2024-04-20 05:27 ص

الى متى الهوان ..

2016-06-28
بقلم: د. أنور العقرباوي  
في عام 1943 اطلق وزير الخارجية البريطانية, أنتوني ايدن دعوته في مجلس العموم البريطاني, متمنيا على حكومة بلاده "أن تنظر بعين العطف إلى كل حركة بين العرب ترمي إلى تحقيق وحدتهم الإقتصادية و الثقافية و السياسية"! لم يمضي عام حتى دعا رئيس الوزراء المصري في حينه, مصطفى النحاس كل من سوريا ولبنان لبحث فكرة اقامة جامعة عربية, تعزز التعاون بين دولها, وهكذا أعلن في عام 1945 عن قيام جامعة الدول العربية, ما لبثت أن التحقت سائر الدول العربية بعضويتها. جاء في اعلان التأسيس, أنها كيان لجمع الشمل العربي وتحقيق طموحات شعوبه, في تحقيق الوحدة الإقتصادية والإجتماعية والعسكرية والجغرافية, من اجل مستقبل مشرف للشعوب العربية, في تحقيق الرفاهية والحياة الكريمة وتدعيم حقوق الإنسان! وعلى إثر إنتهاء الحرب العالمية الثانية, واعادة رسم الاصطفافات والتحالفات, عرف العالم نشوء أحلاف وتجمعات, كان الشاغل الاقتصادي أهمها, حيث نشأت تكتلات اقتصادية, جاء في ادبيات الإعلان عنها, تعزيز الأمن والاستقرار والنهوض بمستوى البرامج الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, وتشجيع التعاون الدولي والإقليمي. وبينما خضع تطور هذه التكتلات إلى مراحل, فإن ما أسهم في تعزيز مكانتها واستمرارها, هو احترام مؤسساتها وعلى أسس ديمقراطية لرغبات مواطنوا الدول المنضوية تحت لوائها, ولعل أبلغ دليل على ذلك هو النزول عند رغبة البريطانيون في الانفصال عن الاتحاد الأوروبي حديثا, وفي عام 2015 عندما رفض اليونانيين الرضوخ لشروط الإنقاذ اللتي اشترطها الإتحاد للخروج من ازمتهم الإقتصادية. ولما كانت القاعدة في الدول الديمقراطية, هو الرجوع إلى الجماهير في تقرير مستقبلها وتحقيق طموحاتها, فإن شيئا من هذا القبيل كان ولا يزال هو الإستثناء في غياب الارادة السياسية لدى الانظمة الشمولية, ونخص منها بالذكر هنا الانظمة العربية, اللتي تنادت إلى تأسيس جامعة لدولها, أثبت تطور الأحداث أنها لم تكن سوى جامعة حكومات وليست جامعة شعوب, عندما اخفقت في ترجمة شعاراتها في الوحدة و لم الشمل وتدعيم حقوق الانسان إلى واقع ملموس, وعندما اتخذت قرارات بتجميد عضوية الدولة المؤسس لها سوريا, وعند دعوة مجلس الأمن للتدخل في ليبيا, وإرسال قوات في عام 1990 لمواجهة القوات العراقية! في عام 1975 قرر البريطانيون الانضمام إلى الإتحاد الأوروبي برغبة شعبية, حصلت على موافقة 67% من مواطنيهم, وفي عامنا هذا 2016, خرج البريطانيون من جديد وصوتوا هذه المرة وبنسبة 52%, لصالح الانفصال, فتنازل الجميع عند رغباتهم, دون أن يسجل خروج أية دبابة للشوارع ودون انتشار للقناصة على أسطح المنازل أو اعلان حالة طواريء! في عام 2011 خرجت الجماهير العربية إلى الشوارع, في انتفاضة عفوية سلمية مطالبة بتحقيق الحلم الموعود في العدل والمساواة والحرية, فقابلتها أنظمتها من جهتها بالنزول إلى الشوارع بالدبابات وإعلان حالات الطوارئ, قبل أن تصادر كل شعاراتها وتجعل من كل من خرج عن طاعتها "إرهابيا", بموجب قوانين سلختها على عجل, وتجعل من القضية الأمنية الشماعة اللتي تبرر كل إجراءاتها في مصادرة أبسط حقوقها, في العيش بحرية وكرامة! الخلاصة: لقد اكدت الأحداث والوقائع, على فشل منظومة العمل الرسمي العربي, على تحقيق شعاراتها حتى ولو في حدها الأدنى من رغبات شعوبها في العيش الكريم, ولما كان ذلك مرهونا بتبني ارادة الجماهير, واللتي لا تتطابق بالضرورة مع توجهات النظم السياسية, فإنه غني عن القول أنه قد بات على هذه الجماهير, وعلى ضوء تجربتها المزمنة والمضنية مع أنظمتها, أن تصحو من غفوتها وأن تنأى بانانيتها عن نفسها, وأن تجترح طريقا للخلاص من الوضع المزري اللذي انتهى به الحال من أجل بناء مستقبل واعد لأجيالها من بعدها, وكم من الأمثلة السلمية اللتي خاضتها شعوبا من قبلها, قبل أن ييأس العالم ويزحف بكل جبروته علينا ليجهض ما تبقى لنا, بعد أن نال من كل مقومات ثقافتنا وحضارتنا! 
كاتب فلسطيني- مقيم في واشنطن