2024-03-29 01:01 م

جولة نتنياهو واستعادة مكانة إسرائيل الأفريقية

2016-07-15
توفيق المديني
قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بجولة الأفريقية منذ الإثنين 4 تموز الحالي، شملت أربع دول أفريقية من منطقة حوض النيل هي كينيا وأوغندا ورواندا وإثيوبيا، حيث التقى خلالها مسؤولي سبع من الدول الأفريقية، وهم، بالإضافة إلى زعماء الدول التي زارها، رئيس جنوب السودان وزاميبيا، ووزير خارجية تنزانيا. وتندرج زيارة في سياق اعتبارين:
الأول يخصّ رئيس الوزراء الإسرائيلي وأسرته، ويتمثل بحلول الذكرى الأربعين لمقتل شقيقه الأكبر الكولونيل جوناثان نتنياهو في «عملية عنتيبي» في تموز 1976، ويشكل إحياء ذكرى مقتله فرصة يعزّز عبرها رئيس الوزراء الإسرائيلي مكانته السياسية في الداخل.
الثاني يتمثل باستراتيجية واضحة ومحدّدة قوامها توسيع نطاق التغلغل الإسرائيلي في القارة الأفريقية، وتوظيف الحضور الأفريقي في المؤسسات الدولية، لا سيما هيئة الأمم المتحدة، لإحباط أي محاولة لتمرير مشاريع قوانين تتعارض مع المصالح الإسرائيلية. تُضاف إلى ذلك الحاجة إلى توثيق التعاون الأمني والاستخباري، وفتح الأسواق الأفريقية الواعدة، وتطوير التبادل التجاري معها.
وللدولة الصهيونية مصالح استراتيجية تعمل على تحقيقها في أفريقيا، منها:
المصالح الديبلوماسية: لقد مهّد تراجع المواجهة العربية مع إسرائيل طريق التقارب بين إسرائيل والكثير من الدول الأفريقية التي اتجهت إلى توثيق علاقاتها الديبلوماسية مع تل أبيب.
المصالح الأمنية: تشكّل القدرة على تهديد الأمن القومي العربي عامة والأمن المصري خاصة، محوراً رئيسياً في السياسة الخارجية لإسرائيل. لذا، فقد دأبت الأخيرة على تعزيز علاقاتها الأمنية مع دول شرق أفريقيا، لاسيما أثيوبيا وكينيا وأوغندا وإيريتريا وجيبوتي، من أجل تحقيق هذا الهدف. وكانت دولة الاحتلال تستهدف من خلال هذا التحرك تحقيق السيطرة الاستراتيجية على مضيق باب المندب، الذي تعتبره منفذاً حيوياً لحركتها الملاحية، من آسيا وأفريقيا وإليهما. إضافة إلى ذلك، تستهدف الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية تهديد أمن الدولتين العربيتين المعتمدتين على مياه نهر النيل، أي مصر والسودان. فتل أبيب ترغب بتطوير علاقاتها مع كينيا التي تقع على المحيط الأطلسي، بهدف الحصول على تسهيلات للقطع البحرية الإسرائيلية. أما العلاقة بنظام الرئيس الإرتري أسياس أفورقي فيقوم جانب منها على السماح للغواصات والسفن العسكرية الإسرائيلية باستخدام الموانئ الإريترية. كما تستهدف الاستراتيجية الأمنية في أفريقيا تطويق إيران ومنعها من توظيف أنشطتها الدينية لتوثيق العلاقة مع الشيعة الأفارقة. وفي هذا السياق كانت الحكومة النيجيرية قد تمكّنت، قبل عامين، من تفكيك خلايا تابعة لـ «حزب الله» بناء على معلومات حصلت عليها من إسرائيل. فضلاً عن ذلك، وأمام بروز حركات إسلامية متطرفة في أعقاب «الربيع العربي»، لا سيما في بلدان شمال أفريقيا، تعمل إسرائيل على بلورة حلف يجمعها ببضع الدول جنوب الصحراء، التي تخشى من توسع الإسلام المتطرف ومن تأثيره على القارة بأسرها.
المصالح الاقتصادية: يتزايد التغلغل الاقتصادي الإسرائيلي في ظل الأوضاع الاقتصادية المتأزمة للكثير من الدول الأفريقية في مجال التغذية، حيث تبدو البلدان الأفريقية بحاجة إلى التكنولوجيا والخبرات الإسرائيلية، من أجل تطوير الزراعة واستغلال ثرواتها الخشبية واستصلاح الري. ومن الطبيعي أن ينجم عن هذا الوضع تطوير في التبادل التجاري بين أفريقيا والكيان الإسرائيلي، في ظل التراجع الكبير الحاصل على مستوى الشراكات الاقتصادية والتجارية مع الدول العربية، وانشغال الأخيرة بحروبها الداخلية، وضمور دور الجامعة العربية في تعزيز أطر التعاون مع الاتحاد الأفريقي.
لقد كانت دولة ساحل العاج نقطة ارتكاز في السياسة الخارجية الإسرائيلية من أجل النفاذ إلى بقية الدول الأفريقية. ذلك أن الرئيس الراحل هوفيه بوانيه كانت تربطه علاقات تاريخية وثيقة بحزب «العمل» الإسرائيلي منذ ثلاثين سنة. وتتمركز الشركات الصهيونية حالياً في أحد عشر بلداً أفريقيا هي الكاميرون وساحل العاج وغانا وكينيا وليبيريا ومالاوي ونيجيريا وتنزانيا وزائير وزامبيا وإثيوبيا، وتعمل معظم هذه الشركات في تطوير الزراعة والري وفي مجال الفنادق السياحية ومقاولات البناء.
علاوة على ذلك، ثمة شركات مندمجة في شركة مساهمة عملاقة يقع مقرها الرئيسي في أمستردام بهولندا، يشرف على إدارة أعمالها موظفون كبار تربطهم علاقات وطيدة بكبار رجال السياسة الإسرائيليين، ولا تقتصر مهمتهم على الأعمال الاقتصادية فحسب، إنما يقومون كذلك بترتيب اللقاءات السرية بين القادة الأفارقة والساسة الإسرائيليين.
هكذا، يحقق النفاذ الإسرائيلي إلى الحياة الاقتصادية والأمنية والديبلوماسية لهذه البلدان خدمة جلية للاستراتيجية الإسرائيلية الهادفة إلى الحيلولة دون حدوث تغيير تقدمي وجذري لمصلحة تحرّر القرار الأفريقي. ولو كان الاهتمام الرئيسي للدول العربية موجهاً نحو المواجهة مع الجانب الإسرائيلي، لما كان في وسع بعض الدول الأفريقية أن تعيد علاقاتها الديبلوماسية معه، ولما حدث ما يحدث الآن، من تراجع في التأييد الدولي للقضية الفلسطينية.

عن "السفير" اللبنانية