كامل في بلد اسمه العراق.
والذي يرعى حتى اليوم جحيم سوريا. والذي فرض على لبنان سياسات ورئاسات وحكومات. والذي يهز بكلمات منه دولنا وأنظمتنا واستقرارنا... هذا «الشيء» نفسه، تفنن نتنياهو في شتمه. وصف الجمعية العمومية بأنها «عار». ومجلس حقوق الإنسان بأنه «نكتة». ومنظمة أونسكو بأنها «سيرك». قبل أن يتوج إهانته لتلك الهيئة الدولية العظمى، بالجزم أنها تحولت من «قوة أخلاقية إلى مسخرة أخلاقية»! وصولاً إلى تهديده المباشر للجالسين أمامه في تلك القاعة الباردة، قائلاً لهم: «هل يعتقد أحد فعلاً أن اسرائيل ستسمح للأمم المتحدة بتحديد مصالحنا الوطنية الحيوية؟ لن نقبل أي محاولة من قبل الأمم المتحدة لإملاء أي شروط على اسرائيل». قبل أن يبلغ ذروة تهديده الوقح لزعماء العالم: «لدي رسالة واحدة لكم. ألقوا سلاحكم! فالحرب ضد اسرائيل في الأمم المتحدة قد انتهت»!

علام يستند رجل كهذا غارق في اتهامات الفساد، وفي سلسلة حروب خاسرة، وفي انكسار كل أساطير كيانه وجيشه، كي يواجه أعلى هيئة دولية بوقاحة كهذه؟ واضح في خطابه نفسه، أنه يتكل على أوراق قوة ثلاث: واشنطن، اقتصاد المعرفة في بلاده، وخبث زعماء دول العالم، وخصوصاً سفالة زعماء الدول في منطقته. إنها العلامات الثلاث الفارقة، للشق الآخر في كلامه، والمتسم بالصراحة المتمادية:

عن العلامة الأولى، يقولها الرجل بثقة ومكاشفة مطلقة: أنا حليف واشنطن. يؤكد بنبرته الصلفة نفسها: «لن ننسى أن تحالفنا الأعز، وصداقتنا الأعمق، هي مع الولايات المتحدة، أقوى أمة على الأرض وأكثرها كرماً»! «ما يربطنا بالولايات المتحدة غير قابل للكسر. وهو أسمى من الأحزاب والسياسات. إنه انعكاس في الأساس، للدعم العارم الذي يقدمه الشعب الأميركي لاسرائيل». العلامة الثانية في مصارحة نتنياهو حول أسباب قوته، تفيض زهواً وطاووسية. حين يبدأ بتعداد إنجازات بلاده التقنية: «اسرائيل تكرر 90 بالمئة من مياه صرفها.
الدولة الثانية عالمياً لا تكرر أكثر من 20 بالمئة (...) اسرائيل تجذب 20 بالمئة من الاستثمارات العالمية الخاصة في سوق الأمن السيبيري (برامج أمن الصناعة المعلوماتية) نحن نحمي مصارفكم وطائراتكم وشبكات طاقتكم من القراصنة (...) المرأة في اسرائيل تقود الطائرة وترأس كبرى الشركات والجامعات والمحكمة العليا والكنيست والحكومة»! أما العلامة الثالثة التي يدسها نتنياهو في خطابه حول قوة اسرائيل، فهي أن «كل شيء سيتغير في وقت أبكر بكثير مما تعتقدون. مزيد من البلدان في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، يرون في اسرائيل شريكاً ممكناً في محاربة إرهاب اليوم، وتطوير تكنولوجيا الغد (...) باتت لدينا علاقات دبلوماسية مع أكثر من 160 بلداً». قبل أن يتقصد عضو الوفد الصهيوني إلى مؤتمر مدريد، أن يوجه صفعته إلى متفرجي مانهاتن بالقول: «سأفاجئكم أكثر. أكبر تحول في الموقف تجاه اسرائيل يحدث الآن في العالم العربي. (...) للمرة الأولى في حياتي دول عديدة في المنطقة تعترف بأن اسرائيل ليست عدوها. تعترف بأن اسرائيل حليفتها. وأن عدونا المشترك هما إيران وداعش»!!

ما القاسم المشترك بين أوراق القوة الاسرائيلية المكشوفة الثلاث؟ ما القاسم المشترك في منطقتنا، بين واشنطن، وتخلف اقتصاداتنا في مواجهة تطور الاقتصاد الصهيوني، وادعاء نتنياهو نفسه أن زعماء كثيرين من بلدان منطقتنا، يتهافتون للاعتراف بكيانه حليفاً لهم، في مواجهة إيران؟ هل هي مصادفة أن أنظمة محددة في المنطقة، تشكل المحور المتحرك والمتقلب لتلك العوامل الثلاثة؟ فالأنظمة الحليفة لواشنطن، حليفة نتنياهو من الناحية الأخرى، هي نفسها الأنظمة التي تعيش أكبر تخلف تكنولوجي وإنساني ونسوي تحديداً في منطقتنا. وهي نفسها الأنظمة التي لم تعد تخجل من إعلان تحالفها مع الكيان الصهيوني.
هي ليست مؤامرة. ولا حتى نظريتها. إنها طبيعة الأمور والأشياء. فهناك أنظمة متخلفة عندنا. في طغيانها وطغاتها وبؤس ناسها. وهي تحتاج في واقعها هذا إلى ضرورتين اثنتين للاستمرار في السلطة: مظلة عنف خارجي لحفظ شرعية النظام من فوق، وعدو وهمي لتخدير الناس من تحت. المظلة اسمها واشنطن. والعدو ــ الفزاعة يتبدل كلما أسقطت ريح خيال صحراء. وهو اليوم اسمه إيران. هكذا، تتركب السيبة الثلاثية: تصير تلك الأنظمة هي نفسها، حليفة لواشنطن المتطورة، وبؤراً للتخلف الأكثر حجرية في العصر، ومتهافتة سراً من قبل وعلناً اليوم، لمصافحة اسرائيل!

هي حقارة الأنظمة وسفالة زعمائها. قبل أكثر من نصف قرن أعدم جاسوس صهيوني كاد يبلغ موقع وزير عربي. اليوم صار الخرق أعلى بكثير. وصارت العقوبة حقيبة دائمة وسلطة مستدامة!
المصدر: صحيفة "الاخبار" اللبنانية