2024-03-29 10:22 ص

عن التنافس التركي - المصري - السعودي على إسرائيل

2016-07-28
حمزة الخنسا

في مناظرة مع مستشار الأمن القومي السابق لحكومة الاحتلال الجنرال الإسرائيلي (احتياط) يعقوب أميدرور، نظّمها "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" قبل أسابيع، اعتبر رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق تركي الفيصل، أن حصانة الدول العربية أمام التحديات سواء أكان مصدرها إيران أو أي مصدر آخر، تكون أقوى في ظل التعاون مع إسرائيل. استكمل الفيصل بذلك سلسلة طويلة من الخطوات الثابتة نحو علاقة "أخوية" مع الكيان الصهيوني، مفتاحها مبادرة الملك عبد الله آل سعود للسلام. بالأمس فقط، توّج اللواء السعودي المتقاعد أنور عشقي، "الجهود" السعودية، بزيارة الى "إسرائيل" على رأس وفد من الأكاديميين ورجال الأعمال السعوديين.

في أواخر حزيران، أعلنت أنقرة التوصّل الى اتفاق لتطبيع العلاقة مع "تل أبيب"، بعد سنوات من التوتر والقطيعة إثر حادثة "سفينة مافي مرمرة" التي كانت متّجهة إلى قطاع غزة في أيار 2010. بعد أيام قليلة، في أوائل تموز، حطّ وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في "تل أبيب"، في أول زيارة من نوعها لمسؤول مصري منذ تسع سنوات، وبعد مبادرة "السلام الدافئ" مع "إسرائيل" التي أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 17 أيّار الماضي.. للتاريخ رمزيته في مسيرة الصراع مع كيان الاحتلال وخصوصاً في لبنان.

يأتي هذا التسابق التركي - المصري - السعودي باتجاه "إسرائيل"، في لحظة مخاض بدفع من الإرهاب، تمرّ بها المنطقة، سيكون ما بعدها غير ما قبلها. في لحظة تتعقّد فيها الحلول، ويتقدّم الخيار التصعيدي في أكثر من جبهة، سياسية كانت أم عسكرية، مع انفلات خيوط الإرهاب التكفيري من أيدي اللاعبين الأساسيين ليضرب قلب أوروبا بوتيرة شبه يومية. يأتي أيضاً في أجواء التطبيع العام (في السياسة والإعلام والاقتصاد) التي يشيعها السعوديّون في العالم العربي. وفي ظل تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير، المشمولتين بإتفاق "كامب دايفد" مع "إسرائيل" للسعودية، وما يلي ذلك من تبعات قد تُدخل الرياض كطرف ثالث في الاتفاقية الى جانب القاهرة  و"تل أبيب". وفي ظل محاولة الحكم التركي الناجي من الإنقلاب، إعادة ترتيب البيت الداخلي بما يضمن إحكام القبضة الحديدية على كامل مفاصل الدولة. في هذا التوقيت بالذات، بدا لافتاً "نزوح" دول "الإعتدال" العربي والإسلامي باتجاه "إسرائيل"، وأعينهم في نهاية الخطّ على رضا الولايات المتحدة الأميركية.

عن إرضاء الولايات المتحدة، يكشف "مجتهد" المغرّد المتخصّص بكشف أسرار البلاط الملكي السعودي وخباياه، أن زيارة عشقي الى الأراضي المحتلة ولقائه المسؤولين الإسرائيليين، جاء بتفويض كامل من الديوان الملكي في الرياض. عَدّ المغرّد السعودي الأشهر الزيارة "خطوة متقدمة من وزير الدفاع السعودي (ولي ولي العهد) محمد بن سلمان في كسب ودّ "إسرائيل" من أجل التوسّط لدى واشنطن لتفضيله على (ولي العهد) محمد بن نايف"، على الرغم من أن "علاقة ابن نايف بـ"إسرائيل" أخطر من علاقة ابن سلمان بها، وهي قديمة وعميقة ولكنها خلف الكواليس لأن هدفها التنسيق الأمني الشامل وليس التطبيع". بالطبع، لا تغيب إيران عن خلفية التفكير السعودي في أي خطوة يُقدم عليها. "أبلَسة" المقاومة في لبنان وفلسطين، ومن خلفها إيران، هدف مشترك للسعودية و"إسرائيل".

لا ينحصر هدف ضرب المقاومة بين الرياض وتل أبيب. "التدافع" الحاصل بين تركيا ومصر والسعودية، للوصول أولاً الى قلب "تل أبيب"، له دوافعه وأهدافه لكل هذه الأطراف. إنهاء القضية العربية الفلسطينية، معيار وضعته واشنطن للمتسابقين على خطّ الدولة العبرية. مثلاً، مصر الساعية للعودة الى لعب دور على الساحة العربية، لا تجد إلا الارتقاء بعلاقتها مع "إسرائيل" مدخلاً لإعادة تفعيل هذا الدور. التوتّر الذي يحكم علاقة مصر بتركيا، يدفع الطرفين للمسارعة الى التوجّه نحو "تل أبيب". فالقاهرة لا تنظر بعين الإرتياح الى إمساك تركيا بأوراق كثيرة في قطاع غزة، على رأسها العلاقة مع حماس وحركة الاخوان المسلمين هناك، وتقديم نفسها على أنها طرف إسلامي سُنّي شريك أساسي في القضية الفلسطينية. فيما لا تقبل القاهرة، على الإطلاق، خروج غزة من دائرة نفوذها، بما تعنيه لفلسطين كقضية مركزية، ومدخلاً مهماً للإطلالة على الساحتين العربية والدولية.

بالطبع، لا يدور "الصراع الخفي" بين هذه الأطراف على قاعدة تقديم العَون والدعم للفلسطينيين في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، بل على أساس قطع الطريق على قوى المقاومة في المنطقة، وعلى رأسهم إيران، تمهيداً لفرض تسوية جديدة مع كيان الاحتلال يقودها النظام الرسمي العربي "المعتدل"، وعلى رأسه السعودية. وعليه، تُصبح "إسرائيل" شريكة هذا النظام في مكافحة "الإرهاب" المتمثّل بالمقاومة، بعد قلب المفاهيم وغسل أدمغة الرأي العام عبر الإعلام السعودي الهوية والتمويل. وفي هذا السياق يمكن وضع جملة الاستهدافات التي تعرّضت لها المقاومة في لبنان، عسكرياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً، وكذلك ما تتعرّض له إيران.

عن "موقع" العهد الالكتروني